بقلم/ سارة لي ويتسن وعبد الله العودة
إن إصدار تقرير مدير المخابرات الوطنية الأمريكية والذي يلخص أدلة وكالة المخابرات المركزية (CIA) على تورط محمد بن سلمان في مقتل جمال خاشقجي؛ ما هو إلا أحدث القضايا التي جلبت متابعة دولية وخزياً وإدانة للسعودية. حان الوقت للاعتراف بأن دور محمد بن سلمان المستمر كمسؤول رفيع في الحكومة يمثل عائقاً وخطراً على شعب المملكة العربية السعودية.
قد يكون بالفعل أمام المواطنين السعوديين طريق طويل في إنشاء حكومة ديمقراطية تمثل مصالحهم الحقيقية وتحترم حقوقهم، إلا أنه في الوقت الحالي هناك أولوية في التعامل مع محمد بن سلمان كأكبر عقبة للشعب والمواطنين في البلاد.
لعل أكبر حادثة جلبت ازدراءً دولياً وفضيحة للمملكة العربية السعودية كانت جريمة قتل خاشقجي المروعة في قنصلية بلاده في إسطنبول: الحكومة السعودية تورطت جداً في هذه القضية وفي تعاملها مع جريمة القتل، وكذبت وحاولت التستر على جريمة القتل بمسرحية هزلية، بما في ذلك إرسال شخص يُمثّل أنه خاشقجي ويرتدي ملابسه حتى فضحه الحذاء؛ حينما خرج من القنصلية أمام كاميرات المراقبة التركية بعد وقت قصير من جريمة القتل.
أما المحاكمة السعودية فقد كانت صورية بالكامل وبدت أنها محاولة لصرف الاحتجاج الدولي على جريمة القتل، وبالتالي فهي مجرد مسرحية أكثر عبثية من “القانون والنظام”؛ مسرحية لم يأخذها أحد على محمل الجدل. بالمقابل، بذل دونالد ترامب قصارى جهده لحماية محمد بن سلمان من المساءلة عن هذه الجريمة، حيث قال بفخر عن دوره هذا: “لقد أنقذت مؤخرته” (يعني محمد بن سلمان).
لكن تقرير مدير المخابرات الوطنية الأمريكية لم يُبطل المحاكمة السعودية فحسب، ولكن أيضاً يبطل أي ادعاء واهٍ بعدم مسؤولية ولي العهد محمد بن سلمان الذي أمر، وفقاً للتقرير، بعملية القتل وخطط لها وراقبها. يقول التقرير بأن محمد بن سلمان منذ منتصف ٢٠١٧ يتحكم بكل مفاصل الدولة الأمنية والسياسية وشكل قوّة التدخل السريع المتعلقة بحمايته الشخصية، وأن أفرادا من هذه القوة متورطون بشكل مباشر في عملية قتل جمال خاشقجي. ويضيف التقرير بأن محمد بن سلمان صنع بيئة أمنية يخاف فيها من حوله من التشكيك بأوامره أو التردد في تنفيذها.
يوضح هذا التقرير جانباً هزلياً مروّعاً لمزاعم الحكومة السعودية بأن محمد بن سلمان لم يكن متورطاً في هذه الجريمة، وسيزيد من الضغط على الحكومات الأجنبية مي تقوم بمعاقبة محمد بن سلمان كما عاقبت أعضاء فرقة النمر الآخرين المتورطين في جريمة القتل، كما أنه سيجعل من الصعب للغاية على الحكومة السعودية استعادة أي مظهر من مظاهر العودة للوضع الطبيعي في علاقاتها الدولية.
لقد أوضح الرئيس بايدن بالفعل أنه لن يتواصل مع محمد بن سلمان، ووعد الشعب الأمريكي بمحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، وهذا الوعد ينبغي أن يشمل زعيم العصابة محمد بن سلمان.
الآن، لا يوجد سياسيون أو رؤساء في العالم يقبلون بالظهور مع محمد بن سلمان غير أولئك الذين لهم سمعة سيئة مماثلة، مثل الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء الهندي مودي، كما تم تعليق سفر محمد بن سلمان عملياً إلى أوروبا والولايات المتحدة، فلم يجرؤ محمد بن سلمان منذ مقتل خاشقجي على السفر إلى هذه الأماكن لأنه يعلم أنه يواجه مسؤولية ورقابة قضائية في محاكم هذه الدول، حيث هناك بالفعل ثلاث دعاوى قضائية قائمة ضده في الولايات المتحدة بتهمة التعذيب والقتل والترهيب والتهديد والمضايقة، بما في ذلك دعوى قضائية رفعتها منظمتنا “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN) بالشراكة مع أرملة خاشقجي خديجة جنكيز.
حتى أن إدارة ترامب قبيل مغادرتها رفضت منح محمد بن سلمان حصانة قانونية من الملاحقة القضائية، وذكّرته بأنه ليس على رأس الدولة ويمكن للملك سلمان عملياً عزله من منصبه في أي وقت، كما حصل مع أولياء عهد سابقين في السنوات القريبة الماضية.
إن جريمة مقتل خاشقجي بالطبع ليست سوى جريمة واحدة من الأعمال الطائشة والعدوانية لرجل أظهر نفسه ليس فقط بأنه سادي ومندفع، ولكنه كذلك خطير على الشعب السعودي ومؤسساته بالدرجة الأولى. فقد قاد محمد بن سلمان الدولة السعودية إلى حرب عبثية باليمن لا داعي لها، وذلك فقط من أجل أن يُلقّب بـ”بطل حرب”. وبصرف النظر عن التسبب في معاناة وخسائر مروعة لشعب اليمن، كانت الحرب كارثية على المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية السعودية، ودفع الشعب السعودي ولا يزال ثمناً باهظاً من الأرواح والممتلكات والوضع الاقتصادي مقابل هذا.
على الرغم من إنفاق أكثر من 100 مليار دولار على الحرب والأسلحة الأكثر تطوراً في العالم، ودعم الشركاء العسكريين الأكثر تقدماً في العالم مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لم يحقق محمد بن سلمان، بصفته وزيراً للدفاع، أي مكاسب عسكرية على الإطلاق ضد جيش صغير من المتمردين الحوثيين. في الواقع، أصبح الحوثيون بعد ست سنوات تقريباً أقوى من أي وقت مضى، كما أن أقرب شركاء محمد بن سلمان، وهم الإماراتيون، أعلنوا انسحابهم من الحرب وسعوا إلى النأي بأنفسهم عن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية، ووضع اللوم كله على القيادة العسكرية غير الكفؤة لمحمد بن سلمان.
سجلّ محمد بن سلمان الدبلوماسي يتمتع بنفس الدرجة من السوء، كما يتضح من الحصار المُكلف الذي دام ثلاثة أعوام ونصف العام على قطر، والذي انتهى في يناير/كانون الثاني 2021، حيث لم تحقق السعودية أي من شروطها الأساسية الـ13 المعلنة لرفع الحصار. وإضافة لإخفاقاته الأخرى، لا نزال نستذكر محاولة محمد بن سلمان السخيفة والفاشلة لاختطاف رئيس الوزراء اللبناني الحريري وإجباره على الاستقالة على التلفزيون السعودي، ما تطلّب من الرئيس الفرنسي ماكرون التدخل وإعطاءه درساً سياسياً مخجلاً.
صحيح أن محمد بن سلمان قاد حملة تحرير اقتصادي واجتماعي في البلاد، حيث سمح بإصلاحات هناك حاجة شديدة لها، مثل القيود الكبيرة التي يفرضها نظام الولاية، وإنهاء منع قيادة النساء للسيارات وتخفيف القيود المفروضة على الفصل العام بين الجنسين، والتحرك لتقنين الأنظمة السعودية، وخطة تنويع الاقتصاد السعودي.. هذه إنجازات مهمة للغاية، لكنها ليست من صُنع محمد بن سلمان.
إن الإصلاحات التي سمح بها محمد بن سلمان هي نتاج عقود من العمل والضغط والإقناع من قبل النشطاء السعوديين والعلماء والكتّاب، الذين كافأهم محمد بن سلمان بسجنهم والسعي إلى إنزال عقوبة الإعدام بحقهم، مع نسب الفضل لنفسه في هذه التغييرات التي سعى لها أولئك الأشخاص. في الواقع، ألقت هذه الاعتقالات وسوء معاملة المحتجزين في السعودية بظلالها على أي تحسن إيجابي كان يجب أن تحققه هذه الإصلاحات للمملكة، وبدلاً من ذلك ذكّرت العالم بأن محمد بن سلمان طاغية غير خاضع للمساءلة ولا يأبه بأي شيء من حقوق مواطنيه. لقد تعامل مع الإصلاحات على أنها هبات يمنحها، بدلاً من كونها ديونا مستحقة للناس على حقوقهم المسروقة، حيث نفّذ هذه الإصلاحات ظاهرياً فقط لتحسين صورته.
لقد أظهر محمد بن سلمان ازدرائه لمواطنيه مراراً وتكراراً، حيث تعامل مع كبار رجال الأعمال والصحفيين والعلماء وأفراد العائلة المالكة الذين كان لهم رقابة محدودة على سلطات الملك المطلقة، كمجرمين وجردهم من كل شيء دون أي دليل ولا إجراءات عدلية. كان اهتمامه الأساسي هو جعل السلطة مركزية في يديه، وتهميش الحكومة السعودية والأجهزة الأمنية الأخرى، وللمرة الأولى أنشأ جهازا أمنيا ذا سلطات عليها ويكون مسؤولاً أمامه فقط.
كان من مهام جهاز أمن الدولة الخاص به أن يسمح له باستخدام الموارد الحكومية، بما في ذلك الموظفين والطائرات والقنصلية والمعدات، لقتل خاشقجي. وهو الآن يستخدم القضاء والأجهزة الأمنية التابعة للحكومة كخدم شخصيين له؛ يخضعون لأهوائه واعتقاله وترهيبه وسجنه، ويقوم حتى بقتل الأشخاص الذين لا يُحبهم. لقد أخضع آلاف السعوديين لحظر سفر، دون أي إجراءات قانونية حقيقية، وجعلهم سجناء في بلدهم، وحوّل البلد لسجن كبير.
بعد هذا يبقى أن نرى ما إذا كان الشعب السعودي، أو أي جزء من حكومته، قادراً على اتخاذ أي خطوات فعلية للسيطرة على محمد بن سلمان قبل أن يجلب المزيد من الأذى والعار للبلاد. سيكون الاعتراف بأن مصالح محمد بن سلمان لا تتماشى مع المصلحة الوطنية السعودية بداية مهمة لمعرفة المشكلة، ويوفر تقرير مدير المخابرات الوطنية الأمريكية الآن أسباباً كافية للسلطة القضائية لاتخاذ موقف وإعادة فتح تحقيقها في دور محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي. من شأن مثل هذا التحقيق أن يوفر أسباباً كافية لحفظ ماء الوجه لكي يتنحى محمد بن سلمان عن مناصبه الرسمية حتى يتم الانتهاء من التحقيق ويقوم الملك سلمان بوضع بديل له، كما فعل مع أولياء عهد سابقين. وفي جميع الأحوال، لا تسقط جريمة القتل بالتقادم، حتى لو لم تكن المحاكمة ممكنة في السعودية اليوم، فسوف تلوح فوق رأس محمد بن سلمان لبقية حياته.
إن الشعب السعودي يستحق أن يعيش في وطنه دون خوف من إسكاته أو احتجازه أو منعه من السفر أو طرده أو تعذيبه، أو حتى قتله لمجرد نزوة فرد مستبد همجي وغير سوي. إن إزالة هذا الخوف يعني إرساء حكم القانون في السعودية بمعايير ديمقراطية تمنح الشعب السعودي صوتاً في انتخاب قادته واختيار سياسات حكومته والتخلص من القادة الذين يفشلون في تحقيق مصالح الشعب، وأفضل طريقة لاتخاذ خطوة إلى الأمام في هذا الاتجاه هي أن يتّحد جميع السعوديين، من المعارضين إلى النخبة الملكية، ويدفعون هذا العائق الرئيسي في البلاد “محمد بن سلمان” إلى التنحي عن المشهد للأبد.