يستغرب عدد من المعلقين الاقتصاديين الألمان، من بعض القرارات الاستثمارية السعودية الكبرى، فقد كتب “ألكسندر ديمينغ” من صحيفة “هاندسبلات” الاقتصادية بعددها الصادر في (5 فبراير/ شباط 2020) معلقا على الاستثمارات السيادية للرياض: “يستثمر صندوق الثروة السيادي السعودي مليارات الدولارات في شركات ذات توجه مستقبلي، غير أنه يرتكب في ذلك كل الأخطاء التي يمكن ارتكابها”.
يُذكر أن وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية كشفت أن الصندوق السعودي باع معظم أسهمه في شركة “تسلا” الأمريكية لصناعة السيارات الكهربائية مؤخرا.
وعُرفت “تسلا” في الماضي بتخصصها في بطاريات “الليثيوم أيون” التي تستخدم في القطارات الكهربائية، كما تسعى للإنتاج الكمي للسيارات الكهربائية، لخفض تكلفتها لتكون في متناول المستهلك المتوسط.
وقالت الوكالة إن الرياض أبقت على حوالي 39 ألف سهم فقط من أصل 8.2 مليون سهم إلى نهاية عام 2019، وهو ما كان في حينه يعادل 5% من مجموع قيمة الشركة.
صحيح أن أسهم “تسلا” هي موضوع مضاربات في السوق الأمريكية وتعرضت لتذبذبات عدة، لكن الصندوق السيادي السعودي بددها دفعة واحدة “كمن يكب المياه في الرمال”.
فقد كانت السعودية ضمن خمسة أكبر مالكين لأسهم الشركة بما قيمته حينها بـ 3.2 مليارات دولار، وذلك عندما زار ولي العهد السعودي الولايات المتحدة في مارس / آذار 2018.
بيع بالخسارة؟
في نهاية سبتمبر/ أيلول 2019، ارتفع سعر “تسلا” من 221 دولارا للسهم الواحد ليصل في ذروته إلى 887 دولار قبل أن يتراجع إلى 735 دولارا حاليا؛ وهو ما يمثل خسارة للصندوق السعودي تقدر بالمليارات.
فلو باع أسهم “تسلا” في ذروة ارتفاعها في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، لبلغ الربح الإجمالي حوالي 5.5 مليار يورو، أما لو باعها اليوم بعد تراجعها النسبي الأخير فسيحصل على ما لا يقل عن 4.2 مليار يورو.
كما أن الصندوق قام باستثمارات أخرى على سبيل التحوط، كضمان للتعويض عن خسائر “تسلا” المحتملة، استثمارات قد تكون انخفضت قيمتها اليوم، ما يعني أن الرياض قد تكون تكبدت خسائر كبيرة في النهاية.
ويرى “ألكسندر ديمينغ” أن الاستثمار في شركات تكنولوجيا المستقبل تتطلب التحلي بالصبر ورباطة الجأش والنفس الطويل، وهي صفات قد يكون صناع القرار في الصندوق السايدي السعودي يفتقدونها، بحسب وكالة “دويتشه فيله” الألمانية.
أغرب صفقة لابن سلمان؟
ليست هذه هي المرة الأولى خلال السنوات الأخيرة التي يتخذ فيها الصندوق السيادي السعودي قرارات خاطئة، ففي عام 2018 كشف “ماسايوشي سون”، مدير مجموعة “سوفت بنك” اليابانية عن كيفية إقناعه لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، باستثمار 45 مليار يورو في “صندوق الرؤية” (Vision Fund) للتكنولوجيا.
وفي لقاء تلفزيوني في برنامج “ديفيد روبنشتاين” (تلفزيون بلومبيرج) الأمريكي، سأل المذيع “سون” عن كيفية تمكُّنه من إقناع “بن سلمان” باستثمار 45 مليار دولار في ساعة واحدة، فقاطعه الأخير قائلا: “قولك ساعة واحدة أمر غير دقيق، استغرق الأمر مني 45 دقيقة فقط، فأقنعته بـ45 مليار دولار”.
غير أن المجموعة اليابانية أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 عن تكبدها لخسائر فصلية بقيمة قدرها سبع مليارات دولار، ما ألقى ظلالا من الشكوك حول الاستراتيجية التي تعتمدها المجموعة، وهي التي تستثمر في الشركات التكنولوجية الناشئة التي تستنفد السيولة النقدية بشكل سريع لتمويل نموها.
وبهذا الصدد، كتب “كريستوف ساكمان” (موقع فوكوس الألماني) يوم الجمعة (7 فبراير/ شباط 2020) أنه “من الصعب تحديد كيفية نمو استثمارات هذا الصندوق، وبالتالي الأسهم السعودية فيه، فقيمتها تعتمد فقط على (الحقن) المالية من القطاع الخاص”.
الاستثمارات السيادية السعودية يجب فهمها في سياق “رؤية 2030” لـ”بن سلمان”، التي تسعى لتنويع مصادر الدخل ببناء اقتصاد حديث مستقل عن ريع النفط. وصندوق الثروة السيادي أحد أدوات تحقيق هذه الرؤية بشرط تصحيح الأخطاء وعدم تكرارها.