ربما لم يخطط الأمير “خالد بن سلمان” لهذا، لكن توقيت رحلته إلى موسكو الأسبوع الماضي أرسل رسالة واضحة إلى واشنطن، فمن خلال عدم تأجيل الزيارة، أشار نائب وزير الدفاع السعودي إلى أنه يحاول تأمين رهانات مملكته من خلال توقيع اتفاقية تعاون دفاعي مع روسيا، في وقت تتخبط فيه الولايات المتحدة لإجلاء آلاف الأشخاص بعد سيطرة “طالبان” على كابل.
توترات وتساؤلات سعودية
ربما أرادت السعودية أن ينظر إليها على أنها تحوط رهاناتها في كل الأحوال، بوجود أو عدم وجود إخفاق أمريكي، حيث تدرك المملكة أن روسيا ستستغل الفرص التي أنشأها الفشل الأمريكي في أفغانستان، لكنها لن تكون مستعدة ولا قادرة على استبدال الولايات المتحدة كضامن لأمن الخليج.
ومع ذلك، ترغب السعودية في الاستفادة من توتر الولايات المتحدة في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن تحديد الخطأ الذي حدث والتكيف مع حقيقة أن أفغانستان ستحكمها “طالبان” مرة أخرى.
وفي عام 2001، أطاحت الولايات المتحدة بالحركة من السلطة لأنها آوت عناصر “القاعدة” الذين خططوا لهجمات 11 سبتمبر/أيلول من أفغانستان، ولا يزال هناك وجود لـ”القاعدة” في أفغانستان، إلى جانب مختلف الجماعات المسلحة الأخرى، لكن “طالبان” تصر على أنها لن تسمح لأحد بشن هجمات على بلدان أخرى من الأراضي الأفغانية.
ومع ذلك، فإن الاستعداد لاستغلال التوترات الأمريكية قد يشير أيضا إلى توترات في السعودية، فالانسحاب الأمريكي من أفغانستان يثير أسئلة لدى الرياض.
فهل ما زالت الولايات المتحدة موثوقة فيما يتعلق الأمر بالدفاع عن المملكة وشبه الجزيرة العربية؟ وهل أدى التحرك الأمريكي لتقويض الثقة في قدرة واشنطن على التفاوض على إحياء الاتفاقية النووية الإيرانية إذا بدأت المحادثات مرة أخرى؟ وهل يمكن أن تصبح أفغانستان ساحة معركة في إطار التنافس بين السعودية وإيران، على الرغم من سعي الجانبين لتخفيض التوترات؟
ميل “طالبان” لطهران
ويقول “نيل كيليام” محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “تشاتام هاوس”، إن فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني قد زاد نفوذه لدى “طالبان” على حساب السعودية، التي ابتعدت عن الحركة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول في عام 2001.
كما تباعد مسار المملكة عن “طالبان” أكثر مع التغييرات الليبرالية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” على التقاليد المحافظة للغاية التي كانت مشتركة بين السعودية و”طالبان”، بينما تستعد “طالبان” حاليًا لإعادة فرضها.
وتنبأ “كيليام” بأنه “من المرجح أن تبدأ قيادة “طالبان” حملة للطعن في شرعية “آل سعود” ودعوة الشعب السعودي مباشرة لتحدي سلطة الأسرة الحاكمة. وفي الوقت نفسه، ستحرص القيادة السعودية على محاذاة سياستها مع الولايات المتحدة وشركائها الغربيين وسوف تتبعهم في إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة الأفغانية الجديدة وتوفير المساعدات لسكان البلاد”.
ويفترض تحليله أن انخفاض تفاعل “طالبان” مع السعودية وتوطيد علاقاتها مع إيران يعني أن ميول الحركة ستميل أكثر نحو طهران عن الرياض.
تأمين السعودية لرهاناتها
وعلى نفس المنوال، لاحظ بعض المحللين أن السعودية لم تشترك مع دول الخليج التي ساعدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الإجلاء من أفغانستان، وبدلا من ذلك، أرسلت نائب وزير دفاعها إلى موسكو.
وأشار آخرون إلى أن السعودية اختارت أن تظل على الهامش وتؤمن رهاناتها، بالنظر إلى تاريخها مع “طالبان”، فحتى عام 2001، كانت السعودية ذات نفوذ كبير على الجهاديين الأفغان الذين مولتهم خلال الحرب ضد السوفييت في الثمانينيات.
كما كانت أيضا واحدة من 3 دول تعترف بحكومة “طالبان” في أفغانستان عندما استحوذت على السلطة للمرة الأولى في عام 1996، وكان هناك 15 سعوديًا من المرتكبين الـ19 لهجمات 11 سبتمبر/أيلول.
وبحلول ذلك الوقت، كان التأثير السعودي قد انحسر بالفعل، كما تجلى في رفض “طالبان” لتسليم “أسامة بن لادن” قبل وقوع الهجمات.
وإذا أصابت توقعات “كيليام” فمن شأن ذلك أن يخالف سجل “طالبان” بعدم العمل خارج حدود أفغانستان (عدا باكستان) على الرغم من أنها تسامحت مع وجود مقاتلي “القاعدة” وغيرهم على الأراضي التي تسيطر عليها.
كما أن الحاجة المتبادلة للاستيعاب بين الحرس الثوري و”طالبان” من غير المرجح أن تقنع “طالبان” بالتحول لأداة بيد إيران، حيث قالت “فاطمة أمان”، وهي زميلة في معهد الشرق الأوسط: “حاولت إيران زيادة نفوذها داخل المجموعة من خلال الاقتراب من فصائل معينة، لكنها لا تزال مشبوهة من طالبان ككل”.
اللجوء المحتمل لإسرائيل
وعلاوة على ذلك، قد ترغب “طالبان” في الابتعاد عن التنافس الإيراني السعودي، خاصة إذا مالت للرأي القائل بأن فقدان الثقة في الولايات المتحدة قد يدفع السعودية لتصعيد الحرب في اليمن ومواجهة إيران بشكل أقوى.
وفي توافق مع المعلقين في وسائل الإعلام السعودي، قال الكاتب الصحفي السعودي “صفوق الشمري”: “يجب أن نأخذ درسا من الأحداث في أفغانستان، وخاصة من الأخطاء التي حدثت هناك، لنستفيد بها في اليمن. هذا هو الوقت المناسب لسحق الحوثيين دون وضع القوى الدولية في الاعتبار”.
وأضاف: “منح إسرائيل حرية التصرف فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية أصبح خيارًا معقولًا، ويبدو أن نتنياهو كان على صواب في تجنب التنسيق مع إدارة بايدن، التي اعتبرها ضعيفة وفاشلة”.
وتتناسب آراء “الشمري” مع جهود “محمد بن سلمان” لاستبدال النواة الدينية للهوية السعودية بالتعصب للقومية، كما تتوافق مع أفكار المحللين الإسرائيليين الأكثر تشددا، وآراء ضباط عسكريين متقاعدين.
فعلى غرار “الشمري”، نأى الجنرال الإسرائيلي المتقاعد “جيرشون هاكوهين” بنفسه عن الإخفاق الأمريكي في أفغانستان، محذرًا من أنه “رغم كل عتاد الجيش الإسرائيلي وتفوقه التكنولوجي، فليس لديه فرصة لهزيمة أعداء إسرائيل الإسلاميين ما لم يكن الجنود مدفوعين بإيمان لا هوادة فيه بقضيتهم الوطنية”.
كما جادل الجنرال “ياكوف اميدرور”، المستشار الأمني القومي السابق ورئيس أبحاث المخابرات العسكرية في إسرائيل، بأن الانسحاب الأمريكي سيوصل رسالة لدول الخليج مفادها أن “العلاقة المفتوحة مع إسرائيل مهمة للغاية لقدرتهم على الدفاع عن أنفسهم”.
وأضاف أن إسرائيل لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن لأمن المنطقة، ولكن “ستتمكن هذه الدول مع إسرائيل من بناء مخطط إقليمي سيسهل عليهم أن يتعاملوا مع مختلف التهديدات”.
وبذلك يحث “أميدرور” ضمنًا الإمارات والبحرين، اللتين أقامتا العام الماضي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على صياغة تعاون أمني أوثق مع إسرائيل، كما أشار إلى أن السعودية قد تميل في أعقاب الأحداث في أفغانستان، لبناء علاقات رسمية مع إسرائيل.
ومع ذلك، ففي حين أن “محمد بن سلمان” لن يمانع في علاقة مفتوحة مع إسرائيل، إلا أن انتصار المتشددين الدينيين في أفغانستان قد يعزز التردد السعودي لعبور هذا الخط الذي لا رجعة عنه، مخافة إثارة انتقادات واسعة النطاق في العالم المسلم.