ما هو الدافع وراء الاختراق الدبلوماسي الأخير بين إيران والسعودية بعد نحو عقد من حروب الوكالة الإقليمية بينهما؟ سلطت الأستاذة الجامعية “ديبيكا ساراسوات” الضوء على إجابة السؤال في مقال نشرته على موقع معهد “مانوهار باريكار” الهندي للدراسات السياسية.
وربطت “ساراسوات”، في مقالها، بين المتغيرات الجيوستراتيجية بالإقليم، التي صب أغلبها في صالح إيران ووكلائها في سوريا واليمن، والمحادثات الجارية في فيينا بين إيران والدول الغربية بشأن برنامجها النووي، وبين إمكانية التوصّل إلى اختراقٍ دبلوماسي بين إيران والسعودية.
فمنذ أبريل/نيسان الماضي، بدأت المحادثات بين طهران والرياض في بغداد خلف الكواليس، بالتوازي مع 4 جولات حوار في فيينا لإحياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1).
وعُقِدت الجولة الأخيرة من تلك المحادثات بعد وقت قصير من تشكيل الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً “إبراهيم رئيسي” فريق السياسة الخارجية.
ويعود هذا التحرك بالأساس إلى تحديد طهران الدبلوماسية كأولويةٍ في حركتها الإقليمية في ضوء المتغيرات الجيوسياسية الأخيرة، حيث أعربت طهران عن استعدادها لرفع مستوى المفاوضين في الحوار مع الرياض بعد 6 سنوات من قطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية معها في يناير/كانون الثاني 2016.
وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، أشاد وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان”، خلال مؤتمرٍ صحفي مشترك مع نظيره العراقي “فؤاد حسين”، بالجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لإزالة سوء التفاهم بين إيران والسعودية، وأعرب عن استعداده لتبادل زيارات الوفود الفنية لتحضير الاستعدادات اللازمة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية المتبادلة.
وترى “ساراسوات” أن التوجه الدبلوماسي الإيراني الجديد في الإقليم يتيح التوصّل إلى انفراج مع السعودية، إذ تسعى حكومة “رئيسي” إلى الحوار مع دول الخليج باعتباره خطوة حاسمةٌ نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الجيران.
وتنظر طهران إلى دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، على أنَّها مركزٌ أساسيٌّ لإعادة تصدير البضائع الإيرانية.
وخلال السنة المالية الإيرانية الأخيرة، زادت التجارة بين إيران والإمارات بنسبة 7% من حيث القيمة، لتصل إلى 14.28 مليار دولار أمريكي، وهي ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين.
وعلى التوازي، يعمل الحرس الثوري الإيراني على تعزيز القدرات العسكرية والردع ضد الضغوط الأمريكية وتهديدات إسرائيل بالعدوان على المنشآت النووية الإيرانية، في رسالة عبر عنها “رئيسي” قائلا: “أي عملٍ عدائي من قبل أعدائنا سيواجه ردّاً شاملاً ونهائياً من القوات المسلحة، من شأنه أن يغير المعادلات الاستراتيجية بشكل كبير”.
وهنا تشير “ساراسوات” إلى أن نتاج العقد الماضي، الذي بدأ بالانتفاضات العربية، بعد لجوء الدول الإقليمية الساعية إلى بقاء النظام والنفوذ الجيوسياسي إلى التدخلات العسكرية المباشرة ودعم جماعات بالوكالة في دولٍ أخرى، زاد من مخاطر التوترات التي تؤدّي إلى حربٍ واسعةِ النطاق، والمخاوف من التوسّع المفرط بين الدول المشاركة في مختلف مسارح الصراع في المنطقة.
في المقابل، صعدت الأولوية المحلية المهيمنة وهيمنت المخاوف الاقتصادية وسط جائحة كورونا، ودفعت الدول الإقليمية الرئيسية إلى التوجه نحو حوارٍ بدأ العام الماضي، بالتوازي مع ذوبان الجليد في العلاقات السعودية الإماراتية مع قطر، في مشهد دبلوماسي جديد فرض السعي لإيجاد السبل للتخفيف من عديد النزاعات في المنطقة.
وإزاء ذلك، بدأت المرحلة الجارية من خفض التصعيد بين إيران وجيرانها الخليجيين بشكلٍ جدي في عام 2019، عندما كانت إيران تتأذّى بشدَّةٍ من ضغط العقوبات الأمريكية، وردّت بمهاجمة البنية التحتية للشحن والطاقة في الخليج، الأمر الذي أدّى إلى نشوء مخاطر حول اندلاعِ حرب مباشرةٍ مع إيران، بالتزامن مع فقدان صدقية الضمانات الأمنية الأمريكية لحليفَي الولايات المتحدة الرئيسيين، الإمارات والسعودية، ما دفعهما للسعي نحو الحوار مع طهران.
وتنوه “ساراسوات”، في هذا الصدد، إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لم تكتفِ بالتراجع عن جهود إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب” المناهضة لإيران من خلال إشراك طهران في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي فحسب، بل شجعت حلفاءها الخليجيين على الحوار مع إيران أيضا.
وفي الفترة التي سبقت استئناف المحادثات النووية، بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، زار المبعوث الأمريكي الخاص بشأن إيران مجلس التعاون الخليجي، وصدر بيان مشترك يشير إلى أنَّ “العودة إلى الامتثال المتبادل (للاتفاق النووي) ستفيد الشرق الأوسط بأكمله”.
وعقب التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، سعت إدارة الرئيس الإيراني السابق “حسن روحاني” إلى بدء حوار مع جيران إيران في الخليج، لكنَّ الدبلوماسية واجهت صعوبات آنذاك، حيث وجدت إيران والسعودية نفسيهما على طرفي نقيضٍ من الصراع في سوريا، وكذلك في اليمن، حيث يجري التنافس على النفوذ في المنطقة الأوسع من غرب آسيا وشمال أفريقيا.
لكن الحوار بين طهران والرياض يجري، هذه المرة، في سياق إقليمي ودولي مختلف إلى حد كبيرٍ، ما يدعم التهدئة المستمرة للتوترات.
ومع تشابك مصير الدبلوماسية الإيرانية السعودية مع مصير المحادثات النووية في فيينا، تحرص طهران حاليا على تقديم نفسها كـ “لاعب بناء” عبر المضي قدماً في حوارها مع الرياض.