صفقات أسلحة ضخمة عقدتها السعودية بمليارات الدولارات خلال أعوام قليلة منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد ووزارة الدفاع في المملكة، رغم المعارضة الشديدة داخل بلدان تصدير السلاح ومن منظمات حقوقية دولية عدة.

تخوض السعودية حرباً ضروساً ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، التي بدأت مؤخراً بتهديد العمق الاستراتيجي السعودي بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وربما يفسر ذلك مساعي الرياض المحمومة لشراء المزيد من الأسلحة خوفاً من تطور الصراع مع الحوثي إلى مواجهة عسكرية شاملة مع طهران.

لكن قرار ألمانيا وقف كل شحنات العتاد العسكري للسعودية، في نوفمبر 2018، بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، أثر على صفقات الرياض العسكرية، رغم أنها تمثل ما يقل قليلاً عن 2% من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة، لكن أسباباً تدخل في سياق تصنيع الأسلحة دفعت الرياض للتودد عدة مرات من أجل إعادة استئناف تصدير الأسلحة من برلين.

 

الرياض تخطب ود برلين

خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عقد منتصف فبراير 2020، طلب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، من الحكومة الألمانية إنهاء وقف تصدير أسلحة ألمانية إلى بلاده، مؤكداً حاجة المملكة الملحة إلى السلاح في الوقت الحالي.

وقال الوزير السعودي في مقابلة مع “وكالة الأنباء الألمانية” (د.ب.أ): “نأمل أن تفهم ألمانيا أننا نحتاج إلى وسائل للدفاع عن أنفسنا”، مشيراً إلى الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية في السعودية العام الماضي، محملاً إيران مسؤوليتها.

واعتبر “آل سعود” استمرار الحكومة الألمانية رغم ذلك في عدم إصدار تصاريح بتوريد أسلحة للسعودية أمراً غير ملائم في إطار العلاقات الجيدة التي تربط بين البلدين.

وكان طرفا الائتلاف الحاكم الألماني؛ المكون من التحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، اتفقا في مارس 2018، في معاهدة الائتلاف على وقف تصدير أسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن “بصورة مباشرة”، التي من بينها السعودية، ولم ينفذ إلا بعد مقتل خاشقجي.

 

تمديد الحظر

بسبب الحرب المستمرة في اليمن طالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بتمديد حظر تصدير أسلحة ألمانية للسعودية حتى نهاية هذا العام على الأقل.

وقالت نائبة رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، جابريلا هاينريش، في 17 فبراير الجاري: “بدون تحول جذري للسعودية في حرب اليمن، إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم، لا يمكن ولا ينبغي أن يكون هناك تصدير أسلحة (إليها)”.

وطالبت هاينريش أيضاً بمواصلة الحد من تصدير أسلحة بوجه عام لدول ما يسمى بالطرف الثالث، وهي الدول التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقالت: “الأسلحة ليست بضائع اقتصادية عادية. نحتاج في النهاية إلى تحول نموذجي وإعادة توجيه للسياسة الألمانية المتعلقة بتصدير الأسلحة لمواصلة الحد من تصدير (أسلحة) لدول طرف ثالث”.

وفي فبراير 2019، أعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن مسألة استئناف توريد الأسلحة إلى السعودية هي رهن بحل الصراع في اليمن.

وقال ماس في مؤتمر صحفي في برلين: “موقف الحكومة الفيدرالية هو أننا لن نقوم في الوقت الحالي بتوريد السلاح إلى السعودية، وأن القرار في المستقبل سيعتمد على تطور الصراع في اليمن، وعلى تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مشاورات السلام في استوكهولم، وعلى وجود عملية متدرجة تؤدي بدورها في نهاية المطاف إلى تحقيق السلام في اليمن”.

 

بوابات خلفية للاستيراد

يقول المحلل السياسي اليمني محمد الفقيه، إن الحظر الألماني على تصدير السلاح لم يشمل كل الدول المشاركة في الحرب اليمنية (التحالف السعودي الإماراتي)، واكتفى بالسعودية، “وهذا يعني أن هناك بوابات خلفية أخرى بإمكان الرياض استيراد تلك الأسلحة التي ترغب بها من خلالها”.

ويشير في حديثه إلى عدد من التقارير الدولية التي تؤكد وجود مصر والإمارات في مقدمة الدول المستوردة للأسلحة من ألمانياً، مضيفاً: “حتى الأردن والبحرين تنتميان لتحالف الحرب، ولا يتم الإشارة إلى أي من تلك الدول”.

وأضاف: “لا يمكن تفسير حديث الوزير السعودي بأن السعودية لا يصلها مزيد من الأسلحة، فهي لا تعتمد على مصدر واحد فقط كألمانيا”، موضحاً: “للأسف دول العالم المتقدم لا تهتم بقتلى اليمن ولا بالضحايا في أي مكان بقدر ما تحصل عليه من أموال”.

وحول تصريحات الوزير السعودي قال الفقيه لـ”الخليج أونلاين”: “أتوقع أن طلبه لألمانيا جاء في سياق حديثه لوكالة ألمانية رسمية خلال وجوده في ألمانيا، ولا يعني بالضرورة أن ذلك تودد لبرلين، نعم السعودية تضررت جزئياً من ذلك القرار بسبب ارتباطه بأسلحة أوروبية، لكن لا يعني أنها لا تستطيع الحصول على السلاح  بطرق أخرى”.

وتابع: “السعودية تتصدر بشكل خاص، والخليج بشكل عام، الدول العربية في استيراد الأسلحة، ورغم ما حدث لها من ضغوطات دولية بسبب حرب اليمن بشكل عام وقضية خاشقجي بشكل خاص فإن الأسلحة التي تستوردها كانت خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر مما استوردته خلال نحو عشر سنوات مضت”.

 

ما أهمية صادرات ألمانيا من السلاح؟

تسبب قرار ألمانيا حول قيود الأسلحة بدفع خلافات قديمة بين برلين وشركائها الأوروبيين إلى نقطة الغليان.

وتمثل ألمانيا التي فرضت قيوداً على مبيعات السلاح في السنوات الأخيرة ما يقل قليلاً عن 2% من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة، غير أن دورها في تصنيع مكونات تدخل في صادرات دول أخرى يتيح لها إفساد مشروعات أوروبية مربحة.

فبالإضافة إلى عقد الطائرة “يوروفايتر تايفون” يعطل الحظر الألماني على مبيعات السلاح للسعودية شحنات من صواريخ جو/جو من طراز “ميتيور” التي تصنعها شركة “إم.بي.دي.إيه”، التي تشترك في ملكيتها “إيرباص” و”بي.إيه.إي سيستمز” وشركة “ليوناردو” الإيطالية، وذلك لأن نظام الدفع في الصواريخ ورؤوسها الحربية تصنع في ألمانيا.

ورغم أن من المستحيل تقريباً التخلص من المكونات الألمانية التي تمثل نحو الثلث في المقاتلة “يوروفايتر” فقد بدأت شركة إيرباص إعادة تصميم طائرة النقل العسكرية “سي 295” لإبدال مصابيح الملاحة الألمانية الصنع التي تمثل نحو 4% من الطائرة، وهو أمر يثير قلق الرياض أيضاً، وفقاً لوكالة “رويترز”.