سلط تقرير لمجلة “بولتيكو” الأمريكية الضوء على تطور علاقات السعودية مع الصين وتأثير ذلك على طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط الرياض بواشنطن، ومدى نجاح زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للبلاد في إعادتها لسابق عهدها.
وقالت الصحيفة، إن الصين تقف في طريق تواصل “بايدن” مع السعودية، مشيرة إلى أن العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والسعودية منحت بكين مكاسب دبلوماسية مفاجئة.
وأضافت أن “بايدن”، الذي وصل الجمعة إلى السعودية، سيحاول إصلاح العلاقة المتوترة التي تهدد بخلق حالة من الفراغ في المنطقة، يمكن أن تملأه الصين.
وتشير إلى أن “بايدن” لا يخفي مخاوفه بشأن التهديد الذي تشكله الصين؛ حيث كان قد أكد في مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي أن تحسين العلاقات الأمريكية السعودية ضروري؛ لتكون الولايات المتحدة “في أفضل وضع ممكن للتغلب على الصين”.
وتوترت العلاقات الأمريكية السعودية منذ مجيء “بايدن” للسلطة، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية دولة منبوذة على خلفية مقتل “جمال خاشقجي” كما اتهمها بقتل أطفال اليمن.
هذه التعليقات، إلى جانب تحرك إدارة “بايدن” لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، أزعجت السعودية وحاكمها الفعلي ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” وفقا للصحيفة.
كما أثيرت الشكوك في الرياض بشأن موثوقية الولايات المتحدة؛ مما عزز جهود الصين لوضع نفسها كبديل صاعد للقوة العظمى.
وتنقل الصحيفة عن سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية “روبرت جوردان” قوله إن “دور الولايات المتحدة في السعودية كان مفقودا إلى حد ما مؤخرا”.
وأضاف أن “وصفها بأنها دولة منبوذة، والحديث عن تركيز واشنطن على آسيا، أرسل رسائل أنها تريد الابتعاد عن الشرق الأوسط”.
ورأى “جوردان” أن هذه المعطيات “جعل السعوديين يتجهون إلى الصين، التي تعتبر أكبر شريك تجاري لهم وهي دولة ذات تأثير كبير، كما أن للصين فائدة إضافية تتمثل في عدم إلقاءها محاضرات عليهم تتعلق بحقوق الإنسان”.
وأبرمت الصين والسعودية “شراكة استراتيجية” في عام 2016 مرتبطة بـ”تعاون مستقر طويل الأجل في مجال الطاقة”.
وبلغت قيمة التعاملات التجارية الثنائية بين البلدين 65.2 مليار دولار في عام 2020، مقارنة بنحو 19.7 مليار دولار مع الولايات المتحدة خلال الفترة ذاتها.
وتقدمت العلاقات بين البلدين خطوة إضافية في مارس/آذار الماضي من خلال إعلان الرياض نيتها التخلي عن المعاملات بالدولار الأمريكي لبعض مبيعات النفط تلك وتحويلها إلى عملة الصين.
وأغرت بكين الرياض في عام 2021 لتصبح “شريكا في الحوار” في “منظمة شنغهاي للتعاون”، وهي مجموعة أمنية وتنموية إقليمية أطلقتها الصين، وتضم كازاخستان والهند وروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان.
كذلك، عمل الصينيون من أجل الوصول والنفوذ ليس فقط في السعودية، ولكن في الخليج ككل.
ويقول مدير معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة “رايس”، “ديفيد ساترفيلد”، إن “الصينيين يستطلعون الوضع في بلد معين ويرون المواضع التي قد تكون مفيدة لهم أو يمكنهم الوصول إليها ومن ثم يتحركون”.
وتشير الصحيفة إلى أن الصين تلعب أيضا دورا طويل الأمد كمورد للمعدات العسكرية والتكنولوجيا للسعودية من خلال توفير معدات ترفض الولايات المتحدة بيعها للرياض؛ بسبب مخاوف من إثارة سباق تسلح إقليمي.
وبدأت تلك العلاقة ببيع صواريخ أرض-أرض متوسطة المدى في عام 1988 بلغت ذروتها في ديسمبر/كانون الأول مع كشف وكالة المخابرات الأمريكية عن قيام الصين ببيع معدات وتكنولوجيا تسمح للرياض بتصنيع صواريخها الباليستية.
مع ذلك، ترى الصحيفة أنه على الرغم من الاختراقات الدبلوماسية لبكين، إلا أن علاقتها مع الرياض ربما تتأثر نتيجة علاقات الصين مع عدو السعودية الأول، إيران.
وتوفر مشتريات بكين من النفط الإيراني لنظام طهران الذي يعاني من العقوبات شريان حياة اقتصادي مهم.
وكذلك وقعت الصين وإيران اتفاقية تعاون استراتيجي مدتها 25 عاما تهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية والتعاون.
وترى الصحيفة أن هذه التطورات في العلاقة بين طهران وبكين تثير الكثير من الشكوك في الرياض، التي تعتبر إيران التهديد الوجودي الأول لها.
وتختتم الصحيفة بالقول إن زيارة “بايدن” للسعودية قد تنجح في تخفيف بعض التوتر في العلاقات الثنائية مع السعودية، لكن من غير المرجح أن تغير استعداد الرياض للاستفادة من علاقاتها العميقة مع الصين للضغط على الولايات المتحدة لجعل تحالفها مع السعودية استثنائيا.
والتقى “بايدن” ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” لدى وصوله إلى جدة الجمعة، في بداية زيارة محورية لمناقشة قضايا الطاقة والسياسة والعلاقات بين الخليج وواشنطن، تشكل تراجعا عن تعهده خلال حملته الانتخابية بتحويل المملكة الى دولة “منبوذة”.
وأظهرت لقطات مصورة بثتها وسائل إعلام رسمية “ابن سلمان”، مرحبا بـ”بايدن” عند أحد مداخل القصر الملكي في المدينة الساحلية غرب البلاد، قبل أن يطرق كل منهما قبضته بقبضة الآخر، ويسيران جنبا إلى حنبا وهما يبتسمان.
وتريد واشنطن أن تقنع أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم بأن تفتح الباب لزيادة إنتاج النفط لخفض أسعار المحروقات المرتفعة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي يهدد فرص الديموقراطيين في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.