هذا الأسبوع، تم اعتبار النسوية جريمة يعاقَب عليها بالسجن والجلد في المملكة العربية السعودية.

وعرّف إعلان الفيديو، الصادر عن جهاز أمن الدولة السعودي، الحركة النسائية بأنها موقف متطرف تم استيراده من الغرب للتأكيد على أن الرجل والمرأة يتمتعان بحقوق متساوية في المسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ووفقا لهذا التعريف، يزعم  الإعلان أن النسويات يهدفن إلى القضاء على الاختلافات بين الجنسين، وإلغاء الزواج والأسرة، وتشجيع الاتحادات والكيانات القائمة على الجنس. ويضم التعريف السعودي الحركة النسوية لأشكال أخرى من “التطرف” من وجهة نظر المملكة، بما في ذلك الإلحاد و”المثلية الجنسية” والاختلاط.

 

نظام متناقض

وفي مواجهة رد الفعل العكسي، أعلن النظام السعودي أن فيديو الإعلان كان نتيجة لتفسير خاطئ من قبل أحد الموظفين، لكن من غير المحتمل أن يكون هذا الإعلان المروع مجرد خطأ.

فهل كانت محاولة لإحراج ولي العهد من قبل خصومه في الدولة العميقة؟ أم أن هناك بالفعل موظفين حكوميين يؤمنون بصدق بأن النسوية تشبه الإرهاب؟ قد لا نكتشف ذلك أبدا، ولكن الارتباك يعكس التناقضات التي تحيق بهذا النظام، وسط محاولاته المزعومة للإصلاح وتعزيز تمكين المرأة.

وقبل كل شيء، تسعى الرياض إلى تبرير سجن عدد من الناشطات منذ عام 2018. وورد أن “لجين الهذلول” و”عزيزة اليوسف”، من بين العديد من الناشطات الأخريات، تعرضتا للتعذيب في السجن، وتم تهديدهما بالعنف البدني والجنسي. ويتم إنكار مثل هذه التقارير بالطبع من قبل النظام، الذي حرم المراقبين الدوليين من فرصة مراقبة ظروف السجن.

وقد يكون تجريم النسوية الملاذ الأخير الذي يسمح للنظام بمواصلة احتجاز السجينات بسبب أفكارهن النسوية “المتطرفة”‘، على الرغم من حقيقة أنهن ناضلن من أجل نفس السياسات التي أقرها ولي العهد “محمد بن سلمان”.

وكان رفع الحظر المفروض على القيادة، وتخفيف نظام الوصاية، الذي يسيطر فيه الرجال على كل جانب من جوانب حياة المرأة، من بين المطالب التي قامت هؤلاء السجينات بحملات من أجلها.

 

مصلح عظيم

ومن خلال تجريم النسوية، يحرم ولي العهد النساء من دورهن كصانعات لمستقبل المملكة. ونعم، يمكن تعيين الأميرات سفيرات في واشنطن، ولكن جعلهن رموزا للحداثة، وتمكينهن اجتماعيا، هي ببساطة قصص خيالية من كتاب ألف ليلة وليلة. فلا يراد للنساء سوى دور واحد، وهو سماع القصص حول إنجازات المصلح العظيم والتمتع بعطاياه  الكريمة.

وقد ذهب ولي العهد إلى حد دفع النساء الغربيات البيض لزيارة مواقع التراث السعودي، بهدف الترويج للسياحة، لكن هذه تعد صورة مشوهة وانحرافا عن الحركة النسائية كما نعرفها.

ونظرا لأن حقوق المرأة أصبحت أقل إلحاحا جميع أنحاء العالم، فإن بعض النساء يعبّرن عن نسويتهن من خلال “صور شخصية” في صحراء المملكة وبين مناظرها التاريخية القديمة.

وتتجاهل هؤلاء النسويات الاستهلاكيات النساء السعوديات اللائي يعشن في السجن. ويروجن بدلا من ذلك لنظام وحشي قتل صحفيا مسالما وسجن وعذب عشرات الناشطين والناشطات.

وفي الوقت الذي تنتظر فيه النسويات السعوديات الجَلد بتهم “التطرف”، تقوم شقيقاتهن البيض بالاستمتاع بالشمس على شواطئ البحر الأحمر.

وربما يتطلع ولي العهد إلى إرضاء السكان الذين لا يتفقون مع إصلاحاته الجديدة، وقبل كل شيء، دعم صناعة الترفيه الجديدة في البلاد التي يقودها صديقه، مدير هيئة الترفيه، “تركي آل الشيخ”.

وبعد سيء السمعة “سعود القحطاني”، الذي جاء اسمه في قائمة المتورطين في جريمة قتل “جمال خاشقجي”، و”بدر العساكر”، الذي يُزعم أنه مرتبط بعملية تجسس على “تويتر”، أصبح لدينا الآن “آل الشيخ”، الذي يمزج بين الترفيه والقومية السعودية الجديدة الساخرة. ومن المفترض أنه يتولى مسؤولية الترفيه عن السعوديين، لكنه يفعل ذلك بذوق سيء وضجيج مفرط ودعاية شعبية هائلة.

 

فقدان الشرعية

وخلال الأسبوع الماضي، هاجم رجل بسكين مجموعة من الفنانين الأجانب في مهرجان بالرياض، مما أسفر عن إصابة عدة أشخاص. وتتناقض عروض الفنانين الغربيين مع السياسة والسياقات المحلية في المملكة.

ويتم وصف أولئك الذين ينتقدون مثل تلك الحفلات بأنهم متطرفون. فهل يمثل مثل هذا الهجوم بداية موجة جديدة من الإرهاب، أم يكون حيلة للنظام لنشر الخوف وإسكات المزيد من الانتقادات؟

 

وتقترح المملكة العربية السعودية أيضا سجن “المثليين جنسيا”، رغم مجادلة بعض كبار رجال الدين السعوديين بأنه على الرغم من اعتبارها خطيئة، فإنها يجب ألا تؤدي إلى عقوبة جنائية.

وتعد محاكمة “الشذوذ الجنسي” في العالم العربي ظاهرة حديثة مرتبطة بتأسيس الدولة الحديثة والمركزية والقمعية في السعودية وأماكن أخرى.

وعندما تفقد هذه الدولة شرعيتها كراع أخلاقي، فإنها تلجأ بسرعة إلى تجريم ما يحدث وراء الأبواب المغلقة.

ويكافح النظام السعودي بيأس لاستعادة شرعيته الدينية، التي تآكلت من قبل أمثال ولي العهد ورئيس هيئته الترفيهية. ومن هنا جاءت فكرة تجريم الحركة النسائية، التي تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتحقيق الإصلاح السياسي.

ومن المحتمل أن نرى المزيد من هذه المراسيم في الأشهر والأعوام المقبلة. واعتمادا على رد الفعل العام، يمكن للرياض ببساطة أن تتراجع مجددا كما فعلت هذا الأسبوع.

وفي حين سيستمر النضال النسوي السياسي على الرغم من تهديدات العنف الجسدي والجنسي، التي كانت موجودة بالفعل حتى قبل الفضيحة الحالية، ستبقى الحريات الشخصية بعيدة المنال في ديكتاتورية تمد أنفها في أدق تفاصيل حياة الناس الشخصية.