كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن إسرائيل وزيارة رئيس وزرائها “بنيامين نتنياهو” ولقائه ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في مدينة “نيوم”، أشعلت حربا داخل أروقة العائلة المالكة في السعودية.

تلك الحرب يقودها جناحان: الأول يربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وفقا لمبادرة السلام، والثاني يسعى للتطبيع بأقصى سرعة خشية البطش الأمريكي وهو الجناح الذي يقوده “بن سلمان”.

وتقول الصحيفة في تحليل لها: إنه “بعد أسبوعين من لقاء نتنياهو المفاجئ مع بن سلمان، انتقد تركي الفيصل، وهو أمير سعودي بارز مقرب من العاهل السعودي، إسرائيل باعتبارها قوة استعمارية غربية، متهمًا إياها بسجن الفلسطينيين في معسكرات اعتقال”.

تصريحات “الفيصل”، التي أدلى بها في حوار المنامة الأمني ​​في البحرين، جاءت بمثابة صفعة لوزير الخارجية الإسرائيلي “جابي أشكنازي”، الذي تحدث بعد ذلك مباشرة، وعبر عن أسفه مما سمعه لا سيما في ظل ما أسمها “الروح الجديدة والتغيرات التي تحدث في الشرق الأوسط “.

لكن تصريحات “تركي الفيصل” في هذا التوقيت كانت “مهمة”، لا سيما أنه شغل منصب رئيس المخابرات في المملكة لمدة 20 عامًا، وكان سفيراً في كل من لندن وواشنطن، والتقى بشكل غير رسمي، العديد من الإسرائيليين على مر السنين.

وتتناقض تصريحات “الفيصل” بشكل حاد مع التصريحات الأخيرة التي أدلى بها “بندر بن سلطان”، وهو مسؤول سعودي سابق رفيع المستوى، الذي هاجم بشدة القيادة الفلسطينية لمعارضتها “المستهجنة” للتطبيع بين إسرائيل والخليج.

 

ماذا يحدث بالقصر؟

إذن ما الذي يحدث في المملكة العربية السعودية؟..

تجيب الصحيفة: “يعبر تركي وبندر عن مدرستين فكريتين متناقضتين فيما يتعلق بقضية التطبيع مع إسرائيل”.

ينتمي “تركي” إلى مدرسة الملك “سلمان”، ملتزمًا بوجهة النظر السعودية التقليدية، كما عبرت عنها مبادرة السلام العربية التي أطلقتها الرياض في 2002، بأن التطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون جزءًا من عملية متبادلة.

ومن هذا المنطلق، فإن الاعتراف السعودي بإسرائيل يقوم على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

فبصفته الوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، التي تجتذب حوالي مليوني حاج مسلم سنويًا، فإن الملك “سلمان” ليس مهتمًا بأي تحرك دبلوماسي يمكن أن يضعف مكانة القيادة البارزة للمملكة العربية السعودية من خلال تنفير أعداد كبيرة من الحجاج المسلمين، ما سيؤدي أيضًا إلى تداعيات اقتصادية مأساوية.

في المقابل، فإن ابنه ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” مستعد للتحرك بسرعة أكبر بشأن قضية التطبيع، ويبدو أنه أقل ارتباطًا بمعايير مبادرة السلام العربية.

 

ثمن التطبيع

وفي الوقت نفسه، لا يزال الثمن الذي يطالب به “بن سلمان” للاعتراف بإسرائيل غير واضح، على الرغم من أنه يريد بالتأكيد إزالة وصمة اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” وعرض صفقة أسلحة أمريكية كبيرة، متجاوزة صفقة طائرات “إف-34” وطائرات بدون طيار التي أبرمتها الإمارات.

وتقول الصحيقة: “لا ينبغي للصراع السعودي الداخلي بشأن القضية الفلسطينية أن يحجب حقيقة أن التقارب السعودي مع إسرائيل هو استكمال لعملية طويلة، ولم ينجم فقط عن بروز إيران كقوة مهيمنة في الخليج، ولكن في الواقع، بدأ التحول السعودي تجاه إسرائيل مباشرة بعد حرب عام 1967، عندما اعترفت ضمنيًا بإسرائيل داخل حدود عام 1967، وتلا ذلك طرح مبادرتي سلام في 1981، و2002”.

كما حفز ظهور إيران كتهديد عسكري ونووي في الخليج محاولة أخرى من قبل المملكة للبحث عن طرق لإسرائيل، ومع حرب لبنان الثانية 2006، بدأ التعاون من وراء الكواليس والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، “إيهود أولمرت”، برفقة رئيس الموساد “مئير داغان”، “بندر بن سلطان” في عام 2006، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي.

ويتمتع “بندر” بتاريخ طويل من الاجتماعات مع الإسرائيليين والقادة اليهود الأمريكيين خلال فترة عمله كسفير للسعودية في واشنطن.

وكان هذا بمثابة بداية تعاون إسرائيلي سعودي سري، والذي أدى إلى قيام “داغان” بزيارة سرية عام 2010 إلى المملكة العربية السعودية للاجتماع مع نظرائه.

ووفق الصحيفة، فإن “الصراع داخل البيت الملكي بشأن القضية الفلسطينية يعني أن قطار التطبيع الإسرائيلي لن يتوقف عند الرياض، فالسعوديون يريدون الانتظار ورؤية موقف إدارة جو بايدن فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني قبل المضي قدمًا في التطبيع، وهذا يعني أن الاتصالات الإسرائيلية السعودية ستظل في الغالب خلف أبواب مغلقة، حتى لقاء نتنياهو ومحمد بن سلمان كان من المفترض أن يبقى سرا، لكن إسرائيل سربته”.