ظهرت على الساحة الإقليمية، منافسة جديدة بين السعودية والإمارات، هذه المرة في مجال الطاقة المتجددة، لاسيما في منطقة بحر قزوين وسط آسيا، حيث تدور رحى منافسة كبيرة بين شركتي “مصدر” الإماراتية لطاقة المستقبل، و”أكوا باور” السعودية للمياه والطاقة.

وخلال السنوات الأخيرة، وقعت الشركتان الخليجيتان المختصتان بالطاقة المتجددة تعاقدات مع دول منطقة بحر قزوين لإنشاء محطات للطاقة الشمسية والرياح، البعض منها جرى افتتاحه في عام 2021، لاسيما في دولتي أوزبكستان وأذربيجان.

وبحر “قزوين” هو أكبر مسطح مائي مغلق على الأرض، وتقتسم شطآنه كل من تركمانستان وكازخستان وروسيا وأذربيجان وإيران، ويمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز تجعله ثاني أكبر منطقة غنية بالمحروقات بعد الخليج العربي، إضافة إلى ثروة هائلة من الذهب والنحاس واليورانيوم.

وتأسست “مصدر” عام 2006 من ائتلاف ثلاث شركات طاقة إماراتية وهي “أدنوك” و”طاقة” و”مبادلة”، أما شركة “أكوا باور” السعودية فتأسست عام 2004 وهي مملوكة بنسبة 50 بالمئة من قبل “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي.

 

توسيع النفوذ

وعن ذلك التنافس بين الجارتين الخليجيتين، نشرت مجلة “إنتليجنس أونلاين” الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات تقريرا في 25 أبريل/ نيسان 2022، أكدت فيه أن رئيس الإمارات محمد بن زايد يستعد لمواجهة الرياض في مجال الطاقة المتجددة عبر شركة “مصدر”.

وقالت المجلة إنه “في إطار المنافسة على الهيمنة الإقليمية بين السعودية والإمارات، يعتمد ابن زايد على شركة (مصدر) المحلية للطاقة المتجددة، المنافسة لشركة (أكوا باور) السعودية، لتوسيع نفوذ الإمارات حتى آسيا الوسطى”.

وأوضحت أن سلطان الجابر، المبعوث الخاص لمحمد بن زايد لشؤون المناخ، رئيس مجلس إدارة شركة “مصدر”، زار باكو في 15 أبريل، لمناقشة استثمارات الطاقة المتجددة مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.

كما شارك وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي، ووزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، في منتدى طشقند الدولي الأول للاستثمار بالعاصمة الأوزبكية في 24 مارس/ آذار 2022.

وعقدا على هامش المنتدى اجتماعات مع الرئيس الأوزبكي شوكت ويرزيوييف لمناقشة عدة اقتراحات، بينها إنشاء محطة طاقة بقدرة 1.5 غيغاواط.

وكان العضو المنتدب لشركة “أكوا باور” السعودية محمد عبد الله أبو نيان، قد مهد لزيارة الفالح، حين ذهب إلى طشقند في 24 فبراير/ شباط 2022، قبل أن يعود وزير الاستثمار مرة أخرى في 19 أبريل/ نيسان 2022.

وافتتح وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان آل سعود، في يناير/كانون الثاني 2021، محطة لطاقة الرياح في خيزي أبشيرون الأذربيجانية (بقدرة 240 ميغاواط) التي أنشأتها “أكوا باور”.

بينما وقع الجابر في أبريل 2022 عقدا لبناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 230 ميغاواط في كاراداغ بأذربيجان أيضا.

 

“نور نافوي”

وكشفت “إنتلجنس أونلاين” أن تحرك “مصدر” في الخارج يأتي بعد إعادة الهيكلة الداخلية التي أشرف عليه ابن زايد شخصيا في ديسمبر/ كانون الأول 2021، حيث قام بتحويل فرع الطاقة المتجددة التابع لصندوق “مبادلة”، إلى كيان وطني قائم بذاته.

تعزز الكيان، المتواضع مقارنة بـ “أكوا باور” في السعودية، من خلال الأمر القضائي الذي أصدره محمد بن زايد إلى شركة “ADQ” القابضة (عبر شركة الطاقة التابعة لها “‘طاقة”) وشركة مبادلة- ممولو السياسات التي قررها ولي العهد-، وشركة النفط “أدنوك” التي كانت حريصة على دعم أنشطتها.

منذ ذلك الحين، ضمن الجابر حصوله على دعم الشخصيات القوية في الإمارات في توجيه شركة “مصدر”، هو ومحمد جميل الرمحي، المدير التنفيذي للشركة منذ عام 2016، ومن هؤلاء المسؤولين في “مبادلة”، مصبح الكعبي، وخالد عبد الله القبيسي، وبخيت الكثيري، وفقا للمجلة الفرنسية.

وفي 29 أغسطس/آب 2021، أعلنت “مصدر”، التابعة لشركة “مبادلة” للاستثمار، عن تدشين محطة “نور نافوي” للطاقة الشمسية في أوزبكستان، التي تعد أول مشروع مستقل للطاقة الشمسية يجرى تمويله بنجاح في الدولة.

وقال سلطان الجابر على هامش التدشين، إن المشروع وغيره من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تطورها “مصدر” في مناطق متعددة في أوزبكستان، ستسهم في نمو القطاع الصناعي، وتوفير فرص عمل تسهم في النمو الاقتصادي والاجتماعي، بما يعزز التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وشدد على أهمية المشروع في ترسيخ مكانة أوزبكستان في مجال الطاقة النظيفة على مستوى منطقة آسيا الوسطى، معربا عن الفخر بدعم هذا النوع من المشروعات التي تعكس التزام دولة الإمارات بدعم العمل المناخي، خصوصا مع اقتراب الدورة 26 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

في السياق نفسه، قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي، إن هذا الإنجاز المميز يعكس مدى متانة العلاقة التي تجمع بين أوزبكستان ودولة الإمارات، وتعاونهما المثمر في قطاع الطاقة المتجددة، وغيرها من القطاعات العديدة الأخرى.

وتابع المزروعي: “كما يمثل المشروع الذي يقام على مستوى المرافق الخدمية، خطوة مهمة تدعم تحقيق التحول في قطاع الطاقة بأوزبكستان”، مؤكدا “التزام الإمارات بدعم جهود أوزبكستان الرامية إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة”.

وتعد محطة “نور نافوي” التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 100 ميغاواط، أول محطة طاقة شمسية كهروضوئية على مستوى المرافق الخدمية في أوزبكستان.

وتعهدت “مصدر” بتطوير عدد من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أوزبكستان، ووقعت في يوليو/ تموز 2021 اتفاقات لتطوير مشروعين للطاقة الشمسية الكهروضوئية هناك بقدرة إجمالية تبلغ 440 ميغاواط.

ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل التجاري للمشروعين اللذين سيتم تشييدهما في منطقتي “سمرقند” و”جيزاك” خلال الربع الأول من عام 2023.

كما فازت “مصدر” بمناقصة مشروع آخر للطاقة الشمسية في أوزبكستان، وهو عبارة عن محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 457 ميغاواط.

 

“رياح نوكوس”

في المقابل، أعلنت شركة “أكوا باور” السعودية، في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 توقيع عقد أول مشروع توليد الكهرباء من قوة الرياح في جمهورية أوزبكستان.

وحمل المشروع اسم “رياح نوكوس” بقدرة 100 ميغاواط، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس).

وتقع محطة “رياح نوكوس” التي تبلغ قيمتها 108 ملايين دولار أميركي في منطقة كاراكالباكستان شمال غربي أوزبكستان، وقد فازت “أكوا باور” بالمناقصة التنافسية بعد اقتراح تعرفة قدرها 2.5695 سنتا/ كيلوواط ساعة.

وتعد المحطة أول مشروع لطاقة الرياح يتم من خلال مناقصة عامة في أوزباكستان، كما يعد أول مشروع للطاقة المتجددة في أوزبكستان يحكمه قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الجديد.

يذكر أن العقد تبلغ مدته 25 سنة من تاريخ التوقيع، ويتوقع أن يظهر الأثر المالي للمشروع في الربع الأول من عام 2024.

وكانت الشركة قد وقعت في ديسمبر 2021، مذكرة تفاهم مع مجموعة “ناتيكسيس” السعودية للخدمات المصرفية الاستثمارية للحصول على تمويل يصل إلى ملياري دولار أميركي تقريبا على مدار عامين لخطط أعمال مشاريع “أكوا باور” المستقبلية.

وشركة “أكوا باور” هي مطور ومستثمر ومشغل لمجموعة من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه، وتشمل محفظة أعمالها حاليا 66 محطة قيد التشغيل والبناء أو في مراحل متقدمة من التطوير، ويعمل لدى الشركة نحو 3500 موظف في 13 دولة في مناطق الشرق الأوسط وشمال وجنوب إفريقيا وجنوب شرق آسيا.

وتبلغ القيمة الاستثمارية لمحفظة مشاريع الشركة أكثر من 67.2 مليار دولار أمريكي، تنتج 42.8 غيغاواط من الكهرباء، و6.4 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة يوميا. وتمتلك الشركة 50 بالمئة من محفظتها في السعودية فيما تخطط للتوسع في أسواق جديدة.

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2021 قال الرئيس التنفيذي لشركة “أكوا باور” بادي بادماناثان، التي يملك صندوق الثروة السعودي 50 بالمئة منها، إنها تعتزم التوسع في دول جديدة فيما تشارك في بناء مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة.

وأضاف أن أكوا باور تنشط في أوزبكستان وأذربيجان، كما قدمت 5 عطاءات في إندونيسيا لبناء محطات شمسية. وفازت الشركة أخيرا بعقد لتوليد الطاقة من الرياح في مصر.

ولدى الشركة تطلعات أخرى للتوسع في الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى والفليبين في آسيا.

 

تنافس محموم

وخلال عام 2021، لوحظ تصاعد التنافس الاقتصادي بشكل محموم بين السعودية والإمارات، مع إعلان الرياض في 16 فبراير/ شباط 2021، أنها تعتمد إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقرّ إقليمي في المنطقة خارج المملكة، ابتداء من عام 2024.

وبناء على ذلك بدأت على سبيل المثال شركات الإعلام السعودية المملوكة للدولة التي توجد مقراتها في دبي في نقل الموظفين إلى الرياض.

وبينما استغربت الإمارات هذه الخطوة، دافعت السعودية عنها مؤكدة أنها تهدف لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط عن طريق فتح مجالات جديدة تخلق أيضا فرص عمل للسعوديين وتضع المملكة في مكانة تنافسية.

كما تريد السعودية تحويل الرياض إلى المركز الاقتصادي المهيمن في المنطقة بدلا من دبي، وجذب استثمارات ورؤوس أموال وخبرات أجنبية، بحسب ما أشارت صحيفة “فاينانشال تايمز” الأميركية إليه في تقرير بتاريخ 17 نوفمبر 2021.

وكشفت الصحيفة أن السعودية قامت بتعديل التعرفة الجمركية على المنافذ الحدودية السعودية مع دول الخليج المجاورة.

وقالت إن القرار السعودي المفاجئ أدهش المديرين التنفيذيين بإحدى الشركات الإماراتية، حيث فوجئت الشركة بأن سائقي شاحناتها عندما وصلوا إلى الحدود السعودية طلب منهم تعبئة أوراق تتعلق بكل شيء تقريبا بدءا من عبوات الكرتون إلى المنصات المعدنية.

وتضع السلطات السعودية حاليا اللمسات الأخيرة قبل إطلاق مركز الملك عبد الله المالي في قلب الرياض، وهو مشروع ضخم يضم عدة ناطحات سحاب بلغت قيمته مليارات الدولارات وتم الإعلان عنه في 2006.

ويرى خبراء أن السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، منخرطة بالفعل في منافسة اقتصادية محتدمة مع دبي. لكنّ وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح تحدث عن “تكامل” مع الإمارات، قائلاً إنه “إن كانت هناك منافسة فهي منافسة خلاقة مفيدة للطرفين. الكل سيستفيد من النمو والانفتاح”.

وتابع الوزير السعودي أنّ “الإمارات ستستفيد من نمو المملكة. في الإمارات هم سباقون وناجحون وسيستمر نجاحهم وتألقهم في مجالات كثيرة بما فيه مجال اجتذاب الشركات”، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية في نوفمبر 2021.