صدمة جديدة تلقتها السعودية في آتون حرب اليمن، بعد الإعلان عن سحب السودان 10 آلاف من جنوده هناك، وإعادتهم إلى أرض الوطن، رغم استمرار الحرب المشتعلة بين الرياض، وجماعة الحوثي.
انسحاب الجنود السودانيين من اليمن جاء متزامنا مع انسحاب إماراتي جزئي من عدن جنوبي البلاد، وسط الحديث عن خلافات جوهرية بين أبوظبي والرياض في الآونة الأخيرة.
حميدتي الذي أعاد عساكره، يرجح أنه متواطئ مع النظام الإماراتي ضد السعودية، خاصة وأن محمد بن زايد، من أشد الداعمين لنائب رئيس المجلس السيادي، وأمد قوات الأخير من قبل بالأسلحة الثقيلة والعتاد، حسب تقارير أممية.
انسحاب مفاجئ
في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نقلت صحيفة “التيار” السودانية، عن نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، تأكيده عودة 10 آلاف جندي سوداني من حرب اليمن، بعد انتهاء فترة عملهم هناك.
جاء ذلك وفق مصادر مطلعة لم تسمها الصحيفة، التي نقلت تصريحات “حميدتي” الذي يشغل أيضا منصب قائد “قوات الدعم السريع” التابعة للجيش.
وقالت المصادر: إن “حميدتي” أشار إلى عدم رغبته في إرسال قوات جديدة إلى اليمن بديلة للقوات التي وصلت العاصمة الخرطوم، دون تفاصيل أخرى.
ووفق الصحيفة: جاءت تأكيدات نائب رئيس المجلس السيادي في اجتماع ثلاثي، بحضور ممثلي مجلسي السيادة والوزراء وقوى الحرية والتغيير، قائدة الحراك الاحتجاجي بالبلاد، الذي أطاح بالرئيس السابق عمر البشير.
ويشارك السودان في حرب اليمن التي تقودها السعودية والإمارات منذ مارس/آذار 2015، ولم يعلن عن عدد قواته المشاركة في الحرب، فيما أعلن حميدتي مؤخرا، أن السودان لديه أكبر قوة في التحالف الذي تقوده الرياض باليمن.
وفي خطاب جماهيري بمنطقة أبرق شرقي الخرطوم في 22 يونيو/ حزيران 2019، قال قائد قوات الدعم السريع: “نقاتل مع الإمارات والسعودية، وقواتنا من أكبر القوات المشاركة (في التحالف)، حيث يبلغ قوامها 30 ألف جندي”.
وذكر: أن “الأموال المدفوعة من الإمارات والسعودية دخلت البنك المركزي ولم تدخل في حساب حميدتي أو حساب غيره”، في إشارة إلى دعم سابق من البلدين بلغ 3 مليارات دولار، بينها وديعة في البنك المركزي السوداني بـ500 ألف دولار.
ارتباط شرطي
جاء انسحاب القوات السودانية عقب انسحاب جزئي للقوات الإماراتية من الساحل الغربي، بعد عملية توزيع جديدة لقواتها في بعض المناطق اليمنية.
وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قالت الإمارات: إن “قواتها العاملة في عدن عادت إلى أرض الوطن بعد تحرير (المدينة) وتأمينها وتسليمها للقوات السعودية”.
وجاء في بيان نشرته الوكالة الرسمية: أن الإمارات ستواصل حربها على “التنظيمات الإرهابية” في المحافظات اليمنية الجنوبية الأخرى.
وأردفت القيادة العامة: أن القوات الإماراتية العائدة من عدن أتمت مهامها العسكرية بنجاح كبير، حيث “قامت بتحرير مدينة عدن من الحوثيين والتنظيمات الإرهابية بتاريخ 17 يوليو/تموز 2015”.
وأكدت القيادة العامة: أن “قوة الواجب الإماراتية وبعد إنهائها مراحل التحرير والتأمين والتمكين، قامت بتسليم عدن إلى القوات السعودية واليمنية التي ستتولى خلال المرحلة المقبلة مهمة تأمين المدينة والاستمرار في المحافظة على المكتسبات التي تحققت”.
والانسحاب الحالي للقوات السودانية من اليمن ليس الأول، ففي 24 يوليو/ تموز 2019، قال المتحدث باسم القوات المشتركة في جبهة الساحل الغربي العقيد وضاح الدبيش: إن “القوات السودانية المشاركة في جبهة الساحل الغربي، انسحبت من 3 مناطق كانت تتواجد فيها (لم يسمها)”.
وأوضح: أن قوات تابعة للجيش اليمني حلّت محل القوات السودانية المنسحبة في إطار عملية إعادة تموضع القوات المشتركة في الساحل الغربي، والمكونة من أكثر من 11 لواء عسكريا.
وجاء أيضا انسحاب القوات السودانية، عقب انسحاب جزئي للقوات الإماراتية من الساحل الغربي، بعد عملية توزيع جديدة لقواتها في بعض المناطق اليمنية.
دور مأساوي
في 25 يونيو/ حزيران 2019، قال الكاتب جيورجيو كافييرو في مقال نشره موقع “لوب لوغ” الأمريكي: إنه “منذ أن بدأت كل من السعودية والإمارات حملتهما العسكرية المستمرة في اليمن، اضطلع السودان بدور مهم في الصراع، وفي الواقع”.
وحسب الكاتب: فإن مشاركة السودان في التحالف العربي تدور حول المال، إذ تقاتل ما تسمى قوات الدعم السريع في الحرب اليمنية من أجل ذلك، ونبّه الكاتب إلى: أن العديد من المقاتلين السودانيين في اليمن ينتمون إلى مليشيات الجنجويد المؤلفة من عرب من غرب السودان وشرق تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وحسب كافييرو: كان “قرار البشير المتمثل في الإبقاء على السودان ضمن الائتلاف العربي أحد العوامل التي ساهمت في الإطاحة به، بعد صموده في الحكم لمدة 3 عقود. فإلى جانب الغضب الناجم عن ممارسات الفساد والفقر والبطالة، تمثل الموقف المعارض لمشاركة السودان في الصراع باليمن أحد العوامل الأساسية وراء الاحتجاجات ضد البشير بين عامي 2018 و2019”.
وأكد كافييرو: أن الدول التي تشن الحرب على اليمن تدرك جيدا أن الخرطوم في حال شهدت قيام حكومة مدنية، فمن المرجح أن ينسحب السودان من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، لذلك، فإن لكل من السعودية والإمارات مصالح كبيرة في إحكام قبضتهما على المجلس العسكري الانتقالي.
ويشير إلى: أن أي حكومة في الخرطوم تتعاون مع السعودية والإمارات ستحظى بدعم هاتين الدولتين، بغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ضد مواطنيها.
ويختتم الكاتب بالقول: “في حال استمرت الحرب على اليمن، فمن المرجح أن يستغل السعوديون والإماراتيون نفوذهم المالي مع القادة العسكريين في السودان من أجل ضمان استمرار استقطابهم للمزيد من المرتزقة السودانيين والجنود الأطفال من أجل القتال ضد المتمردين الحوثيين”.
و”في الوقت ذاته، سيساعد الدعم الذي تقدمه دول الخليج للمجلس العسكري الانتقالي، السلطات العسكرية السودانية على مواصلة حملتها ضد الناشطين والمعارضين على حد سواء”، حسب الكاتب.
وخلال السنوات السابقة، حشد دقلو الآلاف من جنوده في اليمن، نيابة عن السعودية والإمارات اللتين تمثلان الركيزة الأساسية في التحالف، لوقف تقدم المتمردين الحوثيين بعد استيلائهم على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية عام 2014 وطردوا الحكومة المعترف بها دوليا.
وكانت أولى الفرق العسكرية التي أرسلتها الخرطوم للمشاركة في “عاصفة الحزم” عام 2015، حملت اسم “لواء الحزم”، وتشكلت من جنود وضابط صف وضابط من الجيش السوداني، قاموا بمهام متعددة بخلاف المهمة الأساسية، وهي المهمة القتالية، إذ تولوا تأمين المقار الحكومية الرسمية.
أسلحة ثقيلة
في 13 مايو/ آيار 2019، أعلن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني: أن حميدتي تمكن من صناعة علاقات قوية مع السعوديين والإماراتيين، من خلال مشاركتهم في اليمن”.
وأوضح الموقع، في مقال لرئيس تحريره ديفيد هيرست: أن قوات “حميدتي” تشكل العمود الفقري للقوات السودانية، التي تخوض معارك على الأرض مقابل الحوثيين.
ونقل الكاتب عن مصادر في الجيش السوداني، قولها: إن “الإماراتيين يمولون حميدتي، ويزودونه بالأسلحة الثقيلة”. ولفت إلى: أنه سبق وأن أثار جدلا كبيرا في السودان، بعد إعلانه عن مقتل 412 جنديا في اليمن، الأمر الذي أدى إلى مطالبات في الداخل بسحب القوات من هناك.
وفي أبريل/ نيسان 2019، طالبت جماعة الحوثي ثوار السودان، بالضغط من أجل انسحاب قوات سودانية تقاتل إلى جانب التحالف بقيادة السعودية في اليمن.
واتهمت الجماعة جنودا سودانيين باغتصاب امرأة في مديرية التحيتا (غربي اليمن) واعتبرت الجريمة وصمة عار في جبين الأمم المتحدة، كما طالبت بلجنة تحقيق دولية في ما وصفتها بجرائم التحالف السعودي الإماراتي، وانتقدت كذلك صمت المنظمات الدولية والحقوقية.
زيارة خاطفة
في سبتمبر/ أيلول 2019، تداولت صحف محلية سودانية، أن حميدتي غادر إلى الإمارات في زيارة وُصفت بأنها سرية جاءت بعد أيام قليلة من زيارة قام بها الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى السودان بعد غياب امتد لفترة 4 سنوات، والأخير كان في أبو ظبي قبل أيام من وصوله الخرطوم.
وترجع سرية الزيارة، حسب المصادر الصحفية لأن حميدتي بعد تشكيل الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لم يعُد لديه صلاحيات تمكنه من القيام بزيارات ولقاءات خارجية باسم السودان، كما فعل من قبل عندما كان نائبا لرئيس المجلس العسكري المحلول، إذ قام بزيارة مثيرة للجدل إلى السعودية قابلها السودانيون بعدم الرضا.
وفي 12 مايو/ آيار 2019، نشر مركز “بيغن ـ السادات” للدراسات الإستراتيجية الإسرائيلي تقريرا يقول: إن “السعودية والإمارات تراهنان على حميدتي، من أجل تكرار تجربة عبد الفتاح السيسي في مصر”.
ونقل التقرير الذي كتبه جيمس دورسي الباحث بجامعة أوتريخت الهولندية عن دبلوماسيين غربيين قولهم: “هناك مخططات إماراتية ترمي إلى جعل حميدتي يلعب دور (سيسي السودان)”.
ووصف الباحث قائد قوات الدعم السريع بأنه: طموح ومتعطش إلى السلطة، مشيرا إلى: أن وجه تشبيهه بالسيسي أن هذا الأخير يتزعم أحد أكثر النظم قمعية في التاريخ المصري الحديث.