لا تتوقّف وسائل الإعلام الدولية عن تناقل أنباء تتحدث عن انتقال عرش المملكة العربية السعودية لولي العهد، محمد بن سلمان، خلال فترة قريبة، وهو ما لا يستبعده معارضون ومراقبون للشأن السعودي؛ على اعتبار أن الأمير الشاب هو الرجل القوي بالمملكة وصاحب الكلمة الأولى حتى قبل أن يتوَّج ملكاً.

وبعيداً عن الجوانب السياسية لمثل هذا الحدث فيما لو تم فعلاً، وعواقبه على العلاقة بين أفراد الأسرة الحاكمة واستقرار المملكة عموماً، فإن لتولي بن سلمان عرش السعودية تبعات اقتصادية قد تقود بلاد النفط والمال إلى انهيار لم تشهده من قبل؛ خاصة في ظل حالة الإنهاك التي يعاني منها اقتصاد الرياض.

ولعل أكثر ما سيتأثر في حال تُوّج بن سلمان ملكاً، كما يرى مراقبون اقتصاديون، هو الاستثمارات الأجنبية في البلاد؛ التي ستتراجع بصورة مخيفة، وذلك بسبب حالة الغموض السياسي التي سترافق مثل هذا الحدث، إضافة لارتباط اسم ولي العهد بقضايا حقوقية؛ مثل مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية بإسطنبول، واعتقال المئات من الأمراء ورجال الأعمال والمعارضين خلال العامين الماضيين.

– شروط مفقودة
وقال المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف: إن “جذب الاستثمارات الأجنبية يحتاج لعدة شروط؛ منها الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وانعدام الفساد، وعدد من هذه الشروط غير متوفر حالياً، أو محدود بالسعودية، لذلك شهدت الاستثمارت الأجنبية تراجعاً كبيراً، خلال السنوات الماضية، وتراجع معها اقتصاد البلاد”.

وأضاف العساف لـ”الخليج أونلاين”: “في حال تولّي بن سلمان العرش فإن هزة سياسية واقتصادية وأمنية ستضرب المملكة؛ فالكثير من أفراد الأسرة الحاكمة لا يؤيدون ذلك، إضافة إلى أن السياسات التي اتّبعها الأمير الشاب منذ سطوع نجمه، قبل نحو عامين، عكست صورة سلبية عن شخصيته، خاصة فيما يتعلّق بانتهاك حقوق الإنسان والفساد المالي”.

وتابع: “قضية مقتل الصحفي خاشقجي كان لها أيضاً دور في عكس الصورة السلبية عن شخصية بن سلمان، خاصة في ظل التسريبات القوية التي تتناقلها وسائل إعلام تركية حول علاقته المباشرة بحادثة القتل”.

ورأى أن عدم قدرة ولي العهد السعودي على البدء بشكل حقيقي بتنفيذ رؤية 2030 التي وضعها للمملكة، واستمرار اعتماد اقتصاد السعودية على النفط، وعدم تنمية الاقتصاد غير النفطي، إضافة للأزمة الخليجية المعقّدة، ومواصلة الرياض حربها ضد جماعة الحوثيين في اليمن، أربك حركة الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وفضّل الكثير منها التوجه إلى أسواق أخرى تتمتّع بالاستقرار.

– حقبة الملك سلمان “الأسوأ”
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، في 7 يونيو الماضي، انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.4 مليار دولار في عام 2017، مقارنة بـ7.5 مليار دولار في عام 2016.

ويقارن هذا الانخفاض بنسبة الاستثمار التي بلغت 18.2 مليار دولار سنوياً في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، في العامين 2007 و2008.

وكان خروج الأموال الأجنبية من السعودية قد ارتفع في العام 2016 من أقل من 2% من مجمل الناتج المحلي إلى 5% من الناتج المحلي.

وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة “المونيتور” الأمريكية أن الاستثمارات الأجنبية في السعودية سجّلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 80%.

واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن القرارت السعودية من سيئ إلى أسوأ، منذ صعود الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى العرش في العام 2015، وتعيين ابنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، ثم ولياً للعهد.

على ذات الصعيد، قال الكاتب المختص بالشأن الاقتصادي، مصطفى عبد السلام: إن “هناك فرصاً استثمارية واعدة في السعودية بكل القطاعات المتعلّقة بالنفط أو التعدين أو السياحة أو الخدمات والبنية التحتية”.

وأضاف عبد السلام لـ”الخليج أونلاين”: “جذب الاستثمارات الخارجية وتنشيط المحلية منها يحتاج لعدة شروط؛ منها الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، ومحاربة الفساد والمخاطر الجيوسياسية، واستقرار سعر الصرف، وحرية دخول وخروج الأموال”.

ورأى أن السعودية فقدت العديد من هذه الشروط خلال الأشهر الماضية، فقد تورّطت باغتيال جمال خاشقجي، وشهدت نهاية العام الماضي اعتقال أمراء ورجال أعمال كبار، ومصادرة نحو 43 مليار دولار من أموالهم.

وأشار إلى أن هذه التصرّفات خلقت حالة قلق بين كبار المستثمرين، لذلك نقل المئات منهم استثماراتهم من المملكة.

– بن سلمان يُقلق رجال الأعمال
وذكر عبد السلام أن تراجع الحكومة السعودية عن تنفيذ رؤية 2030، خاصة فيما يتعلّق بطرح أسهم شركة “أرامكو” للبترول بأسواق المال العالمية والمحلية، وتقليل الاعتماد على النفط في تمويل الموازنة العامة، وخصخصة بعض الشركات والمؤسسات، خلق نوعاً من الحيرة والقلق لدى المستثمرين الأجانب حول مستقبل استثماراتهم.

ولفت إلى أن بنك “جي بي مورجان” الأمريكي قدّر في أحدث تقرير له حجم الثروات السعودية المحلية التي ربما ستهرَّب من المملكة إلى الخارج، خلال العام الجاري، بنحو 90 مليار دولار.

وقال عبد السلام: إن “هذا الرقم يفوق حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية التي هربت من السعودية في عام 2017، والبالغة 80 مليار دولار، بنحو 10 مليارات دولار. وإذا استمرت حالة الغموض وعدم اليقين تلك في المشهد السعودي فإن المخاطر الاقتصادية والاستثمارية ستزيد”.

وأضاف: إن “ما يزيد الوضع تعقيداً اتجاه أسعار النفط للتراجع، وهو ما سيزيد عجز موازنة المملكة، خاصة أن النفط يمثّل أكثر من 90% من إيراداتها العامة”.

وحذر من أنه في حال تولّي الأمير بن سلمان العرش السعودي فإن المملكة لن تشهد استقراراً سياسياً؛ بسبب الصراعات بين أعضاء الأسرة الحاكمة، ما سيدفع اقتصاد البلاد للتراجع بشكل أكبر، وستواصل الاستثمارات الأجنبية هروبها.

وعلى الرغم من سياساتها التي دفعت المستثمرين للهرب فإن الرياض حاولت خلال السنوات الماضية إعادة جذب رجال الأعمال إلى أراضيها، لكنها فشلت في ذلك، بحسب ما ذكرت مجلة “فوربس” الأمريكية.

وقالت “فوربس”، في تقرير نشرته بسبتمبر الماضي: إن “حكومة السعودية تفشل في جذب مستويات عالية من الاستثمار الأجنبي، وأثبتت أنها غير قادرة على منع هروب الأموال إلى خارج البلاد”.

وفي تعليقه على تراجع الاستثمارات بالسعودية، قال الكاتب الاقتصادي في مجلة “فوربس”، دومينيك دادلي: “هذا التراجع سيظلّ مقلقاً لصانعي السياسة في الرياض؛ إذ إن ولي العهد قد جعل من مسألة اجتذاب المستثمرين الأجانب أحد عناصر خطته الطموحة للإصلاح الاقتصادي”.

وأضاف دادلي: إن “كل أفكار بن سلمان؛ من إنشاء مدن جديدة، وفتح أسواق للسياحة والترفيه، وتخفيف قيود الملكية الأجنبية للشركات المدرجة بالبورصة السعودية، تعتمد على إقناع المستثمرين الأجانب بجلب أموالهم إلى المملكة، لكن النزعات الاستبدادية للنظام السعودي قوَّضت ثقة المستثمرين الحاليين والمحتملين”.

حنين ياسين