بقلم/ ناصر العربي

في أوج إعادة إصدار الأحكام التعسفية على مواطنين أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم مواطنين لبلد يحكمه طاغية  مزاجه القذر والمريض هو ذنبهم الوحيد. لا شيء آخر أكثر جناية وبؤس على المواطنين من وجود هذا الطاغية في ذات الزمان والمكان، إنه بحق البلاء العظيم، أن يكون قدرك أن تولد في وطن وتعيش في فترة يحكمها طاغية، ولله الأمر من قبل ومن بعد. ولهذا فكل المعتقلين أبرياء من أي جريمة بالمعنى الحقيقي للكلمة وليس المتخيل أو المفبرك من قبل أعوان الطاغية وأنصاره المجرمين. والسؤال الجوهري: هل الاعتقالات تشفي غرور الطاغية؟ هل الاعتقالات كافية إلى أن ترضي النرجسية التي تسكن هذا الطاغية؟  فالطاغية يحب أن يرى الناس مكسورين ومقموعين ومقهورين بأحكامه الظالمة. لكن هل هناك قدر معين من الظلم أو درجة محددة من التعسف عندها يتوقف الطاغية ويقول هذا المستوى الذي أردت أن أصل إليه وحينها سوف أتوقف، أو أن هناك شريحة معينة تمثل تهديداً له وعند اعتقالهم وضمان قمعهم حينها سوف أتوقف؟

يعلمنا التاريخ من التجارب المريرة التي واجهتها الشعوب المقهورة أن الطاغية يتلذذ في تشكيل وتنويع أشكال الظلم. فالمواطن العربي المعاصر في هذا الزمن لا يحتاج إلى معرفة عميقة لأفعال الطغاة مثل بشار الأسد، صدام حسين، القذافي، مبارك والسيسي في مصر، ومحمد بن سلمان في السعودية. لا نحتاج إلى شرح لتاريخ إجرامهم في حق شعوبهم وشعوبنا العربية. في حالتنا في الجزيرة العربية في عهد الطاغية محمد بن سلمان، الاعتقالات ماهي إلا مقبلات على مائدة متنوعه من القمع اللامتناهي. فهو بدأ بالاعتقالات التعسفية على طريقة عصابات المافيا وليس اعتقالات لدولة ذات مؤسسات. فالطريقة التي تتم بها الاعتقالات في أوساط الليالي وعبر أجهزة أمنية تخفي هويتها وبدون أوراق رسمية، هو شكل من أشكال الجريمة المنظمة التي تقوم بها الدول المارقة في حق شعوبها. ثم أصدر قضاته الظلمة أحكاماً بمدده تتراوح من ٥ إلى ١٥ سنة. ثم بدل هؤلاء القضاة بموظفين مدنيين من هيئة التحقيق والادعاء العام وجعلهم قضاة في شكل مهزلة ومسخرة لا تكاد توجد في أي دولة تحترم نفسها. فحتى القضاة الطغاة لم تسمح لهم بقايا ضمير من إصدار أحكام فوق جائرة في حق أبرياء. فهم على قدر ما اقترفوه من جرائم في حق الأبرياء إلى أنهم لا يستطيعون الإيغال في إرضاء الطاغية أكثر بإصدار أحكام إعدامات وسجن لمدة فلكية لأبرياء.

إعادة إصدار أحكام السجن بمدد مضاعفة للمواطنين الأبرياء والاعدامات هي عنوان المرحلة القادمة، فهذا شيء لا يحتاج إلى الكثير من النباهة والتنبؤ. ما مضى شيء والقادم أشياء، محمد بن سلمان يفتح صفحة سوداء في تاريخ الظلم والطغيان الذي لا مثيل له على الأقل في وطننا. وكل هذا تلبيه لرغبة الطاغية وإشفاء لنرجسيته اللامتناهية.

فنحن نعيش في عصر الظلم العربي، عصر تتلاشى فيه أبسط أمنيات العيش الكريم أمام نرجسية ورعونه والطغاة. فكل ما يشغل هؤلاء الطغاة عدة أمور، أولها تعزيز ثرواتهم المادية وتكثيرها. ثانيها قمع كل من لا يكون على مزاج الطاغية. فالجميع مدان بدون تهمه، فالجميع محكم عليه بالسجن النفسي والأسر وأكننا في حالة حرب والأهم كأننا مدانون أننا نعيش في ذات الزمان والمكان.

هناك عدة أمور تغير المعادلة، التي تسمح لنا كمواطنين في حفظ حق الحياة وفي حفظ أرواح وأعمار المواطنين في السجون. الذين تم اعتقالهم كما ذكرت بدون أي تهمه إلا أنهم ليسوا على مزاج الطاغية.   المعادلة هي في غاية البساطة وهي تكثيف النشاط وتسليط الضوء على قضايا المعتقلين. وجعل قضية المعتقلين قضية رأي عام. وهي باختصار أن نتحدث ليل نهار وصباح مساء كل يوم عن جور الحاكم وظلمة مع الكل مع البشر والحيطان، والأشجار، والوديان والصحاري. يجب أن ينتقل هذا الحديث والرأي من همسات المجالس الصامتة إلى المجال العام، وتوجيه سؤال لبعضنا البعض وللطاغية بأي حق يتم سجن كل هؤلاء الناس؟ من يظن الطاغية نفسه حتى يفعل ما يحلو له في حق حياتنا؟ هو حر في ذاته يفعل بنفسه ما يريد، لكن حياة المواطنين ليست لعبة وليست بالأمر الهين؟ بأي حق تترمل النساء، ويتيتم الأطفال وأهلهم أحياء محكمون بالسجن لعقود ثلاثة وأربعة وخمسة؟

لهذا لكي تتوقف الاعتقالات والقمع يجب أن نجهر بالحق في وجه كل أحد وأن يكثف المجتمع الحديث والتفاعل بكل ما يمكن أن يكون لأجل تسليط الضوء على محنه وأزمة الاعتقالات. فنحن نتحدث عن أبسط حقوق الحياة أن يعيش الانسان خارج السجن الذي لم ينشأ إلا للمجرمين والقتلة فقط. لدى الطاغية معادلة بسيطة فحوها حديث الطاغية مع نفسه: لقد اعتقلت الجميع، ولم يتحدث أحد، ولقد ضاعفت المدة ولن يتحدث أحدث، وربما غداً سوف أبدع في تنويع أشكال الظلم، فسوف أجرب عقوبة القمع على فلان وفلان. فأنا قد قتلت مواطناً في القنصلية ولم يحدث شيء ذو بال.

هكذا هو حديث الطاغية مع نفسه. يتوقف الطاغية فقط في حالة أرهبه الناس بالحديث عن حقوقهم وعن جرائمه، فهو أجبن من أن يواجه المجتمع، وهو أحقر وأجبن من يجرأ على إثبات دليل واحد على أي مواطن. هو مدان ومجرم ويده ملطخة بالدم والتعذيب وسرقة المال العام والافساد في الأرض. كل المواطنين أبرياء، كل المعتقلين أبرياء. فرج الله عنهم وعنا.