يعيش الاقتصاد السعودي على وقع أزمات مالية وسياسية وعسكرية قادته إلى الدخول ضمن خانة الاقتصادات سلبية النظرة؛ وذلك في وقت تعاني فيه المملكة تراجعاً مستمراً لإيراداتها بفعل جائحة كورونا وما ترتب عليها من تداعيات.

ويوم الاثنين (9 نوفمبر)، أكدت وكالة التصنيف العالمية (فيتش)، تصنيف السعودية الائتماني باستمراره عند “A”، مع تغيير النظرة المستقبلية من “مستقرة” إلى “سلبية”.

وأوضحت الوكالة أن استمرار التصنيف بالمستوى ذاته يأتي نتيجة تداعيات جائحة كورونا ومخاطر الموجة الثانية، والمتغيرات في أسعار النفط، التي دعت وكالات التصنيف الائتماني إلى إجراء نحو 215 تعديل تصنيف ائتماني منذ مارس الماضي.

وتوقعت، في تقرير لها، اتساع عجز الميزانية الحكومية للسعودية إلى 12.8% من الناتج المحلي هذا العام، من 4.5% عام 2019، إضافة إلى “انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بما يزيد قليلاً على 4% هذا العام”.

كما تحدثت “فيتش” عن أن الدين الحكومي السعودي سيصل إلى نحو 35% من الناتج المحلي بحلول نهاية عام 2020، ثمّ سيرتفع إلى 41% بحلول 2022، متوقعة أيضاً “انخفاض صافي الأصول الأجنبية السيادية للسعودية إلى 60% من الناتج المحلي”.

وأكدت الوكالة أن “الضعف المستمر في ميزانيات السعودية المالية والخارجية تسارَع، بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط”.

وكانت “فيتش” خفضت، في سبتمبر الماضي، تصنيف السعودية الائتماني من “A+” إلى “A”، مشيرة إلى التوترات الجيوسياسية والعسكرية المتصاعدة في الخليج وتدهور الوضع المالي للرياض.

 

ديون تاريخية

ولا يعتبر هذا التصنيف صادماً بالنظر إلى السياسات التي تنتهجها المملكة على الصعيد المالي والعسكري، وسبق أن قال يوسف البنيان، الرئيس التنفيذي لشركة “سابك”، أكبر منتج للبتروكيميائيات والأسمدة والصلب في المنطقة، (مايو 2020)، إن الأسوأ لم يأت بعد.

وكان البنيان يتحدث عن خسائر شركته التي بلغت 950 مليون ريال (252.66 مليون دولار) بنهاية الربع الأول من 2020، مقارنة بأرباح 4.3 مليارات ريال تم تحقيقها خلال نفس الفترة من عام 2019.

وجاءت تصريحات البنيان بعد يوم واحد فقط من إعلان وزير المالية محمد الجدعان، أن المملكة ستتخذ إجراءات “مؤلمة” لخفض النفقات العامة، وأن الرياض تتأهب لاقتراض مبلغ قياسي يقدّر بنحو 220 مليار ريال (59 مليار دولار) في العام الجاري، بزيادة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) عما كان مخططاً له قبل كورونا.

وستؤدي خطة الاقتراض السعودية، بحسب الجدعان، إلى قفزة تاريخية في الديون البالغة حالياً نحو 180.8 مليار دولار، لتبلغ ما يقارب ربع تريليون دولار تقريباً بنهاية العام.

وكانت بيانات الميزانية السعودية قد أظهرت ارتفاع حجم الدين العام مع نهاية عام 2019 إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، وهو ما يمثل نحو 24% من الناتج الإجمالي المحلي، مقابل 560 مليار ريال خلال العام السابق له.

 

ارتفاع العجز

وبحسب التقديرات الرسمية لوزارة المالية كان من المفترض قبل تفشي كورونا أن تصل نسبة إجمالي الدين العام في نهاية 2020 إلى 26% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 2% عن العام السابق، بما يعني أن الزيادة الكبيرة المعلنة في معدلات الاقتراض ستضاعف هذه النسبة.

كما توقعت الموازنة ارتفاع العجز للعام الجاري إلى ما بين 7 و9% بعد تفشي الفيروس، مقارنة بـ6.4% في توقعات سابقة، بينما توقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، ارتفاع عجز موازنة السعودية إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة 80 مليار دولار، خلال العام الجاري، مقارنة بنحو 4.5% في العام 2019.

كما توقعت فيتش تراجع إيرادات النفط السعودي بنسبة 41%، بافتراض أن متوسط سعر النفط 35 دولاراً للبرميل، وأن تنخفض الإيرادات غير النفطية بنسبة 15% نتيجة وباء كورونا.

وبالإضافة إلى توقعات فيتش، يعاني الاقتصاد السعودي بالفعل من عملية ركود ممتدة منذ فترة، نتجت من تأخر الدولة في سداد مستحقات شركات المقاولات، وفرض المزيد من الضرائب على الشركات، وزيادة رسوم الإقامة على العاملين الأجانب وأسرهم.

وبالإضافة إلى ما سبق، رفعت المملكة أسعار معظم الخدمات الحكومية، ما يعني أن الإجراءات التقشفية التي تطبقها المملكة ستزيد من الأضرار والخسائر لشركات القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة.

وبدأت الحكومة هذا العام تطبيق مادة جديدة من قانون العمل، تقضي بخفض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 40% بسبب كورونا.

وزاد توقف القطاع السياحي الذي يساهم بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من حدة الأزمة الاقتصادية، ووفقاً لتقديرات الهيئة العليا للحج والعمرة، فإن إيرادات السياحة الدينية في المملكة تقدر بنحو 5.3 – 6.9 مليارات دولار، ذهب الجزء الأكبر منها هذا العام بسبب كورونا.

كما تراجعت الاحتياطيات الأجنبية للمملكة نحو 20 مليار دولار، في أبريل الماضي، في حين انخفض صافي الأصول الأجنبية للمؤسسة من 497 مليار دولار بنهاية فبراير الماضي إلى 473.3 مليار دولار بنهاية مارس، بانخفاض 23.7 مليار دولار (4.8%) كاملة في شهر واحد فقط.

 

مزيد من التراجع

ويرى الخبير الاقتصادي الأردني نمر أبو كف، أن تراجع السعودية في التصنيف “يؤشر على إمكانية حدوث مزيد من التراجع في الفترة القادمة”، خصوصاً مع تقلبات أسعار النفط.

وأشار إلى أن سبب التراجع هو “كون السعودية دولة تعتمد كثيراً على النفط، وهي سلعة متقلبة وتتأثر كثيراً بالظروف السياسية والعلاقات الدولية والعسكرية، وليس مرتبطاً بالعرض والطلب”.

وأضاف: “في المستقبل على ضوء ما نشاهده الآن من تغير في أسعار النفط، يمكن أن تتراجع من A إيجابي إلى A- لكن ما زالت في تصنيف عالٍ”.

لكنه يعتقد أن “تراجع المملكة في التصنيف من الـA+ إلى A ثم إلى A-، يشير إلى إمكانية تراجع اقتصاد السعودية، وقد تكون رغبتها في المستقبل في الاقتراض”.

وأكد أن السعودية قد تواجه صعوبات في تقديم “ضمانات أكثر للجهات المانحة، خصوصاً مع تشدد الجهات الدائنة في الشروط والفائدة في الدفع”، مشيراً إلى أن المملكة تبلغ نسبة دينها العام 35% “وهي نسبة مقبولة، وتعتبر حالياً من الدول النامية”.