محمد العيسى، وزير العدل السعودي السابق والأمين العام الحالي لرابطة العالم الإسلامي، شارك مؤخراً في افتتاح المؤتمر الافتراضي الذي تعقده منظمة اللجنة الأمريكية اليهودية ويتواصل حتى 18 حزيران /يونيو الجاري، وألقى كلمة مسهبة تناول فيها العلاقات الإيجابية بين المسلمين واليهود، وأفعال النازيين في تدمير العالم وتصدير إيديولوجيتهم المشوهة باستخدام الكراهية والعنف، ودروس الحرب العالمية الثانية التي علّمت المشاركة في القيم المتأصلة.
كذلك تحدث العيسى عن التطرف على مواقع التواصل الاجتماعي وكيف يفضي إلى أعمال إرهابية، وأنه منذ أن تولى الأمانة العامة للرابطة سعى إلى «إعادة نسيج» العلاقات مع أتباع الديانة اليهودية.
وذكّر بأنه تراسل مع متحف الهولوكوست في نيويورك وأعرب عن تعاطفه الكبير مع ضحايا المحرقة، وأنه يتعاون مع اللجنة الأمريكية اليهودية لأنها في طليعة المنظمات التي تكافح العداء للسامية وتناهض مختلف أشكال العنصرية والكراهية.
لكن العيسى، وفي كامل كلمته التي امتدت على أكثر من 15 دقيقة، لم يذكر كلمة واحدة عن ممارسات دولة الاحتلال الاستيطانية والعنصرية وجرائم الحرب اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين بحق المواطنين الفلسطينيين أولاً، والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية تالياً.
بل إنه لم ينطق أبداً بمفردات مثل فلسطين والقدس والأقصى، هو الذي يترأس رابطة يتوجب أن تكون معنية بأرض الديانات السماوية، فما بالك بمدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وإذا لم يكن العيسى قد استحى من إغفال هذا كله والانزلاق في المقابل نحو التمسح بواحدة من أعتى مجموعات الضغط الإسرائيلية التي جعلت شعارها الأول الدفاع عن دولة الاحتلال، فلقد كان جديراً به أن يستحي من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي وجهت إلى المؤتمر ذاته رسالة شددت فيها على مبدأ السلام الدائم الذي لا يمكن إنجازه في الشرق الأوسط إلا عبر المفاوضات وفي إطار حل الدولتين.
ولكن كيف يمكن انتظار موقف مماثل من رابطة مقرّها السعودية المنخرطة في تطبيع تدريجي مع دولة الاحتلال، أو من رجل كان قد استهل رئاسته للرابطة بزيارة «تاريخية» إلى أوشفتز حيث تدرّب على أولى جولات النفاق.
لسنا ضد حوار الأديان والثقافات، ونحن نميز بين الديانة اليهودية والفكرة الصهيونية ودولة الاحتلال العنصرية الاستيطانية، وندين بلا تردد الجرائم التي ارتكبتها النازية ضد اليهود، لكننا في الآن ذاته نضع كيان الاحتلال وسياساته وجرائمه على قدم المساواة من المساءلة.
إذ لا يجوز التعاطف مع ضحية وغض النظر عن ضحية أخرى، وكذلك فإنه ليس من الأخلاق السكوت تحديداً عن ضحية انقلبت إلى جلاد وقاتل ومحتل ومغتصب.
وليس غريباً أن العيسى لم يستحِ من فلسطين والقدس والأقصى، فهو يشارك اصلاً بتكليف سياسي من النظام السعودي المتلهف على التطبيع، كما تأتي مشاركته وسط أنباء عن اعتزام رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي القيام بجولة على عدد من زعماء أنظمة التطبيع في المنطقة العربية لغرض الترويج لضمّ أراض فلسطينية بموجب «صفقة القرن».
وفي هذا الإطار ذاته، هل من العجب أن يكون أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، هو ثاني المتحدثين العرب أمام مؤتمر اللجنة الأمريكية اليهودية بعد رئيس رابطة العالم الإسلامي؟