يعد شهر رمضان المبارك، الذي بدأ في 13 أبريل/نيسان الجاري، وعطلة عيد الفطر التي تلي هذا الشهر، موسما يستعد له التجار والمستوردون والمواطنون طوال العام. في الظروف العادية، تقفز خلال هذا الشهر معدلات استهلاك الطعام، وتبلغ القروض المصرفية حدودها القصوى، وتصل نسب إشغال الفنادق ومواقع الترفيه إلى حدها الأقصى، وتكتظ المساجد بمئات الآلاف من المصلين.
في هذا العام، تستعد المملكة، حيث توجد أقدس المواقع الإسلامية، بخوف كبير لاستقبال المواسم الدينية المتتالية بداية من شهر رمضان مرورا بعيد الفطر ثم الحج. إذ تلوح في الأفق مخاوف من احتمال اندلاع موجة رابعة لفيروس “كورونا”.
ولمكافحة “كورونا”، قررت الحكومة السعودية فرض قيود صارمة على الحركة، وتقليل أعداد المصلين في المساجد، وحظر الدخول إلى الأماكن المقدسة من دون تصريح، وفرض غرامات على المخالفين تزيد على 2500 دولار.
وأقامت قوات الأمن، بالتعاون مع آلاف المتطوعين، حواجز على الطرق السريعة المؤدية إلى المواقع المقدسة؛ للتحقق من تصاريح الدخول، التي لا تُمنح إلا لمن حصل على جرعتي التطعيم ضد “كورونا”.
واستثمرت السعودية في السنوات الأخيرة مبالغ طائلة في تحسين شبكة الطرق، وتوسيع الشعائر المقدسة، ومراقبة الملايين من زوار المملكة، بما في ذلك تركيب الآلاف من الكاميرات الأمنية، ومرشات مائية لتخفيف درجة الحرارة، والعيادات الطبية المتنقلة لخدمة الحجاج.
ولا تعد الأماكن المقدسة فقط مصدر دخل مهم للمملكة؛ فهي أيضا عنصر أساسي في خطة التنويع الاقتصادي، التي يسعى ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” إليها كجزء من خطة “رؤية السعودية 2030″؛ بهدف تقليل اعتماد البلاد على عائدات النفط.
ويتضمن مشروع الرؤية بناء مدينة المستقبل “نيوم”، التي من المقرر أن تمتد عبر 3 دول هي السعودية ومصر والأردن.
كما ترمي إلى مضاعفة عدد سكان العاصمة السعودية الرياض، وتحويل المدينة إلى مركز تجاري دولي ينافس دبي، وربما يتفوق عليها باعتبارها أهم مركز تجاري في الشرق الأوسط. وتتضمن الخطة أيضا “سعودة” القوى العاملة في المملكة.
تشير التقديرات إلى أن السعوديين يخططون لاستثمار 7.2 تريليونات دولار في هذه المشاريع الضخمة بحلول عام 2030، لكن يكاد يكون من المستحيل تحديد مدى واقعية هذا الرقم، أو ما إذا كانت الخطة قابلة للتحقيق.
فقد خفضت المملكة هذا العام ميزانية الحكومة بنحو 7%؛ للحد من العجز في الميزانية، الذي يمثل 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن المملكة مدانة بمليارات الدولارات للشركات الأجنبية التي بنت شبكة مترو الرياض، وهي جزء من البنية التحتية الأساسية لجعل المدينة مركزا دوليا للتجارة.
وسيتطلب تمويل النفقات الجارية وتخصيص مبالغ كبيرة للتنمية من الحكومة الاستمرار في الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل في السنوات القليلة المقبلة، لكن السعر الحالي للنفط البالغ 64 دولارا للبرميل، أقل بمقدار 12 دولارا مما تحتاجه المملكة لمعادلة ميزانيتها.
ويرأس مجموعة “أوبك بلس” حاليا وزير النفط السعودي الأمير “عبدالعزيز بن سلمان”. وتضم المجموعة الدول الأعضاء في “منظمة البلدان المصدرة للبترول” (أوبك) بجانب الدول المنتجة للنفط من خارجها.
وداخل تلك المجموعة، لا يزال القرار متأرجحا بين رغبة عدد قليل من الأعضاء في رفع إنتاج النفط، وخيار التمسك بحصص الخفض الحالية للخام لزيادة الأسعار.
ومؤخرا، قالت المملكة إنها ستوافق على رفع إنتاج الخام بطريقة بطيئة وحذرة؛ ما يعني أنه بحلول يوليو/تموز المقبل، سترتفع حصص الإنتاج بمقدار تراكمي قدره 2.1 مليون برميل يوميا لأعضاء المجموعة.
وقد تؤدي إعادة فتح عدد من الاقتصادات الرائدة في العالم في أعقاب الركود الناجم عن فيروس “كورونا” إلى زيادة الطلب على النفط وأسعار النفط.
لكن إذا عادت القوى العالمية إلى الاتفاق النووي مع إيران، ورفعت العقوبات النفطية المفروضة على طهران، فإن سوق النفط سيتلقى ضخا مبدئيا من الخام قدره مليونا برميل يوميا. ومن المتوقع جراء ذلك أن تنخفض أسعار النفط؛ ما يدفع السعودية بعيدا عن تحقيق أهدافها.
ولتوليد إيرادات إضافية، قرر “بن سلمان” أن يطلب – أو بالأحرى أن يأمر – الشركات الكبرى في المملكة بتجميد صرف أرباح الأسهم، من أجل توفير أموال للمشاريع المدنية.
ووافق عدد قليل من الشركات الضخمة، بما في ذلك “أرامكو” السعودية ، على الطلب، لكن من الناحية العملية يعني هذا أن إيرادات الحكومة من الأرباح ستقل أيضا، كونها مساهما في الشركات. في حالة “أرامكو” ، ستفقد الحكومة حوالي 75 مليار دولار من العائدات.
لتعويض بعض الخسائر، قررت الحكومة بيع حصة الأقلية التي تمتلكها في مشروع خط أنابيب لـ”أرامكو” إلى كونسورتيوم أجنبي بقيادة شركة “إي آي جي جلوبال إنرجي بارتنرز ” الأمريكية. ستدر هذه الخطوة 12 مليار دولار. لكن على الرغم من حجم الصفقة، لكنها لا تزال أقل بكثير من توفير حجم الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه للمملكة.
في العام الماضي، حصلت السعودية على استثمارات أجنبية مباشرة بـ5.5 مليار دولار؛ أي أقل بكثير من رقم 500 مليار دولار التي يأمل فيه “بن سلمان” بنهاية العقد.
ولسد الفجوة الهائلة، قررت الحكومة وضع خطة استراتيجية لتشجيع الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك تشريع يمنح إعفاء ضريبيا لمدة 50 عاما للشركات الأجنبية التي تنقل مركز عملياتها إلى المملكة. إضافة إلى إعفاء هذه الشركات من قانون السعودة، ومنحها أفضلية في المزايدة على الأعمال الحكومية.
في الوقت نفسه، تحظر لائحة تم تبنيها الشهر الماضي على الوزارات أو الشركات الحكومية السعودية إبرام عقود مع الشركات الأجنبية التي لا يقع مركز عملياتها في الشرق الأوسط بالمملكة.
وبهذه الطريقة تأمل المملكة في إجبار الشركات الأجنبية على فتح مراكز أعمال في البلاد وجعل الرياض مركزا تجاريا دوليا.
يمكن لهذه السياسة أن تضر بشكل أساسي دبي، التي تعتبر حاليا المركز الرائد للأعمال الدولية في الشرق الأوسط، لكن تركيا ومصر قد تعانيان أيضا.
في الربع الأخير من عام 2020، ارتفع عدد تراخيص الأعمال السعودية الممنوحة للمستثمرين الأجانب بشكل حاد ، إلى 466، وهو الأعلى منذ عام 2005. لكن لا يزال من غير الواضح من الأرقام الرسمية من هم هؤلاء المستثمرون وكم من المتوقع أن يستثمروا.
يبدو أن المرحلة الثالثة من “رؤية السعودية 2030″، وهي سعودة القوى العاملة، مجرد طموح في الوقت الحالي.
إذ تحدد إجراءات السعودة حصصا صارمة لعدد الموظفين الأجانب الذين يجوز للشركات توظيفهم، إلى جانب حد أقصى لنسبة الموظفين السعوديين مقابل الأجانب.
كما قصرت الوظائف في المساحات التجارية المغلقة، مثل مراكز التسوق، على السعوديين فقط، وهذا يمكن أن يخلق من الناحية النظرية أكثر من 50 ألف فرصة عمل للمواطنين السعوديين.
لكن الإجراءات، التي تم فرضها منذ 2018 على 12 قطاعا صناعيا وخدميا، مليئة بالإعفاءات على أساس الحاجة أو الارتباطات الحكومية أو لأن العمال السعوديين غير مهتمين بتلك الوظائف أو غير قادرين على العمل فيها.
خذ على سبيل المثال، إعلان المملكة عزمها سعودة 20% من جميع وظائف الهندسة و 30% من جميع وظائف المحاسبة. ما لا يقوله الإعلان هو من أين سيتم توفير كل هذا العدد من المهندسين والمحاسبين ومديري المحاسبة السعوديين، في وقت لا تزال الأقسام المعنية بتلك التخصصات في الجامعات السعودية عاجزة عن تلبية الطلب.
إذ يفضل السعوديون دراسة المهن “الأسهل” التي توفر لهم درجة جامعية بسرعة وسهولة، ومن ثم تمكنهم من الحصول على وظائف حكومية لا تتطلب منهم العمل بجهد كبير.
لكن حتى لو حدثت معجزة وتم العثور على أعداد كافية من المهندسين والمحاسبين السعوديين، فإنهم -في أفضل الحالات- سيحلون محل بضع عشرات الآلاف من الأجانب في وقت يوجد فيه أكثر من 10.5 مليون موظف أجنبي، وفقط 3.1 مليون عامل سعودي.
في مشاريع مثل “رؤية السعودية 2030″، تبدو الحياة واعدة ومزدهرة على الورق، وفي مقاطع الفيديو الخاصة بالعلاقات العامة التي ينتجها السعوديون.