ألمح الكاتب الصحفي البريطاني، “روبرت فيسك”، إلى إمكانية وقوف الاستخبارات الأمريكية “CIA” خلف محاولة الانقلاب المزعومة التي تحدثت تقارير عن وقوعها في السعودية، مؤخرا، وقيل إنها السبب وراء حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” ضد أمراء بارزين بالعائلة المالكة، معتبرا أنه في حال صحت تلك التقارير، فإن الأمر لا يعد غريبا في المملكة.
وقال “فيسك”، في مقال بصحيفة “إندبندنت”، ترجمه “الخليج الجديد”، إن أنباء محاولات الانقلاب ليست غريبة في السعودية، والتي لم تكن أبدا واحة أمان، كما يقول حكامها، بل على العكس كانت بلد انقلابات وانقلابات مضادة.
ويضيف أنه “لا جديد في أخبار التطهير ومزاعم التعذيب واتهامات الخيانة والاشتباه في القتل والحرب المجنونة في اليمن، والخطة المدمرة لإصلاح السعودية، التي تلقى دعما من الولايات المتحدة والغرب والصحافة المتملقة”.
وأشار “فيسك” إلى أن العائلة الحاكمة لم تنكر أنباء الاعتقالات الأخيرة، التي نفذها “بن سلمان” وطالت عمه “أحمد بن عبدالعزيز”، وابن عمه “محمد بن نايف بن عبدالعزيز”، وآخرين، منهم وزير الداخلية الحالي “عبدالعزيز بن سعود بن نايف”، والذي اعتقل لساعات، قبل أن يفرج عنه.
وأوضح أن وكالة “رويترز” نقلت عن مصدر مطلع قوله إن ولي العهد السعودي اتهم المحتجزين بإقامة علاقات مع قوى أجنبية، بينهم الأمريكيون وغيرهم للقيام بانقلاب.
وتساءل “فيسك”: “من هم الأمريكيون الذين تعاون معهم الانقلابيون، هذا إن كانت التقارير صحيحة، بالتأكيد ليس دونالد ترامب، ولا فيلسوف صفقة السلام الفلسطينية الإسرائيلية جاريد كوشنر، فترامب يتعامل مع بن سلمان كأحد أهم مشتري السلاح الأمريكي، رغم أن مشترياته لا تتناسب مع الوعود التي يطلقها لواشنطن”.
وأكد “فيسك” أن “المخابرات الأمريكية لديها موقف مختلف من الأمير، وبدت عدم ثقتها، بل كراهيتها، للأمير عندما أعلنت أنه هو الذي أعطى الأوامر لقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي قطعت جثته قبل 17 شهرا في القنصلية السعودية في إسطنبول، وأنكر بن سلمان أي مسؤولية عن ذلك، فيما أظهر ترامب غضبا من (سي آي إيه) التي استفزته تقاريرها التي كانت توضع على مكتبه”.
ونوه الكاتب إلى أن “العملاء الأمريكيين والبريطانيين طالبوا -كما قيل- بضمانات من محمد بن سلمان، لسلامة عودة الأمير أحمد، ومنها عدم اعتقاله عند عودته في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد فترة من المنفى الاختياري في لندن، حيث أخبر محتجين ضد الحرب في اليمن أن المسؤولية يجب ألا تقع على كاهل عائلة آل سعود كلها، قائلا: “ما علاقة آل سعود بهذا كله؟” و”هناك أفراد متورطون ولا تدخلوا الكل.. اسألوا الملك وولي عهده..”.
وقال “فيسك” إن الأمير “نايف”، نجل الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، الذي لا يزال معتقلا، ويتعرض للتحقيق، هو من الضباط السعوديين الذين يحظون باحترام لدى “CIA” والبنتاجون لخبرته في مجال مكافحة الإرهاب.
واعتبر “فيسك” أن الاعتقالات الأخيرة لا تدع مجالا للشك بأنها مثل اعتقالات 2017 لـ500 من الأمراء السعوديين في فندق “ريتز كارلتون” ضمن ما أسماه ولي العهد “حملة مكافحة الفساد”، وهي ليست إلا مقدمة لما سيأتي.
وأضاف أن الاعتقالات الأخيرة موجهة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية التي باتت تخشى من قوة “بن سلمان” وتهوره، وعدم قدرتها على التكهن بتحركاته، وأيضا حنقها عليه بسبب التأثير الذي يمارسه في البيت الأبيض.
وأشار “فيسك” إلى نقطة أخرى، قائلا إن “الحرب الاقتصادية التي يشنها محمد بن سلمان ضد روسيا، وقراره ضرب أسعار النفط، يشيران إلى أن أجهزة الأمن التابعة لفلاديمير بوتين، التي تعد أذكي بكثير من مخابرات الشرق الأوسط أو المخابرات الأنجلو أمريكية، ليست مهتمة بحماية ولي العهد السعودي من الانقلابات”.
وقال إن أجداد “محمد بن سلمان” حرصوا على إقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي السابق عام 1926، وكانت روسيا الشيوعية هي أول دولة تعترف بالسعودية.
وأضاف: “يتصرف حكام البلاط الملكي في الرياض مثل الحكام البلاشفة الأولين في موسكو؛ دم قليل وشك كبير تجاه من يعتقد أنهم من الموالين لهم من الأمراء، ويبدو أنهم غير واعين لمخاطر تصفية الحسابات مع الأمراء مثلهم، واستفزاز بوتين، وقتل اليمنيين واغتيال خاشقجي، وإزعاج (سي آي إيه) في وقت واحد”.
ولفت “فيسك” إلى أن “الملك السعودي الأول، “عبدالعزيز بن سعود”، عانى من المنافسين له الذين هددوا حكمه، وربما فكر “محمد بن سلمان” بمصير الملك “فيصل” الذي كان شخصية إصلاحية حقيقية، والذي انخرط في اليمن بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 1962، ودعم الملكيين ضد الجمهوريين الذين أرسل الرئيس المصري الأسبق “جمال عبدالناصر” إليهم 700 ألف جندي مصري للدفاع عنهم.
وينوه الكاتب إلى أنه “في داخل المملكة أقام الملك فيصل دولة رفاه إلى جانب وزارة العدل، وفي عام 1969 شك أن مجموعة من ضباط سلاح الجو الموالين لمصر يخططون لانقلاب عسكري يهدف لتحويل المملكة إلى جمهورية عربية، واعتقل الملك مئات الجنرالات والضباط البارزين، وفي ذلك الوقت حصل الملك على معلومات من المخابرات الأمريكية حول الانقلاب، ولهذا قام بحملة التطهير، لكنه حاول المصالحة بين القبائل العربية والشيعة في المنطقة الشرقية، ودفع بتعليم المرأة، ورفض سلطة رجال الدين، وكان إدخاله التلفاز وتأثيرات (الكفار) سببا لاحتجاجات عنيفة أدت إلى مقتل الأمير خالد بن مساعد”.
وذكر “فيسك” بأن “شقيق خالد قتل الملك بعد 10 أعوام، وهو الذي تعلم في الولايات المتحدة.
وقد زعم صحفيون عرب في بيروت، لاحقا، أن قاتل الملك “فيصل” كان يعمل لصالح (CIA)، واستطاع “فيصل بن مساعد” دخول البلاط الملكي عام 1975 مع وفد وزاري كويتي، وقتل عمه بعدما أطلق عليه النار 3 مرات، ووصف القاتل لاحقا بـ(المجنون)، وقيل إنه تصرف بدافع الانتقام وأعدم لاحقا، ونقل وهو يمشي مترنحا نحو السياف الذي قطع رأسه بسيفه الذهبي أمام عشرين ألفا من المتفرجين.
وقال الكاتب: “يعرف محمد بن سلمان تاريخ بلده بشكل جيد، وحتى لو لم يتعلم كيف سيحكم المملكة فإنه سيرث الحكم من والده البالغ من العمر 84 عاما، وبالنسبة لأعدائه فهو خطير وطموح ويتبع عواطفه بدلا من مستشاريه، لكنه كما تقول الكليشيه ابن زمنه”.