أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أن الاتحاد الأوروبي يتابع عن كثب أوضاع حقوق الإنسان في السعودية.

وجاء حديث المسؤولة الأوروبية في مؤتمر صحفي عقدته المفوضية الأوروبية قبيل انعقاد قمة افتراضية لمجموعة العشرين التي تستضيفها السعودية، يومي السبت والأحد.

وأضافت دير لاين: “نتابع أيضا أوضاع الأشخاص الذين يدافعون عن الحقوق الأساسية، بما في ذلك حقوق المرأة والحقوق الفردية، إن هذا موضوع مستمر وخطير للغاية”.

إلا أنها شددت مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل، خلال المؤتمر الصحفي، على أن “القمة ليست حدثا ثنائيا، وإنما هي قمة متعددة الأطراف”.

وتابعت: “أود أيضا أن أؤكد أنه من المهم أن نفصل بين الجوانب المتعددة الأطراف والثنائية، وهذا المنتدى متعدد الأطراف ولديه أجندة صارمة للغاية وبروتوكول واضح جدا وليس قمة ثنائية”.

وبموازاة ذلك، طالب أهالي بعض المعتقلين في السجون السعودية قادة دول قمة العشرين بعدم المشاركة في قمة الرياض، أو على الأقل الضغط على المملكة للإفراج عن ذويهم.

وخاطبت أريج السدحان، شقيقة المعتقل السعودي عبد الرحمن السدحان، قادة قمة مجموعة العشرين، التي ستنعقد خلال اليومين المقبلين بمدينة الرياض السعودية، داعية إياهم إلى ضرورة المُطالبة بالإفراج عن شقيقها عبد الرحمن، وجميع معتقلي الرأي بالمملكة، وتحسين ملف حقوق الإنسان، الذي أكدت أنه أصبح متدهورا للغاية، ويزداد سوءا يوما بعد الآخر.

 

المصالح تطغى على الحقوق

وفي ظل مطالبات منظمات حقوق الإنسان من الدول المشاركة في قمة الرياض بالضغط على المملكة، يثار تساؤل حول مدى استجابتها لهذه الدعوات، وهل يمكن أن تضحي بمصالحها الاقتصادية مع الرياض لأجل حسم هذا الملف والإفراج عن المعتقلين؟

يرى الباحث والمحلل السياسي صلاح القادري بأن “حقوق الإنسان أكبر تحد تعيشه المملكة السعودية ونظام محمد بن سلمان” في استضافة قمة العشرين، وهذا التحدي يعود إلى ثلاث إشكاليات، أولا قضية تورط ولي العهد في مقتل جمال خاشقجي، وثانيا الانتهاكات الحقوقية غير القانونية داخليا، وثالثا النتائج الكارثية للحرب على اليمن.

وعبر عن اعتقاده بأن “قمة العشرين ليست المكان الأفضل للضغط على السعودية في ملف حقوق الإنسان، فلا توجد رغبة لدى أنظمة الدول الكبرى التي تملك القدرة على الضغط على الرياض في فعل ذلك، لأنها لا تريد خلق نوع من التوتر مع المملكة”، وفق قوله.

وأوضح “القادري” بأن “الضغط على السعودية من طرف دول قمة العشرين سيسبب أزمة دبلوماسية، خاصة أن محمد بن سلمان يريد الاستفادة من هذه القمة لتبييض صورته أمام العالم”.

وأضاف: “أيضا الدولة التي تستطيع الضغط بقوة هي أمريكا، التي يمثلها في القمة بومبيو وهو مدافع شرس عن ترامب الذي لا يعير هذا الأمر أي اهتمام”.

وأكد أن “قمة العشرين لن تكون للضغط على السعودية، فهي في الأساس اقتصادية وجوهرها الاقتصاد وليس القضايا الحقوقية والاجتماعية”، مضيفا: “من ثم لا تريد هذه الدول التفريط بمصالحها الاقتصادية، ولا يوجد دولة ستشارك في القمة يمكن أن تضحي بمصالحها من أجل الإفراج عن عشرات من المعتقلين”.

لكنه توقع بأن “يقوم ولي العهد السعودي باستباق تسلم جو بايدن لمنصبه بالإفراج عن بعض الشخصيات المحدودة، من أجل استباق أي تغيير ممكن في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه ملف حقوق الإنسان في السعودية”.

 

تهديدات دون تنفيذ

من جانبه، عبر المختص في العلاقات الدولية علي باكير عن اعتقاده بأن “ملف حقوق الإنسان والمعتقلين في السعودية ليس له أولوية في أجندة قادة دول قمة العشرين”.

واستدل في توقعه هذا على أن “هناك تقارير سابقة تحدثت عن وجود تهديدات بمقاطعة القمة، ولكن وفقا لما نقلته تقارير إخبارية حديثة ستحضر جميع الدول، وهذا مؤشر على عدم وجود موقف حقيقي وصارم فيما يخص هذا الملف”.

وتابع “باكير”: “قد تصدر بعض التصريحات هنا وهناك، ولكن الضغط هو المطلوب وليس التصريحات الرسمية التي قد يكون هدفها احتواء مطالبات المنظمات الحقوقية الدولية ومنظمات المجتمع المدني بالضغط على السعودية”.

واتفق مع رأي القادري بأن اهتمام هذه الدول بمصالحها الاقتصادية يطغى على اهتمامها بملف حقوق الإنسان في السعودية، وقال: “بالتأكيد بعض الدول ستفضل مصالحها الاقتصادية وحساباتها المالية مع السعودية على قضية المعتقلين، وربما على رأس هذه الدول فرنسا، حيث كان هناك مؤخرا تماهٍ بين البلدين في المواقف المعادية للقضايا الإسلامية، وأيضا في دعم الديكتاتوريات والانقلابات التي تجري في المنطقة”.

وأوضح بأنه “على الرغم من تعويل البعض على واشنطن للقيام بالضغط في هذا الملف، إلا أني لا أرى تغييرا في المشهد على المدى القريب، خاصة أن جو بايدن لم يستلم منصبه بعد، ولكن ربما ستلجأ السعودية لبعض الإجراءات الشكلية لاستباق أي ضغط محتمل”.

 

موقف السعودية من الضغوط

ويبرز تساؤل حول رد فعل المملكة العربية السعودية في حال استجابت دول قمة العشرين للمطالبات، وضغطت على الرياض في ملف حقوق الإنسان.

وإجابة عن ذلك، عبرت الناشطة السياسية والحقوقية السعودية، علياء أبو تايه الحويطي، عن قناعتها بأن هذه الدول لن تمارس ضغوطا عملية، وإنما ستكتفي بخطابات الاستنكار والإدانة، فهذه الدول وفق الناشطة تهتم بمصالحها الاقتصادية أكثر.

وأضافت: “يجب ألا ننسى بأن هذه الدول هي من تصدر السلاح للسعودية، الذي تستخدمه في حرب اليمن وغيرها من الانتهاكات”.

وأكدت “أبو تايه”، أن حملتها القانونية والمعنيين بحقوق الإنسان في بريطانيا طالبوا دومينيك راب وزير الخارجية البريطاني بعدم حضور القمة، ودعوة الدول الأخرى لعدم المشاركة أيضا والضغط على السعودية، مشيرة إلى وجود ضغوط عديدة على المملكة”.

وأردفت: “أنا لدي أمل بأنه بعد فوز جو بايدن قد يحدث بعض الانفراج في الملف، نعم قد لا يتم الإفراج عن المعتقلين الآن، ولكن قد يكون هناك انفراجة نوعا ما؛ مثل السماح للمعتقلين بالتحدث مع أهاليهم، ولكن الإفراج النهائي لا أتوقع أن يتم ذلك، فالنظام السعودي لا يملك الحكمة ليفعل هذا، وقد يتم التركيز في هذه التسهيلات فقط على المعتقلات والحقوقيين، بينما الدعاة لا أتوقع الضغط الخارجي فيما يخص قضيتهم”.

من جهته، أكد الكاتب والناشط السياسي جيري ماهر أن “السعودية لن تسمح لأي دولة بأن تضغط في هذا الملف”، مضيفا: “أعتقد أن الملك سلمان وضع نقاط واضحة وصريحة أمام الدول، والجميع يعلم جيدا ما الدور الذي تقوم به السعودية والتغيرات التي قامت بها في السنوات الأخيرة، وهذا يؤكد بأنها تتطلع إلى مستقبل إيجابي لشعبها ودول المنطقة وجميع العالم، وكما هي لا تتدخل بشؤون الدول لا تقبل التدخل بشؤونها”.

وتابع: “أما فيما يخص مطالبة عائلات المعتقلين وغيرهم بالإفراج عن ذويهم، لا بد من معرفة أن المملكة العربية السعودية دولة لها سيادتها وفيها قانون وقضاء، وهو الذي يتخذ القرارات الحقيقية والمناسبة في هذه الأمور، وليس نتيجة لضغوط من قبل دول العشرين أو غيرهم”.

وأوضح بأن “السعودية تحترم حقوق مواطنيها وتعرف جيدا لماذا صدرت الأحكام على بعض المعتقلين”، مضيفا: “من المعلوم أن هناك قضايا تخابر مع دول معادية للمملكة وأعمال مخلة بأمنها أدت إلى اعتقال البعض، من ثم لا نستطيع اليوم تحميل السعودية المسؤولية عن أي شخص اعتقلته وكأنها تنتهك حقوق الإنسان”.

وخلص بالقول: “إذا أردنا المضي في اتهام السعودية بخرق حقوق الإنسان على الأقل، يجب أن يكون هناك عشرات الآلاف المعتقلين في سجونها، ولكن حينما يكون هناك بضع أشخاص لديهم ملفات فساد أو تخابر مع دول معادية، هنا لا أعتقد أنه سيكون هناك ضغط من أي دولة أو أي جهة”.