سليم عزوز
بدا كَلا على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير!
فقد نصح وزير الخارجية الأمريكي؛ وكيل أعمال البيت الأبيض وضواحيه، محمد بن سلمان، برحلة علاقات عامة، تعيد طرحه من جديد، بعد اتهامه بإصدار الأوامر بقتل جمال خاشقجي، لعله يعيد إنتاج نفسه، فإذا بالجولة فاشلة، وإذا بالزائر كباسط كفيه على الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه!
الستر الإلهي
بدا لي كصوفي متقاعد؛ أن لعنة الدم تصاحبه في رحلته هذه، وما كان لقاتل أسرف في القتل إلا أن يُرفع عنه السَتر الإلهي، فإذا بالجولة كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جَاءَهُ لم يجده شيئاً. وقد بدت رحلة ارتجالية لم يُخطط له، والمقرر سلفاً لم يحدث. فقد قيل إنه سيمكث في مصر يومين، فإذا به يهرب سريعاً، ولم تكن نعرف وجهته بعد زيارته لتونس. فقد قيل إنه سيذهب للجزائر، وقيل بل إلى الأردن بشكل مفاجئ، حتى لا يستعد الشعب الأردني للتظاهر ضد هذه الزيارة، لكنه لم يفعل. والمعلن عنه جاء مخيباً للآمال، فقد قام الشعب التونسي بواجب الوقت، وبفرض الكفاية عن شقيقه المصري. وقد علم الله أن فينا ضعفاً، فكانت المظاهرات التونسية التي خرجت تندد بهذه الزيارة، لقاتل أسرف في القتل، ولديكتاتور لم يرقب في شعبه إلا ولا ذمة!
كان واضحاً أن الزائر ثقيل هذه المرة على حلفائه؛ الذين ربما رأوا أنه صار عبئاً عليهم. وقد ألمح الأتراك إلى أن ابن سلمان ليس متورطاً وحدة في جريمة قتل الصحفي السعودي، ولكن هناك دوائر إقليمية قامت بأدوار لوجستية، وهم يخشون من أن تأتي أرجلهم في هذا المستنقع. وإذا كان دونالد ترامب، يتحمل فوق طاقته بحمايته لـ”الفاعل الأصلي”، فمؤكد أنه لن يستطيع استكمال مهمة الحماية، إذا ما ظهرت أطراف أخرى في هذه الجريمة التي لم تتكشف كل أوراقها بعد!
كان الترحيب مبالغاً فيه، ومع ذلك كشفت المبالغة عن أنه باهت. فحاكم أبو ظبي بدا من حيث الشكل مرحباً بضيفه، وعبد الفتاح السيسي حرص على أن يصطحبه من المطار حال وصوله وإليه عندما غادر.. والفتى بالغ في الافتعال والتزيد، حد أنه ومن أعلى درج الطائرة رفع يده، وكأنه تمثال، وفي العودة ظهرت يد السيسي مرفوعة لترد على هذه اليد المرفوعة بدون ضرورة موضوعية، إلا حرص ولي العهد السعودي على إظهار ثقته في نفسه، فكنا أمام ممثل يفتقد للموهبة وللقدرة على أداء الدور!
في حفلة ديسكو
بيد أنها صور كانت تظهر الحقيقة، ولم تستطع أن تستر الشعور بالضيق من هذه الزيارة..، فهل كان ما حدث في أبو ظبي صدفة؛ عندما يصطحب محمد بن زايد ضيفه ولي عهد خادم الحرمين، والخادم المحتمل للحرمين الشريفين، إلى “قاعة ديسكو”، وتبدو الأمور فيها خارج السيطرة، فتلتقط له الصور وهو في “علبة الليل” هذه؟ وإذا اعتبرنا أن الفتى شاب من حقه أن يعيش اللحظة، وقد تعرض خلال الفترة السابقة لضغوط صعبة، ما يدفع مستضيفه لأن يروّح عنه، فهل هذا هو المكان المناسب، لمن في حكم وضعهما الوظيفي وفي موقع يفتقد للقيمة، ليس من حيث النشاط ولكن من حيث الحاضرين فيه؟ وقد كان السادات يقيم حفلات كهذه لضيوفه الأجانب، لكنها لم تكن في أماكن مفتوحة لآحاد الناس، ولم يسمع عنها العامة في حينها إلا عندما تحدث عنها بعض المشاركين فيها بعد موت السادات، ولم يعد ذكرها مضراً، مثل روايات الراقصة “نجوى فؤاد” المتكرر عن الشخصيات الدولية التي رقصت هي لها!
لو كان محمد بن زايد سيئ النية، لما فعل مع ضيفه أسوأ من هذا، لكن ألا وأنه ليس مخولاً لنا الحكم على النوايا، فإننا ندرك أيضاً أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!
حلاوة روح
وإذ انتقل محمد بن سلمان إلى القاهرة، فقد كانت الصورة أكثر من باهتة، وليست أكثر من “حلاوة الروح”.. لقد قدموا لنا مجموعة من المصريين في مشهد تمثيلي بائس؛ يرحبون بالضيف، في بلد يمنع المظاهرات، لكن هؤلاء المتظاهرون علموا – يا إلهي – بخط سير الموكب، وأنه سيمر بميدان التحرير، فوقفوا هناك يرفعون الأعلام السعودية وصورة ولي العهد السعودي وهم يهتفون باسمه، في مشهد أكثر بؤساً، وكاشف لبؤسه أنه مفتعل!
فخط سير ولي العهد لم يكن معروفاً، لكي يستقبله الناس بالأعلام والصور، ولا توجد ضرورة لمروره من هذا المكان، الذي يعني أنه كان في زيارة للبرلمان، وهو ما لم يحدث.. والقصر الجمهوري في مصر الجديدة، والفندق الذي يستقبل فيه السيسي ضيوفه، وهو “الماسة” (المملوك للقوات المسلحة) هو بالقرب من مطار القاهرة، فأين كان ولي العهد ليمر من هنا؟ فحتى لو كان في زيارة لمقر السفارة بالجيزة، فليس هذا الطريق هو الأفضل في العودة أمنياً وموضوعيا، ولم يتم الإعلان عن أنه زار السفارة، ولا مبرر لذلك!
وهذا المشهد الاحتفائي المصنوع أضر بالصورة أكثر مما أفادها، فأعداد مستقبليه لا يزيد بأي صورة من الصور عن 300 شخص، في محافظة يسكنها أكثر من 20 مليون نسمة. وكان واضحاً أنها مظاهرات المرتزقة، الذين يستدعيهم كفيل للقيام بهذه الأدوار.. فمن هو هذا الكفيل، الذي تصرف كالدبة التي قتلت صاحبها؟!
لم تهتم رئاسة الجمهورية بنشر صورة اللقاء الذي جمع عبد الفتاح السيسي بضيفه، فأحد أعضاء الوفد هو من تولى مهمة التصوير، ونشر الصورة على صفحته على “تويتر” لتلتقطها فضائيات المولاة وتنشرها، فإذا بعدم اكتراث السيسي بولي العهد واضحاً.. لقد نسوا، وربما تعمدوا، عدم وضع العلم السعودي في الخلفية، ليظهر العلم المصري وحده.
ولم يصدر بيان عن المباحثات الثانئية، كما لم يعقد مؤتمر صحفي، ولم تُكلف أي محطة تلفزيونية باجراء حوار مع الضيف، في زيارة “تبييض الوجه” هذه.
الفراغ العاطفي في تونس
وإذ ولى وجهه تلقاء “الخضراء”، فقد كانت المظاهرات تستقبله باللعنات والهتاف ضده، في سابقة لم تحدث لأي مسؤول سعودي منذ بدء الخليقة السعودية، لتنتهي الزيارة بعد ساعات قليلة؛ لم يضف لها قيمة إعلان الفتى أنه ينظر لحاكم قرطاج على أنه أبوه، وأنه هو ابنه، وهو الإعلان الفكاهي.. فأي اعتبار مما قيل يغني عن الآخر، فإذا اعتبره والده، لكان هذا يُغني عن أنه يعتبر نفسه ابنه، وإذا اعتبر نفسه ابنه لكفاه هذا الاعتبار عن أن يعتبره أبيه، لكنها الحالة العاطفية التي تملكت الفتى وشعوره بالاحتياج الأبوي في هذه الظروف، وكأنه يتيم الأبوين.. وكأنه يعاني فراغاً عاطفياً!
يختلف السبسي عن السيسي في النظر إلى ابن سلمان، فالرئيس التونسي فتح لنفسه باب رزق جديد، فأي قدر يأتي منه يكفي، في حين أن السيسي يدرك أن السعودية لم تعد بلد الرز بالنسبة له، فهو يريد المليارات، وليس صفقات سد الرمق التي قد يقبل بها السبسي سعيداً.. وهو يدرك انتهاء عهد بالسعودية، فترامب وجميع أفراد عائلته قد سيطروا على بيت المال السعودي، مقابل حماية ولي العهد، وكل ما يزيد عن الحاجة السعودية سيذهب إليهم، ويفوز باللذات كل مغامر!
ومهما يكن، فإزاء الرفض الشعبي الجزائري، لم يذهب ولي العهد السعودي إلى هناك، في أسوأ جولة خارجية لمسؤول سعودي. وقد كان زيارات المسؤولين السعوديين للخارج لها “شنة ورنة”، فإذا به ضيفاً ثقيلاً، ولسان حال مستقبليه: “يا بخت من زار وخفف”.
لقد انتهى محمد بن سلمان، وإن بقي بقرار أمريكي؛ لا يمنح شرعية ولا يعُطي أهمية ولا يعيد للمملكة قيمتها المفترضة.
إنها نهاية تليق بأصحابها.
سطور أخيرة:
لم يستطع أن يمثل الدور للنهاية، كان أداء مبالغاً فيه، وهو يجالس الناس على الأرصفة، ويغشى مجالس البسطاء.. كان واضحاً أنه لا يوجد ما يستطيع تقديمه إلا هذا الدور التمثيلي، الذي لم أتقبله من مسؤول من قبل، وأعتبره تغطية على أمراض النفس التي لا تداوى!
بالأمس انقلب إلى حضرة “الضابط النابتشي”، عندما عرض عليه مواطن مظلمته، فإذا بالعِرق دساس، وإذا به يصدر أوامره بالقبض عليه.
عن الجنرال محافظ المنوفية أتحدث!