طرحت تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بشأن رفضه الاستماع لتسجيلات قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول تساؤلات بشأن “تهرب” كبار المسؤولين الأمريكيين عن سماعها والتداعيات المترتبة على ذلك أمام المشرعين الأمريكيين حال حدوثه.
وتذرع بولتون بأنه “لا يعرف اللغة العربية” لأن حديث القتلة كان بالعربية وتساءل: “لماذا تعتقدون أني استمعت إليه؟ ما الذي سأستفيد منه بعد سماعي له برأيكم؟”.
ويعد بولتون المسؤول الأمريكي الثالث الذي يرفض الاستماع للتسجيلات فقد سبقه وزير الخارجية مايك بومبيو الذي زار تركيا في بدايات الحادثة والتقى بالمسؤولين الأتراك ورغم خروج تسريبات من قنوات إعلامية أمريكية تفيد باستماعه للتسجيلات والاطلاع على نص مكتوب إلا أن الخارجية نفت ذلك.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية هيذر نويرت إن بومبيو “لم يستمع لأي تسجيل أو يشاهد أي نص مكتوب يتعلق باختفاء خاشقجي”.
وهو الموقف الذي أكد عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أيام من ذلك من أن بومبيو “لم يتسلم أو يطلع أبدا على أي نص أو تسجيل مصور بشأن حادثة القنصلية السعودية”.
وخرج ترامب الأسبوع الماضي بتصريح عبر فيه عن رفضه الاستماع للتسجيلات وقال: “لا أريد الاستماع إليه لأنه تسجيل لمعاناة وهو رهيب ووحشي جدا وفظيع”.
رغبة بالتبرئة
أستاذ القانون الدولي والسفير المصري الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل قال إن الرئيس الأمريكي ومسؤوليه “لا يرغبون بتشويش توجهاتهم أو قراراتهم بشأن قضية قتل خاشقجي بهدف تبرئة الذي أمر بها”.
وأوضح الأشعل لـ”عربي21″ أن “ترامب شبع من الأدلة الصوتية والمكتوبة لكل ما جرى وهو يعلم وأجهزته أن محمد بن سلمان متورط بها لكنه يريد الحفاظ على مصالحه والمكابرة لأن في إدانة ولي العهد السعودي خسارة كبيرة لا يطيقها”.
وأضاف: “لدى ترامب ارتباطات بمشاريع إقليمية تخص إسرائيل وتمثل السعودية بالنسبة إليه مساعدا كبيرا بشأنها وأي تعطيل لها عبر الاستماع لتسجيلات أو غيره يمكن أن يحرفه عن هذا المسار يحاول الهروب منه”.
وتابع الأشعل: “نحن أمام حسابات سياسية والرجل يعلم أنه قاتل وتركيا قدمت له كل الأدلة اللازمة لكن مصلحة إسرائيل بعدم خروج ابن سلمان من السلطة لأن الخسارة كبيرة”.
ولفت إلى أن الكونغرس “بمقدوره مساءلة ترامب بشأن الأدلة التي اطلع عليها سواء كانت مكتوبة أو مسجلة صوتا أو صورة لكن هناك قوى شد في المجلس وخاصة اللوبي المتربط بإسرائيل لن تسمح بالاقتراب من ابن سلمان وستضغط لتبرئته”.
تهرب غير مبرر
من جانبه قال المحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكي الدكتور صبري سميرة إن رفض ترامب والمسؤولين الأمريكيين الاستماع لتسجيلات قتل خاشقجي تتعلق بما يمكن أن تتركه من أثر نفسي على اتخاذهم القرارات.
وأشار سميرة لـ”عربي21″ إلى أن الشخص العادي “لديه جرأة وفضول للاستماع إلى تسجيلات من هذا النوع لمعرفة ما يجري فيها فكيف برئيس دولة كبرى مثل أمريكا ومسؤولين آخرين عن اتخاذ قرارات على مستوى سياسي عال” لافتا إلى أن التهرب من سماعها “غير مبرر إلا بهدف عدم التأثير على التوجه العام والموقف من القضية”.
وأضاف: “هناك من المسؤولين من لا يريد الإثبات على نفسه أنه استمع رغم أنه اطلع على كامل محتواها نصا بالحد الأدنى لجانب نفسي في القضية حتى لا يشار إليه أنه عديم الإحساس بجريمة قتل تنتهك فيها الإنسانية”.
وتابع سميرة: “هذه طريقة تفكير لا إرادية تقول للشخص أنا لم أستمع ولا أريد الاستماع وموقفي سيبقى هكذا بتبرئة هذا الشخص من الجريمة”.
ورأى المحلل السياسي أن “تسجيلات القتل التي يشار لها بالبشاعة صحيح أنها لا تدين شخصا بعينه سوى فريق القتل” لكنه بالمقابل قال إن هناك تسجيلات بعيدة عن البشاعة وهي “تسجيلات الاتصالات التي تحدد ربما هوية من أصدر الأمر وهو ما لا يريد ترامب الاقتناع به”.
وبشأن تذرع بولتون بأن عدم فهمه اللغة العربية ذريعة لعدم الاستماع للتسجيلات قال سميرة: “لسنا بحاجة لخبير لغوي لفهم أصوات الألم والضرب والخنق والصراخ لمعرفة أننا بصدد جريمة قتل” مشددا على أن المسؤولين بواشنطن “لا يريدون الوصول لمرحلة تأنيب الضمير”.
وشدد على أن التسجيلات تعد وسيلة ضغط كبيرة على ترامب خاصة من قبل الإعلام وربما تتسبب بتشويه كبير لصورته أمام الجمهور خاصة وأن تجاهلها يعطي مؤشرا بأن الرئيس “لا يقدر النفس البشرية والقتل وإزهاق الأرواح أمر لا يمثل له الكثير وهو بلا مبادئ ولا قيم وهذا يضرب صورته بالطبع”.