حافظت السعودية على موقف محايد تجاه الأزمة التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي 1 مارس/آذار، أصدرت الرياض بيانًا يدعو إلى حل سياسي للأعمال العدائية لا يصف روسيا بأنها المعتدي.
وتحدث ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” في الأيام الأولى للحرب وعرض التوسط بين روسيا وأوكرانيا.
في الوقت نفسه، أيدت السعودية مشروع القرار الجنوب أفريقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 مارس/آذار، والذي لم يوجه إدانة لروسيا، بالرغم أن المملكة صوتت لإدانة الغزو في 3 مارس/آذار.
ويتناقض حياد السعودية تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا مع ردود أفعالها الصارمة تجاه التدخلات العسكرية الروسية السابقة.
ويعكس ذلك تبني السعودية المتزايد لسياسة خارجية متعددة الاتجاهات وتخفيف الخلافات طويلة الأمد بين موسكو والرياض حول النزاعات في الشرق الأوسط.
وبالرغم من الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وأوروبا للوقوف ضد روسيا والمساعدة في خفض أسعار النفط، لم تقرر المملكة زيادة إنتاج النفط بشكل كبير ولم تتماشى مع الإجماع الغربي على عزل روسيا.
وعلى عكس إيران، التي تتعاطف عادةً مع موسكو في أوقات الأزمات، ليس لدى السعودية سياسة محددة تجاه التدخلات العسكرية الروسية.
وبعد الحرب الجورجية عام 2008، أعربت السعودية عن تعاطفها مع قرار روسيا التدخل في منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية، وأجرى الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي آنذاك الأمير “بندر بن عبدالعزيز آل سعود” محادثات مع “بوتين” لتعميق التعاون العسكري التقني بين البلدين.
وبعد الغزو الروسي الأول لأوكرانيا في فبراير/شباط 2014، أعربت السعودية عن دعمها لوحدة أراضي أوكرانيا وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 68/262، الذي أدان ضم شبه جزيرة القرم.
ويقع موقف السعودية من الحرب الحالية في أوكرانيا في مكان ما بين هذين الموقفين، لكن حيادها المعلن لا ينبغي أن يتم تفسيره باللامبالاة تجاه القضية الأوكرانية أو تداعيات الصراع، فقد كشفت وسائل الإعلام السعودية عن قلق المملكة من تأثير تصرفات روسيا وردود الأفعال الغربية على النظام الدولي.
ووصف مقال نشر في عكاظ في 8 مارس/آذار غزو روسيا لأوكرانيا بأنه عمل مزعزع للاستقرار، على غرار الغزو العراقي للكويت عام 1990، واعتبر أن روسيا “وضعت سمعتها الدولية ومكانتها وحتى كرامتها الوطنية في اختبار صارم”.
واعتبر المدير العام السابق لقناة العربية “عبدالرحمن الراشد” أن “فلاديمير بوتين” هو “رجل الإمبراطورية القيصرية الروسية”، وحذر من أن غزو أوكرانيا قد يتبعه “حروب طويلة على جبهات متعددة”.
وبالرغم من هذه المخاوف التي تم الإعراب عنها، تظل السعودية ملتزمة بشدة بسياسة خارجية متعددة الاتجاهات لحقيق التوازن بين الشراكات التقليدية مع الغرب وكذلك العلاقات مع القوى غير الغربية مثل الصين وروسيا والهند.
وتشير محادثات السعودية الأخيرة مع الصين حول تسعير عقود النفط باليوان إلى رغبتها المحتملة في دعم نظام مدفوعات خارج السيطرة الأمريكية.
ويؤكد إعلان شركة “روسوبورون” الروسية عن معدات عسكرية، مثل المروحية الهجومية “مي 28 ني” وسفينة الصواريخ الصغيرة “كاراكوت إي”، في معرض الدفاع العالمي الشهر الماضي في الرياض، على مكانة روسيا الدائمة في السياسة الأمنية متعددة المصادر لدى السعودية.
كما لعب تخفيف التوترات الروسية السعودية بشأن سوريا واليمن دورًا في رفض الرياض إدانة حرب “بوتين” في أوكرانيا.
وتؤكد زيارة الرئيس السوري “بشار الأسد” الأخيرة إلى دبي على علاقته المتزايدة مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين للسعودية ويمكن أن تمهد الطريق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وتزيل هذه التطورات نقطة خلاف رئيسية بين موسكو والرياض أدت إلى دعم السعودية لأوكرانيا في عام 2014.
وفي الأشهر الأخيرة، خفت معارضة روسيا للتدخل العسكري السعودي في اليمن وكذلك مقاومة العقوبات المتعددة الأطراف ضد الحوثيين.
وأيدت روسيا في 28 فبراير/شباط، حظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين، وهو تغيير في الموقف السابق الذي أبعد موسكو عن السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، أعربت روسيا عن تضامنها مع الإمارات والسعودية ضد ضربات الحوثيين، وربما يكون ذلك ساهم في امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن بشأن حرب أوكرانيا، وموقف السعودية المتساهل تجاه عدوان موسكو على جارتها.
وحاولت الدول الغربية إقناع السعودية بتغيير مسارها لضبط أسعار النفط ومواءمة موقف الرياض مع الموقف الغربي تجاه حرب أوكرانيا. وبعد أن ربطت السعودية رفضها زيادة إنتاج النفط بالتهديد الذي تشكله طائرات الحوثيين بدون طيار، نقلت الولايات المتحدة صواريخ باتريوت إلى الرياض في 21 مارس/آذار.
وحث رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” ولي العهد السعودي على التنديد العلني بالغزو الروسي، وحذر وزير الاقتصاد الألماني “روبرت هابيك” دول “أوبك” من التربح من العقوبات الدولية المفروضة على روسيا. وبالرغم من ذلك، لم يتغير موقف السعودية من روسيا.
وقد يكون السبب في العناد السعودي هو إصرار الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على بذل كل الجهود الممكنة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
وفي مقال رأي بتاريخ 29 مارس/ آذار في “جيروزاليم بوست”، تساءل رئيس التحرير السابق لقناة العربية الإنجليزية “محمد اليحيى”: “لماذا يجب على حلفاء أمريكا الإقليميين مساعدة واشنطن على احتواء روسيا في أوروبا بينما تعمل واشنطن على تقوية روسيا وإيران في الشرق الأوسط؟”.
وربط “اليحيى” هذا التناقض بالاتجاه السلبي الأوسع في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه دول الخليج وأشاد بنهج الصين الأكثر قابلية للتنبؤ تجاه الدبلوماسية الثنائية.
وقد عزز تضامن روسيا مع “بن سلمان” بعد مقتل “جمال خاشقجي” في أكتوبر/تشرين الأول 2018 صورة موسكو كشريك محتمل للسعودية.
واستغلت روسيا استياء السعودية من السياسة الخارجية الأمريكية لمحاولة تقريب الرياض من موسكو.
وأشاد رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي “فيكتور بونداريف” بالسعودية باعتبارها دولة مستعدة لتحدي الولايات المتحدة “غير الموثوق بها”.
ونظرًا لأن روسيا تنظر إلى حربها مع أوكرانيا على أنها حملة لتفكيك النظام أحادي القطب، ستستفيد موسكو من توتر العلاقات الأمريكية السعودية للتقارب مع الرياض بشكل أكثر قوة.
وقد جادل مقال نشرته وكالة “ريا نوفوستي” في 21 مارس/آذار بأن موقف الولايات المتحدة الضعيف في اليمن وأفغانستان أثار قلق السعودية وأن الرياض انضمت إلى روسيا والصين في معارضة “عالم أحادي القطب بإملاءات أمريكية كاملة”.
وفي 7 أبريل/نيسان، أعلن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية “سيرجي ناريشكين” أن ولي العهد السعودي يرفض زيادة إنتاج النفط، ويرفض طلبات البيت الأبيض لإجراء محادثات.
وفي حين أن الاستثمارات السعودية الجديدة في روسيا وشراء المعدات العسكرية الروسية يمكن أن يضع السعودية في مرمى العقوبات الأمريكية، لا يزال من المرجح أن تلقي الرياض بثقلها إلى جانب موسكو التي يتحول غزوها لأوكرانيا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.