فؤاد هراجة
لا يوجد عاقل سَوِيّ على وجه البسيطة لا يفرح بالصلح بين شخصين أو أسرتين، بَلْهَ أن يتم هذا الصلح بين دولتين. وتزداد الفرحة درجات عندما يكون الصلح بين دول عربية- مسلمة؛ دول وإن رسم حدودها سايكس وبيكو، فإن وشائج القرابة وأواصر الدم تظل بينها متشابكة ومتداخلة جراء استمرار البعد العشائري والقبلي فيما بينها.
وفي هذا السياق لا يسع المرء إلا أن يسعد لفتح الحدود “الوهمية” بين الأشقاء لتعود الأرحام للتواصل فيما بينها، وتعود حركة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسابق عهدها، لكن أن تسهر الولايات المتحدة الأمريكية في شخص ترامب على ضرب حصار على دولة قطر وتسكت عنه منذ منتصف 2017، ولا تتذكره إلا قبيل بضع أسابيع من انتهاء ولايته، لهو أمر يدعو إلى التساؤل عن المغزى الحقيقي من هذا التكتيك السياسي!
فمما لا شك فيه أن إصرار مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنير على المصالحة الخليجية وتكبده عناء التنقل بين دولها؛ لا يمكن بتاتا أن يكون الغرض منه هو التخفيف من معاناة قطر المحاصرة، وإرجاع الأمن والاستقرار للمنطقة. إن وضع هذه المصالحة في سياقها الدولي والإقليمي يجعلنا نتخفف من الحجب المانعة عن الفهم والتي تحاول بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية تلخيصها في إعادة الدفء بين الإخوة الأشقاء الذين ملوا وسئموا مناخ الفرقة بينهم.
وبعيدا عن لغة الخشب وصور الاحتضان الحار بين الحكام، ثمة أمران استراتيجيان عجلا بهذه المصالحة الخليجية ويتمثلان في:
– الرغبة الجامحة لإدارة ترامب في جعل دول مجلس التعاون الخليجي قاطرة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
– رغبة ترامب إما في توجيه “ضربة عسكرية جراحية” أو ضربة موسعة لإيران قبل مغادرته البيت الأبيض.
وكلا الأمرين يقتضي أن تكون دول الخليج العربي موحدة لا خلاف بينها، حتى لا تترك لإيران منفدا تستغله لإضعاف الموقف الخليجي تجاه أي تحرك عسكري أمريكي في المنطقة.
وبناء عليه، فإن رعاية الولايات المتحدة الأمريكية في شخص مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنير لهذا الصلح في وقت قياسي، وتوقيع بنوده في العلن وأمام كاميرات العالم، يجعلنا نستشف أن الإدارة الأمريكية الحالية في عجلة من أمرها، وأنها تُعِدُّ ما تُعِدُّهُ فيما تبقى من أيام معدودات للرئيس ترامب! فتحرك البارجات وحاملات الطائرات والغواصات الأمريكية والصهيونية في مياه الخليج يشي بما لا تحمد عقباه. وما يؤكد هذا المذهب هو الجدية والحزم الذي تتعامل بهما إيران حيال الوضع، من خلال دق طبول الحرب وإعلان الجاهزية العسكرية.
لكن قد يقول بعض المتفائلين إن كل ما يحدث إنما هو تعزيز لمواقع التفاوض المرتقبة بين أمريكا وإيران، فالأولى تهدد باستعمال قوة الحرب، والثانية تهدد بالمضي قُدُما نحو الرفع من نسبة تخصيب اليورانيوم. وهذا الرأي في تقديري غير منطقي بتاتا لأن الوقت المتبقي لترامب لا يسمح بالتفاوض والوصول إلى اتفاق، كما أن ترامب ليس كريما لهذه الدرجة حتى يمهد الطريق لجون بايدن في هذا الملف. إذن ما تبقى من وقت لإدارة ترامب ربما لا يتسع إلا لمفاجآت قد تكون مأساوية على المنطقة ككل.
نستخلص في نهاية هذا التدليل أن حكام الخليج – وللأسف – نفذوا خيار الحصار على دولة قطر وَهُمْ لا يعلمون التكتيكات التي يخفيها الفاعل الأمريكي في المنطقة، وأنى لهم أن يعلموا ذلك! ثم ها هم على أعقابهم ينكصون لتوقيع الصلح فيما بينهم وهم لا يفقهون لماذا الآن وليس من قبل!
نحن إذن أمام منطقة تتحكم فيها الإدارة الأمريكية كما تشاء، اختارتها هذه المرة وبعد عقود من التخويف كي تكون ساحة حرب وورقة ضغط على خصم استراتيجي اسمه إيران، بعد استكمال دائرة التحالف مع الكيان الصهيوني. نحن إذن على مرمى أسبوعين متبقيبين رسميا في رئاسة ترامب لن يكونا نهاية العالم، لكنها سيكشفان لا محالة عن الكثير من خفايا السياسية الأمريكية تجاه المنطقة.