ليس جديداً القول إن الداعية السعودي، الشيخ سلمان العودة، داعم كبير للثورات العربية المطالبة بنيل الحرية والانعتاق من حكم الدكتاتوريات؛ فهذا النهج كان من أهم الأسباب التي غيبته خلف قضبان السجون السعودية منذ 10 سبتمبر من العام 2017.
اعتقال الشيخ العودة من قبل سلطات المملكة أبعده عن رؤية تجدد الثورات العربية، التي أسقطت رئيسين مضى على حكمهما عشرات الأعوام، فالسودان والجزائر انضمتا مؤخراً إلى قوائم البلدان العربية التي ثارت على حكوماتها، ونجحت في إسقاطها.
ففي 19 ديسمبر الماضي انطلقت شرارة الاحتجاجات الشعبية في السودان لتسقط الرئيس عمر البشير، في حين انطلق الجزائريون في 22 فبراير الماضي بمظاهرات واسعة للمطالبة بعدم ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، انتهت بانتصار كلمة الشعب.
وحول نجاح الحراكين في البلدين الأفريقيين، يتحدث عبد الله سلمان العودة، لـ”الخليج أونلاين”، فيقول إن والده، كان لَيدعم هاتين الثورتين لو لم يكن معتقلاً، مضيفاً أن “له قواعد عامة في حماية قيم العدالة وقيم الحرية عند الناس، واحترامها، واحترام خيارات الناس ودعمها”.
وأكد أن من أهم ما يشغل فكر الشيخ سلمان العودة هو “أن تُستغل هذه الثورات”، وعليه فإنه يحاول توعية الشعوب كيلا “تُركَب” هذه الثورات “من قبل أطراف غريبة (لم يسمها) تسعى لكي تهدمها من الداخل”.
وفقاً لذلك فإن العودة “كان لديه دائماً توجيهات عامة، ولديه فصل في كتاب أسئلة الثورة حول سرقتها، وهو يؤكد في آرائه أن الكثير من الذين يعارضون حراك الشعوب وحرياتها وحقوقها والعدالة، إذا رأوا أنه ليس هناك بدٌّ من هذا الحراك حاولوا تطويعه لمصالحهم الشخصية”.
نجل الداعية المُعتقل أكد أن والده كان دائم التحذير من أن تُستغل الثورات، مشيراً إلى أنه “في الوقت الذي يدافع عن الحريات الشخصية والثورات يحذر من راكبي الأمواج”، لكنه لم يحددهم أيضاً.
في العزل الانفرادي
حول حالة العودة الصحية ووضعه في محبسه، يقول عبد الله، إن “وضعه حالياً مستقراً، لكن الوضع في السجن بشكل عام بائس وسيء، وما زال يقضي يومه في سجن انفرادي، وهذا مخالف للقانون السعودي”.
ويقول: “في بداية اعتقاله كانت الخدمات سيئة. كانوا يقيدون يديه ورجليه ويرفضون حتى علاجه. تدهورت حالته الصحية في الأشهر الأولى وذُهب به المستشفى في حينها”.
من الأشياء التي تحظرها السلطات السعودية على الشيخ العودة في محبسه “مطالعة الكتب”، حيث يبين ولده أنه “لا يسمح له بقراءة سوى القرآن الكريم، وهو يجد في هذا خير عزاء”.
وأوضح: “هو يقضي يومه بالقرآن والصلاة، ويحمد الله سبحانه وتعالى ويقول لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين؛ كما كان يقول سيدنا يونس عليه السلام”.
حكومة مختلفة
وعن خصوصية الشخصيات المؤثرة محلياً وعالمياً في السعودية، ومنهم مقربون من الشيخ السعودي، يقول عبد الله: إن “رفقاء درب الوالد وضعهم صعب الآن، وليس من بينهم من هو مقرَّب من الحكومة الحالية”.
ويضيف: “الإدارة الحالية في السعودية ليس لديها أحد مقرب إلا طغمة وحفنة قليلة فاسدة، لا يتشرف أي واحد منهم بأن يكون رفيقاً للوالد ولو في مرحلة ما من عمره. ليست هناك علاقة للوالد بأي واحد من الطغمة الفاسدة أو المَرْضي عنها من قِبل الإدارة السعودية، ولذلك فهذا الباب مسدود تماماً”.
عبد الله يشير إلى أنه “خلافاً لجميع الفترات السابقة في تاريخ المملكة ليست هناك تيارات، ليست هناك أجنحة، ليست هناك مجموعات مختلفة”.
وبحسب رأيه، فإن “هناك طغمة فاسدة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، تدير كل الملفات؛ ومن ثم ليس هناك أي أحد له أي نوع من التوافق أو العلاقات إلا هذه المجموعة الصغيرة جداً”.
العائلة تتعرض لضغوط
عائلة الداعية سلمان العودة تعرضت، بحسب نجله، لضغوط عديدة منذ تاريخ اعتقاله حتى اليوم، إذ يقول: إن “17 شخصاً من العائلة ممنوعون من السفر. اعتُقل عمي خالد منذ عام ونصف العام، بعد أن كتب تغريدة (على تويتر)، وحاكموه وأُغمي عليه، وتحوَّل إلى العناية المركزة، وما يزال يعاني أمراضاً مزمنة بسبب هذا التعامل، وما زال في المعتقل ويتهمونه بتهمة التعاطف مع الوالد”.
نجل الداعية “العودة” الذي يقطن في الولايات المتحدة، كشف أيضاً عن تخوفه من التعرض للاعتقال في حال عاد إلى بلاده.
ويقول: “فيما يتعلق بي أنا شخصياً، رفضت السفارة السعودية في واشنطن تجديد جواز سفري، وطلبوا مني العودة إلى السعودية، وأرسلوا إليَّ رسائل يطلبون مني العودة إلى البلاد، وأوقفوا جميع خدماتي”، مشيراً إلى أن “موظفاً في السفارة سألني ذات مرة هل صدر بحقي أمر بإلقاء القبض عليَّ، فقلت: كيف لي أن أعرف! هذا السؤال يجب أن أسأله أنا لكم لا أن تسألوني!”.
“العودة” والتهم الـ37
في معرض حديثه عن سير قضية والده ووضعه داخل المعتقل، قال عبد الله: إن “محاكمته جارية، وما زال النائب العام في السعودية يطالب بما يسميه القتل تعزيراً؛ بناء على 37 تهمة سخيفة وملفقة، وكلها عبارات فضفاضة وجُمل غريبة”.
ومن أبرز التهم الموجهة إليه، بحسب ما ذكرته صحيفة “سبق” السعودية سابقاً، “الإفساد في الأرض؛ بالسعي المتكرر إلى زعزعة بناء الوطن، وإحياء الفتنة العمياء، وتأليب المجتمع على الحكام، وإثارة القلاقل، والارتباط بشخصيات وتنظيمات، وعقد اللقاءات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها لتحقيق أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي ضد الوطن وحُكامه”.
واتُّهم العودة كذلك بـ”دعوته إلى التغيير في الحكومة السعودية، والدعوة إلى الخلافة بالوطن العربي، وتبنِّيه ذلك بإشرافه على (ملتقى النهضة) الذي يجمع الشباب كنواة لقلب الأنظمة العربية، وانعقاده عدة مرات في عدة دول بحضور مفكرين ومثقفين، وإلقائه محاضرات محرِّضة”.
ووُجِّهت إليه تهمة “دعوته وتحريضه على الزج بالمملكة في الثورات الداخلية، ودعم ثورات البلاد العربية من خلال ترويجه مقاطع تدعمها، ونقل صورة عمَّا تعانيه الشعوب، واستثماره الوقت بالتركيز على جوانب القصور بالشأن الداخلي، وإظهار المظالم للسجناء وحرية الرأي”.
واعتُبر انضمامه إلى تجمعات واتحادات علمية دينية تهمة، واعتُبرت “مخالفة لمنهج كبار العلماء المعتبرين، وتقوم على أسس تهدف إلى زعزعة الأمن في البلاد والوطن العربي، ودعم الثورات والانشقاقات، والصمود ضد الحكومات، والانضواء تحت قيادة أحد المصنَّفين على قائمة الإرهاب (يوسف القرضاوي)، وتولّيه منصب الأمين المساعد في الاتحاد”.
ومن بين التهم أيضاً، “تأليب الرأي العام، وإثارة الفتنة، وتأجيج المجتمع وذوي السجناء في قضايا أمنية، بالمطالبة بإخراج السجناء على منصات إعلامية، “وحيازته صوراً للقرضاوي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتدخُّله في شؤون مصر، وتنصيب نفسه مفتياً لجماعة الإخوان، ورفضه وصفها بـ”منظمة إرهابية”، بحسب نص التهم التي أوردها الإعلام السعودي.
وكان من بين التهم أيضاً ما يتعلق بالأزمة الخليجية، حيث ورد أن لـ”العودة” علاقات مع الدوحة، واعتراضه على بيان دول حصار قطر، “وبث معلومات مغلوطة عن المقاطعة”.
واتُّهم بوجود علاقة له مع النظام الليبي السابق، واتُّهم أيضاً بالدعوة إلى جمع تبرعات للثورة السورية، والتحريض، رغم أن السعودية كانت تدعم الثوار السوريين على الأرض وتمدهم بالمال والسلاح.