ربط الكاتب البريطاني المعروف “ديفيد هيرست”، علاقة الإدارة الجديدة للبيت الأبيض بقيادة “جو بايدن”، مع السعودية، في شخص الصحفي السعودي المغدور “جمال خاشقجي”، معتبرا أن محاسبة المملكة على ارتكاب هذا الجرم هو الاختبار الحقيقي للرئيس الأمريكي الجديد.
وفي مقاله بموقع “ميدل إيست أي” البريطاني، قال إنه يمكن اختصار معضلة “بايدن” مع السعودية في كلمتين، هما: “جمال خاشقجي”.
واغتيل “خاشقجي”، الذي كان يحمل الإقامة في الولايات المتحدة، في 2018، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، قبل أن تختفي جثته، في واقعة أثارت غضبا عالميا على السعودية.
وأكدت الرياض أن “خاشقجي” قتل خلال عملية غير مصرح لها، لكن مسؤولين في أنقرة وواشنطن يرون أن الاغتيال ما كان لينفذ بدون موافقة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”.
وقال “هيرست”: “إذا كان بايدن بحاجة إلى ما يذكره بمسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن جريمة قتل الصحفي جمال، فليس هناك أفضل من أن يشاهد الفيلم الوثائقي (المنشق)، الذي أعد مادته البحثية بعناية فائقة برايان فوغيل”.
ويشتمل الفيلم على معلومتين اثنتين مفصلتين، أما الأولى، فهي أن جثة “خاشقجي” تم جرها إلى داخل قاعة الاجتماعات في القنصلية السعودية حيث قطعت أوصالها، وتم تصوير العملية، أو الأدهى من ذلك، تم بث العملية بشكل مباشر”.
وأما المعلومة الثانية، فتتعلق بسطر ورد ضمن النص الذي تم تفريغه من الشريط الذي سجلته المخابرات التركية، وهو السطر الذي يرد فيه توجيه الفريق إلى وضع أجزاء من الجثة المقطعة في حقيبتين وتركهما جانبا، بينما يتم التخلص من بقية الأجزاء إما بإذابتها في حوض من الحامض داخل بئر يوجد تحت مرفأ السيارات التابع لمقر إقامة السفير المجاور للقنصلية، أو بحرقها داخل حفرة “زرب” (شواء).
وكان “خاشقجي” شخصية أكبر بكثير في تاريخ المملكة العربية السعودية مما يدرك رفاقه المنفيون، لم يكن فقط واحدا منهم، رغم أن كل واحد منهم يسرد حكايات مشابهة لمحاولات إغرائهم، أو ترهيبهم وردعهم بوعود من الثراء، أو تهديدات لهم ولعائلاتهم.
وفي الشهور الأخيرة من حياته، وصل “خاشقجي”، متأخرا وبقدر كبير من التردد، إلى الاستنتاج بأن “آل سعود” محكوم عليهم بالهلاك، وقرر أن المؤسسة التي طالما والاها وأخلص لها، لم تكن قادرة على التكيف للتعامل مع أكبر التحديات التي تواجهها طوال حياته.
وذكّر “هيرست”، الرئيس الأمريكي الجديد بما ذكره يوم كان مرشحا للتصفيات داخل الحزب الديمقراطي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حينما قال: “تعرّض خاشقجي لجريمة قتل وقطعت أوصاله بأوامر من ولي العهد.. سوف نرغمهم على دفع الثمن ونجعل منهم منبوذين”.
بالنسبة لـ”بايدن” ووسائل الإعلام الأمريكية التي تبنت قضيته، يعدّ “خاشقجي” اختبارا لهم جميعا.
وتساءل: “فهل سيقومون بما هو صواب؟، هل سيدعمون الديمقراطية والديمقراطيين في العالم العربي، كما وعد (الرئيس الأمريكي السابق باراك) أوباما، ولكن ما لبث من بعد أن فشل فشلا ذريعا في الأمرين؟، أم إنهم سيستمرون في ترك مصالح الولايات المتحدة وأعمالها في أيدي البلطجية؟”.
ورفض الكاتب البريطاني اعتبار قرار “بايدن”، تجميد مبيعات السلاح إلى السعودية، مدعاة للتفاؤل، “كونه قابل لأن يتم التراجع عنه”.
ولفت “هيرست”، إلى أنه “لا يعدّ التجميد المؤقت لمبيعات السلاح فقط الإشارة التي ترد من البيت الأبيض، بل أعلنت القوات الأمريكية أنها أيضا تدرس إمكانية استخدام قاعدتين جويتين في غرب المملكة في كل من الطائف وتبوك، وكذلك استخدام الميناء البحري في ينبع”.
وتابع: “إدارة بايدن توشك أن تتراجع عن التهديد الذي أطلقه بايدن بأن يجعل من السعوديين منبوذين عندما كان مرشحا”.
ولخص “هيرست”، العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، بما ذكره “أنتوني بلينكين”، الذي تم مؤخرا إقرار تعيينه وزيرا للخارجية، عندما ندد بجريمة قتل “خاشقجي” التي عدّها “مقيتة”، وقال إن واشنطن تعيد تقييم علاقتها مع الرياض لضمان أن تكون منسجمة مع مصالح أمريكا وقيمها، ولكنه وصف السعودية بالشريك المهم جدا.
وأشار إلى أن “بيلنكين” تجنب الحديث حول الجريمة نفسها، وعندما سأله محاوره عن ذلك، لم يأت على ذكر الرجل الذي أمر بقتل “خاشقجي”.
وتوقع الكاتب البريطاني، أن تطلب إدارة “بايدن” رسميا من الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل هيئة للتحقيق في الجريمة، ثم بناء على المعطيات التي يتم التوصل إليها تعلن عن فرض عقوبات على المسؤولين عنها.
وربط “هيرست” هذه الخطوة بمدى صدق “بايدن” و”بلينكين” حول ما تعهدوا به من قبل.
وقال: “لو كانت الإدارة الجديدة حريصة على الحفاظ على علاقاتها مع المملكة وفي الوقت نفسه إنزال العقوبة بحق قتلة خاشقجي، فإن الخطوة الأخرى التي يمكن أن تتخذها هي الضغط على الملك وعلى الأعضاء البارزين في العائلة الملكية حتى يخلعوا بن سلمان من منصبه في ولاية العهد”.
وأضاف: “بايدن لن يكون بحاجة إلى ترتيب انقلاب، وهو الأمر الذي يعدّ مغامرة بالغة الخطورة كما يقول أعضاء سابقون في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، وفي البنتاغون (وزارة الدفاع)، على اطلاع جيد بأحوال السعودية”.
وتابع الكاتب البريطاني: “كل ما يحتاج بايدن لأن يفعله، هو اتخاذ موقف مبدئي والإعلان على الملأ أن الولايات المتحدة لا تؤيد أن يكون محمد بن سلمان هو الحاكم القادم للمملكة.. وهذا بحد ذاته يكفي لأن يطلق تفاعلا داخل المملكة”.
وحسب “هيرست”، فلدى الملك “سلمان” أبناء آخرون أعلى تعليما وأكثر خبرة من ولده المدلل “محمد”، فهناك من بين إخوته غير الأشقاء “سلطان” و”فيصل”، وهناك شقيقه الأصغر “خالد”.
وأضاف: “ومازال ابن عمه (ولي العهد السابق) محمد بن نايف وابن عمه متعب بن عبدالله على قيد الحياة، وكذلك الحال مع عمه الأمير أحمد بن عبدالعزيز. وكل من هؤلاء يتمتع بدعم داخل الجيش وداخل الحرس الوطني”.
وتابع: “يمكن لأي منهم أن يحل محل بن سلمان في منصب ولي العهد فيما لو، وهذه لو كبيرة، كانت لديهم الثقة الكافية بأنهم يتمتعون بالدعم خارج المملكة حتى يقوموا بذلك”.
ولفت الكاتب البريطاني، إلى أن بقاء “بن سلمان” لا يستند لا إلى أيديولوجيا ولا إلى حركة، فهو “يحكم بالرعب فقط لا غير”، وهذا ما يعرفه الأمراء في عائلته ممن أتقنوا في الماضي فن البقاء على قيد الحياة، فهم الآن ينصاعون ويلتزمون بما به يؤمرون، ولكن إلى حين.
وزاد: “يتطلب التغيير السياسي داخل المملكة إشارة واضحة من واشنطن، وهكذا كانت باستمرار طوال تاريخها، وهكذا هي الآن.. فهل سيعطون هذه الإشارة؟”.
وحسب “هيرست”، فإنه “إذا لم يتوجه بايدن إلى الأمم المتحدة، ولم يصرح بأنه لن يدعم بن سلمان كملك قادم، فإن إسرائيل ستكون هي السبب الرئيسي الذي يضطره للإبقاء على النهج نفسه الذي كان عليه سلفه دونالد ترامب”.
يشار إلى أن الولايات المتحدة إبان حكم “ترامب”، قضت العامين الماضيين، وهي تحاول إخفاء ما تعرفه عن مرتكبي الجريمة.
وأصدر “ترامب” بيانا في 2018، قال فيه إن “بن سلمان” ربما كان متورطا مباشرة بالقتل، ولكنه، أي “ترامب”، لا يهتم ولا يريد إرباك صفقات السلاح أو النفط.
وأعلنت النيابة العامة السعودية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إغلاق قضية “خاشقجي” بشقيها العام والخاص، بإدانة 8 متهمين بأحكام مخففة في قضية قتل المذكور.
غير أن كافة المنظمات الحقوقية العالمية رأت أن تلك الأحكام هزلية، لا سيما أنها لم تمس المتهم الرئيسي في القضية والذي أمر بارتكابها وهو “بن سلمان”.
وتراهن تلك المنظمات وكذلك الكثير من السياسيين على الإدارة الأمريكية الجديدة في إعادة قضية “خاشقجي” إلى الواجهة مرة أخرى، خاصة أن “بن سلمان” اعترف ضمنيا بمسؤوليته عن الجريمة باعتبارها وقعت تحت إدارته.