في 16 أبريل/نيسان، اعترفت قوات الأمن السعودية بأنها أطلقت النار على “عبدالرحيم الحويطي” وقتلته، وهو الذي كان منتقدًا صريحًا لخطة “محمد بن سلمان” لبناء مدينة ضخمة جديدة تسمى “نيوم”، المدينة التي تعد مشروعًا مميزًا  لدى ولي العهد الحاكم الفعلي للسعودية.

سيتم بناء المدينة الخيالية -التي يفترض أن تحتوي على سيارات طائرة وقمرا اصطناعيا- في محافظة تبوك الشمالية الغربية.

ومع ذلك، فإن الكثير من الأراضي التي ستشغلها المدينة، والتي تقدر مساحتها بـ33 مرة حجم مدينة نيويورك، هي أراضي تعود للقبائل.

ينتمي “عبدالرحيم الحويطي” إلى اتحاد قبيلة “الحويطات” الذي تمتد أراضيه عبر أجزاء من السعودية والأردن وفلسطين.

رفض “الحويطي” بيع أرضه ومنزله للحكومة، وفي احتجاج على الإنترنت؛ انتقد الحكومة بشدة لتجاهلها حقوق ملاك الأراضي، حيث تخطط الحكومة السعودية، بعد قليل من المشورة أو بانعدام مشورة مع السكان المحليين، لنقل 20 ألف شخص بالقوة من الأرض التي سيتم بناء “نيوم” عليها.

كان رد الحكومة على معارضة “الحويطي” أن أرسلوا قوات الأمن إلى منزله، حيث قتلوه، وبعد وفاته، ألقي القبض على عائلته.

لم يكن رد فعل الحكومة السعودية على “الحويطي” مفاجئًا نظرًا لقمعها المستمر والواسع النطاق للمعارضين، والذي تجلى بشكل خاص في القتل الوحشي للصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في 2018.

يُظهر مقتل “الحويطي” أن الحكومة السعودية تواصل ردودها الغشيمة على من يعارضها تحت قيادة “محمد بن سلمان”، وتتزايد احتمالات أن تؤدي هذه الأنواع من التكتيكات إلى رد فعل عكسي، خاصة الآن مع قيام الحكومة السعودية بخفض الإعانات وزيادة الضرائب.

 

ركائز حكم آل سعود

لطالما اعتمد “آل سعود” على ركيزتين لتثبيت سلطتهم على الناس؛ الأولى هي حلف مع المؤسسة الوهابية الأصولية والثانية هي المال، لكن الحاكم الحالي الفعلي للسعودية قوّض كليهما

حاول “بن سلمان” مواجهة رجال الدين الذين يعارضونه وإصلاحاته السطحية إلى حد كبير من خلال تهميشهم وحتى اعتقالهم.

وفي الوقت نفسه، قام “بن سلمان” بتوريط السعودية في حرب لا يمكن الفوز بها في اليمن، والتي كانت تكلف المملكة حتى وقت قريب 5 مليارات دولار شهريًا.

حتى قبل الحرب في اليمن، كانت المالية السعودية بعيدة عن التماسك على الرغم من ثروتها النفطية الهائلة، مع تسبب الإنفاق المفرط على مشاريع التبختر في تقويض مرونة السعودية المالية، مثل مشاريع مدينة “نيوم” الكبرى المقترحة و أثرها السلبي على العلاوات والإعانات على سكان السعودية المتنامين.

والآن مع الجائحة العالمية وحرب أسعار النفط التي حرضت عليها السعودية؛ تتعرض ميزانية الدولة لضغوط أكبر مما كانت عليه في أي وقت منذ حرب الخليج الأولى.

ورداً على ذلك؛ قامت السعودية بخفض الدعم الحكومي وزيادة الضرائب، حيث ستزيد ضريبة القيمة المضافة في السعودية إلى 15% مما سيؤثر بشدة على أولئك الذين لا يستطيعون تحملها.

وبالرغم من تدني معدلات الفقر في المملكة بالنسبة للوطن العربي؛ فإن الفقر وانخفاض مستويات المعيشة يمثلان مخاوف كبيرة في بلد تصل فيه البطالة بين الشباب إلى حوالي 30%.

من الجدير بالذكر أنه خلال “الربيع العربي” عام 2011، كان الحل الذي قدمته السعودية للاضطرابات هو إغراق البلاد بـ130 مليار دولار من العطايا، وكان ذلك يعادل 80% من ميزانية الدولة السنوية آنذاك.

ونظرًا لمجموعة من القرارات السياسية السيئة والعوامل الخارجية مثل جائحة الفيروس التاجي؛ أصبحت قدرة “آل سعود” على التعامل مع الاستياء المالي محدودة الآن، ويأتي هذا في الوقت الذي يتم فيه استعداء وتهميش العديد من القبائل السعودية، مثل اتحاد “الحويطات”.

 

تقويض الدعم القبلي

أكثر ما يوضح الصراع مع مراكز السلطة التقليدية، هو جهود “بن سلمان” لضمان ولاء الحرس الوطني السعودي.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أقال “بن سلمان” الأمير “متعب بن عبدالله”، نجل الراحل الملك “عبدالله”، من منصبه كوزير للحرس الوطني السعودي.

وتزامن عزل الأمير “متعب” والقبض عليه بعد ذلك مع اعتقال واحتجاز العديد من كبار العائلة المالكة ورجال الأعمال البارزين والجنرالات الذين احتُجزوا في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض.

كان الأمير “متعب”، الذي كان يعتقد لفترة طويلة أنه خليفة محتمل للملك “عبدالله”، قد ورث قيادة الحرس الوطني من والده الذي تولى المنصب لمدة 40 عامًا.

يتفرد الحرس الوطني من بين القوات المسلحة السعودية في أنه حافظ على هيكله القبلي، وفي أول تشكله، كان الحرس الوطني مجموعة من الميليشيات القبلية الموالية لآل سعود.

لا تزال السمة القبلية للحرس سليمة إلى حد كبير، وكذلك ولاء العديد من أعضائه لقائده السابق الأمير “متعب”. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن أفراد اتحاد “الحويطات” القبلي، الذي ينتمي إليه القتيل “الحويطي”، يشكلون عددًا كبيرًا من رجال وضباط الحرس.

كان يُنظر إلى الحرس الوطني في السابق على أنه نوع من الحرس الشخصي لبيت آل سعود، وكانت قوة حيث يتم الاعتراف بالولاءات والتقاليد القبلية بعد تحويلها لدعم الأسرة السعودية، وقد تحقق ذلك من خلال المشاركة بالمال والمواقف.

أما الآن، فإن هذا الدعم يتقلص في نفس الوقت الذي يتخذ فيه “بن سلمان” موقفًا متشددًا من رجال القبائل مثل “الحويطي”.

تمتد الإجراءات القاسية المتخذة ضد من يعارضون آل سعود، أو بشكل أدق “بن سلمان”، إلى جنوب السعودية أيضًا، في المحافظات التي تحد اليمن، حيث تواجه هناك الأقليات الدينية والقبائل التي تمتد أراضيها إلى اليمن أو حدودها، الاضطهاد المستمر.

لم يبدأ هذا الاضطهاد بصعود “بن سلمان” إلى السلطة ولكنه يعود إلى عقدين على الأقل. ومع ذلك؛ فبسبب الحرب في اليمن والتهديد الذي يشكله المتمردون الحوثيون في اليمن، ازداد اضطهاد القبائل الحدودية وكذلك سكان المنطقة من الزيديين والإسماعيليين الشيعة.

والنتيجة استياء واسع النطاق بين الكثير من سكان محافظات نجران وجازان وعسير، حيث شنت قوات الحوثيين في هذه المحافظات هجمات عميقة داخل الأراضي السعودية.

صحيح أن أداء الجيش السعودي باهت، إلا إنه لم يكن من المحتمل أن تكون هذه الهجمات داخل الأراضي السعودية ممكنة أو متكررة بدون السكان المحليين الساخطين.

 

أفعال ترتد على الحكومة

وفاة “الحويطي” حولته بالفعل إلى شهيد، ولقبه السعوديون بـ”شهيد نيوم”.

ومع كونه فردًا في اتحاد قبلي قوي ومنتشر على نطاق واسع، فإن وفاته ستنتج رد فعل سلبي تمامًا مثلما أثر اضطهاد القبائل في جنوب السعودية على حرب السعودية مع الحوثيين.

هذا أسوأ وقت يتم فيه استهداف الأراضي القبلية والولاءات والتجسدات التقليدية للسلطة القبلية مثل الحرس الوطني، حيث تعتمد قدرة آل سعود على البقاء في السلطة -جزئياً على الأقل- على قدرتهم على السيطرة على الولاءات القبلية وتوجيهها.

ومع مواجهة السعودية لضغوط مالية متزايدة، وهزيمة في اليمن، وغياب قيادة حصيفة؛ فإن قدرتها على الحفاظ على هذه الولاءات معرضة للخطر أكثر مما كانت عليه منذ عقود.