كانت الأشهر الستة الماضية صعبة على العلاقات الروسية السعودية، فقد أثار خطاب الرياض المتسم بالمواجهة خلال حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية في مارس/آذار، وما تلاه من انسحاب لصندوق الاستثمارات العامة السعودي من أكبر استثمار في صناعة الطاقة في روسيا، تساؤلات في موسكو بشأن طبيعة علاقات الكرملين مع السعودية.
وجاء هذا التوتر السعودي الروسي بعد تقارب ملحوظ حيث جرى الاتفاق على خفض إنتاج النفط بين “أوبك” بقيادة الرياض والدول غير الأعضاء في “أوبك” بقيادة موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وبعد ذلك بعام كانت أول زيارة على الإطلاق لملك سعودي إلى روسيا تضمنت خطط استثمار مشتركة ضخمة، خاصة في قطاع الطاقة.
واستثمرت السعودية في نهاية المطاف 2.5 مليار دولار في الاقتصاد الروسي، ومع ذلك، كان هذا الرقم أقل بكثير من الـ10 مليارات دولار الموعودة.
ومما أثار استياء الكرملين؛ أن الصفقات السعودية تجنبت في الغالب مشروعات الطاقة. وبما أن روسيا كانت محرومة من فرص التمويل طويلة الأجل بسبب العقوبات الغربية على ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، فقد كانت تأمل في جذب الاستثمارات السعودية في مشاريع النفط والغاز الكبيرة، حتى إن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تولى زمام الأمور بنفسه عندما اقترح على وزير الطاقة السعودي آنذاك “خالد الفالح” استثمارًا في مشروع شركة “نوفوتيك”؛ “Arctic LNG 2”.
ومع ذلك، ابتعد السعوديون عن مشاريع الطاقة الروسية، مما تسبب في خيبة أمل كبيرة لدى موسكو.
ثم جاءت جائحة “كورونا”، التي تسببت في أكبر تدمير مفاجئ للطلب في تاريخ صناعة النفط، وأدى انخفاض الطلب إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية بشكل تاريخي، كما أدى إلى اختبار الشراكة الناشئة بين أكبر مصدرين للنفط في العالم.
فقد أدى الخلاف حول كيفية الاستجابة للأزمة في أوائل مارس/آذار إلى انفصال مؤقت بين الرياض وموسكو، لا يمكن إصلاحه إلا بوساطة واشنطن.
هل يمكن إنقاذ العلاقة؟
أعاد الطرفان في النهاية تنشيط اتفاق “أوبك+”، لكن العلاقة كانت قد عانت بالفعل من أضرار كبيرة، فقد أعلن صندوق الاستثمارات العامة في السعودية عن انسحابه من أكبر استثمار في مجال الطاقة في روسيا، والذي كان عبارة عن استحواذ على 30% من شركة “نوفوميت”، كبرى شركات تصنيع معدات النفط والغاز في روسيا.
وبرر صندوق الثروة السيادي السعودي قراره إنهاء مفاوضات العقد بالإشارة إلى حالة عدم اليقين في الأسواق.
كان هناك مؤشر آخر على التوترات الروسية السعودية عندما أغضبت الرياض موسكو من خلال حرصها على توريد النفط إلى بيلاروسيا، التي كانت في ذلك الوقت منخرطة في مفاوضات توريد النفط مع موردها التقليدي، روسيا.
سلمت السعودية شحنة النفط الأولى من نوعها إلى بيلاروسيا في أبريل/نيسان، لتنضم إلى الإمدادات غير الروسية إلى بيلاروسيا والتي تعزز موقف مينسك التفاوضي وتقوض ذلك الخاص بموسكو.
ومع ذلك، لا يزال اتفاق “أوبك+” فعالًا ويشكل حجر الزاوية في العلاقة بين موسكو والرياض.
اتفاق مهدد
وتعتبر الشراكة ضمن “أوبك+” ذات صفات خاصة؛ فأولاً، ظلت اتفاقيات خفض الإنتاج في إطار اتفاق “أوبك+” ترتيبات قصيرة الأجل حيث فشلت جهود الرياض لإضفاء الطابع المؤسسي على الصفقة.
وعلاوة على ذلك؛ فمن المتوقع أن تزداد معارضة “أوبك+” حيث تحتاج الشركات الروسية إلى زيادة إنتاجها في ضوء النظام الضريبي المشدد في البلاد، فقد صادق البرلمان الروسي هذا الشهر على تغييرات قانون الضرائب، والتي تُلزم الشركات الآن بدفع ضرائب المعادن حتى لو انخفض سعر النفط عن 15 دولارًا للبرميل.
كما أنه من المرجح أن تزيد المملكة من إنتاجها لتقليل عجز الموازنة، والذي من المتوقع أن يعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
ثانيًا؛ يتعين على روسيا والسعودية التنافس على حصة السوق في أسواق مهمة مثل الصين وأوروبا، وقد تسببت سياسات الأسعار، التي تنتهجها السعودية بهدف تقويض الإمدادات الروسية إلى أوروبا، في انزعاج موسكو.
وفي المقابل، تسببت سياسة حصص السوق العدائية لروسيا في الصين في نفس التأثير لدى الرياض.
وكان هناك حذر أمريكي من تحسن العلاقات ببطء بين الكرملين والمملكة، وبما أن الرياض اعتبرت دعم إدارة “أوباما” لخطة العمل الشاملة المشتركة – المعروفة أيضًا باسم الاتفاق النووي الإيراني – بمثابة تنازل لطهران وخيانة لمصالحها، فقد كان هذا أحد العوامل التي دفعت المملكة نحو علاقة أوثق مع روسيا.
كما لعب الانسحاب اللاحق لإدارة “ترامب” من خطة العمل الشاملة المشتركة، ودعمها المستمر للقيادة السعودية طوال الأزمات الدبلوماسية الأخيرة للمملكة، دورًا مهمًا في تخفيف مخاوف الأخيرة من طبيعة الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، وبالتالي خفف ذلك من دوافعها للتوجه نحو موسكو.
وفي الوقت نفسه، تعتبر إدارة “ترامب” أن الشراكة الوثيقة بين واشنطن والرياض ضرورية لتحقيق التوازن في سوق النفط.
وأدت الرغبة في الحصول على نفوذ للسيطرة على سوق النفط إلى جعل موسكو والرياض تتخذان مواقف مشتركة. وحتى مارس/آذار، تمكن البلدان من فصل خلافاتهما والتركيز على الشراكة، على أمل تعزيزها بما يتجاوز صيغة “أوبك+”.
لكن، لم يتوقف الأمر عند فشل البلدين في توسيع شراكتهما إلى ما يتجاوز اتفاق “أوبك+”، حيث تعرضت الاتفاقية نفسها لاختبار جدي بسبب التأثير المدمر للوباء.
وقد يتسبب عدم اليقين حول “كوفيد-19” في تناقضات كبيرة في كيفية إدراك روسيا والسعودية لوضع السوق والتنافس على حصة السوق في كل من أوروبا وآسيا، على غرار ما رأيناه في مارس/آذار.