د. عبد الله العودة، دكتور باحث في جامعة "جورج تاون" في مركز التفاهم الإنساني المسيحي.

د. عبد الله العودة، دكتور باحث في جامعة “جورج تاون” في مركز التفاهم الإنساني المسيحي.

 

  • (إم بي إس مي تو): أطلقت السعودية منذ عدة أسابيع حملة (هنا حقوق الإنسان في المملكة)، كيف ترى اتساق هذه الحملة مع الأوضاع الحقوقية بالمملكة، خاصة في ظل عمليات الاعتقال والقتل الممنهج داخل السجون وخارجها والتي كان آخرها اغتيال الصحفي جمال خاشقجي؟!

فيما يتعلق بالشأن الحقوقي بالسعودية، أنا قلت في مناسبات سابقة مختلفة: إن السنة والنصف الماضية شهدت تطورًا غير مسبوق في مجال الانتهاكات، حتى التي كانت تعد في مرحلة الإدارات السابقة “خطوطًا حمراء”، حتى للناس اللذين يَعتقلون ويَترصدون، اللذين يمارسون كافة الانتهاكات والتعسفات في حق الناس والشعوب والمجموعات المختلفة، كانت لديهم على الأقل خطوط حمراء، في عهد الإدارة الحالية حتى الخطوط الحمراء تم انتهاكها بشكل صارخ وتعديها، وتم إدارة عمل ممنهج للانتهاك وصل إلى حد التحرش الجنسي كما حصل مع مجموعة من البنات الناشطات أمثال “لجين الهذلول”، و”إيمان النفجان” وأخريات.

في مجال حقوقي آخر وصل إلى مستويات غير مسبوقة عن طريق مطالبات بأحكام الإعدام، وهو شيء لم يكن في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث مطلقًا، ولا أظنه حدث في تاريخ الجزيرة العربية الحديث أبدًا.

الشأن الثالث؛ شان استهداف الصحفيين؛ فبالأمس قرأت تقريرًا أظن أعدته “سي.إن.إن” حول مجموع الصحفيين في العالم، حيث خطت السعودية بشكل سريع جدًا نحو عملية التصعيد والاعتقالات والانتهاكات في حق الصحفيين والإعلاميين، وفي حق من يعملون على الأرض، طبعًا أصرخ نموذج هو نموذج الشهيد جمال خاشقجي -رحمه الله-.

  • (إم بي إس مي تو): تعلن المملكة باستمرار أن التحقيقات في مقتل خاشقجي جارية على قدم وساق، هل ترى جدوى حقيقية من هذه التحقيقات؟! ولماذا؟!

أنا قلت مرارًا إن هناك عدة ملاحظات سريعة:

1- لا يمكن لنفس المجموعة التي اعتقلت البنات وأدارت عمليات التحرش الجنسي والتلويح بقضايا الاغتصاب لدرجة أنه قيل لإحداهن: “سنقتلك ونضع جثتك في المجاري”، وقيل لأخرى: “سنعلقك ما شاء الله”، ولا يمكن لذلك النظام الذي طالب بإعدامات لمجموعات مختلفة لمجرد أنها تمارس العمل السلمي والثقافي والديني والسياسي الشريف، أن تدير عملية التحقيق في قضية “جمال خاشقجي”، فهذه مفارقة مضحكة جدًا وغريبة، الذي يطالب بالإعدام هنا بشكل قانوني لنفس الأسباب يدير عملية اختطاف شخص تم قتله بشكل غير قانوني بسبب عمله السلمي ونشاطه الثقافي والإعلامي!!

2- فيما يتعلق بالإدارة القانونية لملف “خاشقجي” -الله يرحمه- أنا قلت مرارًا: هناك عنصران أساسيان مفقودان، هما أولاً: قضية الإجراءات العدلية، الأخرى هي الشفافية وسيادة القانون، هذه العناصر مفقودة بشكل كبير، لا نعلم من يُحقَّق معه؟ لماذا؟ كيف؟ أين؟ كيف ستنتهي التحقيقات؟ ولا كيف تدار عملية المحاكمة؟ وهل بدأت المحاكمة أم لم تبدأ؟ وكيف خمسة يطالب بإعدامهم، ولم تنتهِ التحقيقات بعد؟ ولا من الذي يحقق معهم؟ وما هي الأسماء؟ وكيف تدار العملية بالكامل؟!!

الشيء الآخر لم نعرف من الرأس النهائي الذي أمر بهذه العملية؟ من الذي أدار المشهد بشكل كبير؟! من المسئول بشكل مباشر عن هذه العملية؟! أسئلة كثيرة غير موجودة ولم يتم الاجابة عليها.

تعال لمسألة النائب العام الذي يدير التحقيقات، النائب العام تم اختراقه في مناسبات مختلفة، السنة الماضية حينما أعلن تأسيس منصب النائب العام كبديل لفكرة المدعي العام السابق الموجود في السعودية، أو بالأصح تم تأسيس النيابة العامة، وقتها كان من أهم أساسياتها عدم ربطها المباشر بوزير الداخلية أو الدفاع أو ولي العهد، بالمقابل بعدها بأشهر بسيطة في نوفمبر لما تأسست لجنة مكافحة الفساد كان على رأسها ولي العهد، وكان أحد أعضائها فقط النائب العام، بمعنى أنه كان تحت إدارة مباشرة من ولي العهد، إذًا أين الشفافية؟! أين الإجراءات العدلية؟! أين الاستقلال لمنصب النائب العام؟!

أيضًا قبل ثلاثة أشهر تقريبًا خرجت شائعات لا أستطيع تأكيدها بأن ولي العهد استدعى النائب العام وقال له كلامًا قاسيًا، وطالبه بأشياء معينة، لأتبيّن بعدها بأسابيع بسيطة بأن هناك مطالبات بالإعدام، هل يرتبط هذا بهذا؟! شيء غريب جدًا وغير مفهوم.

الشيء الأخير فيما يتعلق بالقضاة؛ القضاة يتم ابتزازاهم بشكل كبير جدًا، إني أعرف كثيرًا من القضاة الذين يتحدون لأجل ممارسة أعمال قضائية نزيهة، ويجتهدون لأجل الخروج بأحكام شرعية حقيقية، إلا أنهم يتم الضغط عليهم بشكل مهول جدًا، وخذ على سبيل المثال الجهاز القضائي الأكثر حساسية، المسمى المحكمة الجزائية المتخصصة، والمسمى بمحاكم الإرهاب وغيرها، أو المحاكم الأمنية، 6 من القضاة تم اعتقالهم لأشهر طويلة من غير إجراءات وخلافًا للأنظمة البسيطة، ومن دون الرجوع للمجلس الأعلى للقضاء، وبعدما خرجوا، فتبين أن جل التحقيق بل كله بسبب أحكام لهم لم ترق للنيابة أو الحكومة بشكل مباشر.

إذًا ماذا يريد من اعتقلهم أن يفعل سوى أن يجعلهم يخضعون للمطالب التي يمليها هو على النيابة، وبالتالي القضاة فقط يفعلون ويطبقونها، قاضيان آخران تم اعتقالهما بسبب أنهما لم يقفا للسلام الملكي كما تبين الفترة الماضية، لم يخرجا إلا قبل أسابيع بسيطة.

القاضي وشيخ الحرم صالح أبو طالب لا يزال معتقلاً إلى هذه اللحظة بطريقة غريبة جدًا، وهكذا يظهر كيف تضغط الحكومة على الإجراءات العدلية والقضائية في السعودية، وبالتحديد كيف أنها لا تؤثر في التعامل مع المعتقلين تعسفيًا الذين تتم محاكمتهم هذه الأيام وعلى مشهد التحقيقات في قضية “خاشقجي” رحمه الله.

  • (إم بي إس مي تو): أُجلت الجلسة الأخيرة لمحاكمة الوالد د. سلمان العودة للمرة الثانية، كيف ترى مجريات عملية المحاكمة من حيث الأصل؟! ولماذا في رأيك تؤجل جلسات المحاكمة له ولغيره في هذا التوقيت؟!

الوضع بالنسبة لمحاكمة الوالد، تم تأجيل آخر جلستين، الجلسة الأخيرة قالوا بأن النيابة طلبت مهلة، بالتالي لم تتبين حقيقة الأمر، يبدو أن الذي يدير المشهد يريد أن يكسب بعض الوقت، لا شك أنه يضمر سوءًا ولكن الله سبحانه وتعالى فوق كل ذلك.

  • (إم بي إس مي تو): حدثنا عن الوضع الصحي للوالد بالسجن، وأين هو بالتحديد؟! وهل يتعرض للمضايقات في محبسه؟!

القصة هنا أن الوالد مر بظروف صعبة جدًا منذ بدايات الاعتقال، لايزال لوحده في سجن انفرادي منذ لحظة اعتقاله في 10 سبتمبر 2017، أكثر من سنة وشهرين، مر بظروف عجيبة جدًا لدرجة أنه تعب وأصيب بالضغط ونقل للمستشفى في يناير الماضي، دون حتى أن نخبَر، تم قطع كافة الاتصالات لأشهر طويلة جدًا حتى لا نعلم هو حي أم ميت، حتى خرجت الشائعات حول وضعه الصحي، أصبنا بالذهول، حتى تسرب أخيرًا خبر مؤكد من داخل السجن من طرف متعاطف معنا حول وضع الوالد الصحي، وتم تأكيده لاحقًا بأن هذا الكلام صحيح جدًا.

الشيء الآخر الوالد يتم تكبيل يديه ورجليه باستمرار داخل السجن، تم تكبيله لفترة طويلة جدًا، التحقيق معه تم بسياق انتهاكات عجيبة جدًا لدرجة أنه في يوم من الأيام كان يعطَى الأكل في كيس، ويضطر أن يفتح الكيس بفمه حتى تجرحت أسنانه، في فترة من الفترات تم التحقيق معه لأكثر من مرة فترات مختلفة لأكثر من 24 ساعة متوالية، بمعنى أنه يأكل ويشرب ولا ينام طبعًا وهو أمام المحقق، يتناوب عليه المحققون لأجل أن يضغطوا عليه نفسيًا واجتماعيًا وشعوريًا، في قضية التحقيق آنذاك.

  • (إم بي إس مي تو): هل يمكننا أن نشاهد خلال الفترة المقبلة ثورة شعبية في السعودية على غرار الثورات التي قامت في تونس ومصر؟! أم أن الوضع في السعودية والخليج بشكل عام مختلف؟!

بخصوص قضية مستقبل وجود انتفاضة، فالله أعلم بالوضع، لكن من يرى وضع العالم الإسلامي والعربي، يعرف تمامًا أنه على كف عفريت، على فوهة بركان كما يقال، ولننظر للوضع في السودان اليوم والأمس، السكوت له حد، وإذا انتفضت الشعوب فالحرية عملية معدية لا يمكن أن تتوقف عند حد أو مكان أو زمان، الأفضل من أن نمر بحالة خوف لا قدر الله أو اهتزاز كبير للبلد، أن يتم الانقاذ من الداخل مع الحفاظ على الجو العام، الحفاظ على السلم العام للناس، إطلاق كافة المعتقلين، الحفاظ على قضايا الحقوق والحريات، والبدء بإجراءات حقيقة لأجل الإصلاح وإدراج الناس وإشراكهم في مصائرهم وفي شئونهم.

  • (إم بي إس مي تو): كيف ترى مستقبل الأوضاع في السعودية في ظل حالة الاحتقان الحالية، والانتهاكات التي تنمو بصورة سرطانية ضد الجميع؟! وما الحلول المتاحة في الوقت الحالي لتغيير هذه الأوضاع الصعبة؟!

فيما يتعلق بمستقبل الوضع في السعودية واحتمالية الاهتزاز لا قدر الله، طبعًا بدون شك إن هذا النمط الذي وجد على فترات مختلفة ثم تم تكثيفه في السنة والنصف الماضية، نمط الاعتقال الممنهج، نمط الانتهاك الممنهج، نمط تبرير التحرش الجنسي بالبنات، نمط قتل صحفيين في السفارة، نمط استهداف معارضين في الخارج واختراق أجهزتهم، نمط التنصت على الناس، نمط ملاحقتهم، هذا النمط لا يمكن أن يعيش أبدًا، ولا يمكن أن يقبل به الناس.

هناك حلول كثير مختلفة، وبدائل كثيرة واقعية ومقبولة لكافة الأطراف، وحينما أقول: كافة الأطراف لا أقصد فقط المعارضة مثلاً أو الأطراف الناشطة سياسيًا أو الأطراف الغاضبة، بل حتى الأطراف الحكومية المقبولة من الأغلبية الساحقة من العائلة الحاكمة، المقبولة من الأغلبية الساحقة من الناس، مقبولة من القبائل، من المدن، من الأطراف المختلفة، من البدائل المختلفة، من التيارات الفكرية المختلفة، ليبراليين وإسلاميين ونسويين وسلفيين وغيرهم، هذه الحلول تكون على رأسها طرح فكرة الملكية الدستورية، وهي إنقاذ للعقلاء الذين يريدون أن يحافظوا على وحدة هذا البلد، وعلى وجود حتى عائلة، وعلى إشراك الناس في مصائرهم وفي القرار، لا يمكن على الاطلاق أبدًا أن تأخذ من الناس أموالهم بالضرائب والمكوس ثم لا تدعهم يعرفون كيف تدار هذه الأموال والمكوس، وكيف تنتهي هذه الضرائب!!

بدائل مختلفة جدًا فيما يتعلق بمن يصطَلح عليه بـ(العائلة الحاكمة)، وما يقبل به الناس، يمكن أن يكون شيئًا مؤقتًا إلى أن تتم إدارة ملكية دستورية حقيقية، يتم انتخاب مباشر لمجلس الشورى، برئيس وزراء منتخب، في بقاء ملك له دور لكن أقل من الدور الحالي، حتى ينتهي في يوم من الأيام، ليكون ملكية دستورية بالكامل.

الأهم من كل ذلك الإطلاق الكامل لسراح كافة المعتقلين على اختلاف توجهاتهم، حفظ الحقوق والحريات، حفظ حقوق الجميع، رفع سقف الحرية، والسماح بكافة أشكال الاجتماعات والجمعيات المدنية والأهلية، والتجمعات السلمية.