بالرغم من قرار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” احتضان ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” من أجل إنقاذ الاقتصادات الأوروبية والأمريكية المتعثرة، فمن غير المرجح أن تتبنى المملكة الخطط السياسية لواشنطن ضد روسيا.
ويتعارض ذلك مع العديد من التقييمات التي قدمتها وسائل الإعلام الغربية التي توقعت تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بعد زيارة “بايدن”.
وفي حين أن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت العديد من الاقتصادات الأوروبية إلى شفا الركود مع التضخم المرتفع للغاية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، فإن بعض البلدان نجت بذكاء من تأثير هذه الحرب، بل إن بعض الدول تشهد فورة نمو غير عادية مرتبطة مباشرة بالحرب الروسية الأوكرانية.
وربما تتصدر السعودية تلك القائمة، وهذا هو السبب في أن المملكة – التي لديها خطط تنموية طموحة للغاية – لن تكسر هذه الفورة وتدمر نموها الذاتي، في مقابل إرضاء الرئيس الديمقراطي الذي يكن عداءا لولي العهد.
والأسبوع الماضي، أظهر تقرير عن الاقتصاد السعودي أن قطاع النفط في المملكة – وهو المستفيد الأول من الحرب الروسية الأوكرانية – نما بمعدل ضخم بلغ أكثر من 23%. وهذا النمو سيساعد المملكة في تمويل مشاريعها التنموية الطموحة المرتبطة برؤية 2030.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 7.6% هذا العام، وهو بالفعل أعلى معدل نمو بين اقتصادات العالم لعام 2022. وفي توقعاته الاقتصادية العالمية لعام 2022، قال صندوق النقد الدولي: “تتعارض حالة السعودية مع النظرة القاتمة والغامضة في أوروبا”. ومن الواضح أن تقريره بعنوان: “اقتصاد كئيب وغير مؤكد” لا ينطبق على المملكة.
ولا تبدو السعودية بحاجة ماسة إلى مساعدة الولايات المتحدة للبقاء على قيد الحياة وبذل كل ما في وسعها لكسب دعم الولايات المتحدة. وعلى العكس تماما، تبدو المملكة كأنها دولة يمكنها فعليًا اتباع مسار سياسة مستقلة، وهو أمر فعلته المملكة حتى الآن ومن المرجح أن تستمر كذلك.
وقد لعبت الشراكات النفطية مع روسيا دورًا مهمًا في مساعدة السعودية على تحقيق هذا المستوى من النمو في الربع الثاني من عام 2022 الذي استوردت فيه السعودية 647 ألف طن من النفط الروسي. وقد ضاعفت السعودية مشترياتها من النفط الروسي الذي رأت فيه فرصة لجني الأرباح بسبب سعره الرخيص نتيجة العقوبات.
وبالنظر إلى المعاملة بالمثل – والتي هي غائبة بشكل لافت للنظر في الوقت الحالي عن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية – فإن مكاسب المملكة أكبر من أن يتم التضحية بها على مذبح محاولة الولايات المتحدة توسيع الناتو وحماية هيمنتها العالمية. لهذا السبب لا تزال السعودية ملتزمة باتفاق “أوبك+” مع روسيا.
وفي 29 يوليو/تموز، التقى نائب رئيس الوزراء الروسي “ألكسندر نوفاك” بوزير الطاقة السعودي الأمير “عبدالعزيز بن سلمان” وأعادا تأكيد التزامهما بالحفاظ على استقرار السوق وتوازن العرض.
وجاء الاجتماع بعد محادثة هاتفية سابقة بين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” و”محمد بن سلمان”. وجاءت هذه المحادثة بعد أقل من أسبوع من زيارة “بايدن” إلى السعودية مما يظهر محدودية تأثير زيارة “بايدن” على المؤسسة الحاكمة في السعودية.
وبالنسبة لروسيا، فإن الشراكة النفطية مع السعودية للحفاظ على “أوبك+” هي المفتاح. وكما يظهر معدل النمو في السعودية، فإن هذه الشراكة ضرورية للمملكة أيضًا. وبالتالي، هناك فرصة لكلا البلدين لتوسيع علاقاتهما من مستوى الجغرافيا الاقتصادية إلى مستوى الجغرافيا السياسية.
وفي هذا السياق تأتي الجهود السعودية للانضمام إلى مجموعة “البريكس” التي لا تتحدى الدولار فحسب، بل تحاول إنشاء نظام عالمي بديل. وتتماشى هذه الخطوة أيضًا مع جهود المملكة لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة وتأكيد استقلاليتها.
لقد ساهم “بايدن” بنفسه في هذه السياسة السعودية عندما رفع سقف وعوده بتحويل المملكة إلى دولة “منبوذة”، لذلك عندما جاء الرئيس الأمريكي للقاء “بن سلمان” من أجل “إصلاح” العلاقات، لم يكن قادرًا على تجاهل هذا الإرث.
في الواقع، ذكرت وسائل الإعلام الغربية أن “بايدن” تحدث مع “بن سلمان” في قضية مقتل “خاشقجي”، ما يعني أن زيارته لم تكن قادرة على تجاوز الأمر، وتركت الرئيس الأمريكي محاصرًا في شبكته الخاصة.
ومع بقاء “بن سلمان” أقوى من السابق، من الواضح أن أثره على سياسات المملكة سيظل كبيرًا جدًا. ومع نمو الاقتصاد السعودي بشكل أسرع من أي وقت مضى – ما يدل على نجاح ولي العهد كحاكم – فإن هذا سيساعده في تكريس حكمه.