حذر ولي العهد محمد بن سلمان “الرؤوس الكبيرة في الفساد” بأنه سيتم اتخاذ اللازم معهم، وهو الذي تم بتوجيهات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز”.

وقال ‏الرئيس الجديد لهيئة مكافحة الفساد مازن الكهموس، السبت: “أنا أنقل تحذيرا شديد اللهجة، سمو ولي العهد وجهني بأن تكون المرحلة القادمة لاستئصال الفساد لدى الموظفين الحكوميين الصغار، وأود التنويه بأنه ليس كل الموظفين الصغار فاسدين، نحن نقصد الموظفين الفاسدين فقط، الذين سيكونون هدفا رئيسا لنا في المرحلة القادمة”.

وأضاف في أول مداخل له بعد تعيينه في منصبه: “بعد أن تخلصت البلاد بنسبة كبيرة من الرؤوس الكبيرة في الفساد في المرحلة السابقة التي قادها سمو ولي العهد، جاء الدور على الرؤوس الصغيرة والمتوسطة، التي ستكون الأنظار مسلطة عليها، وأود أن أنوه فقط، الفاسدين من الموظفين”.

وأكد الكهموس أن الهيئة ستعمل للقضاء على الإجراءات البيروقراطية التي كان يعمل بها سابقا بين المباحث الإدارية والنيابة العامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

وقال خلال حديثه مع قناة العربية: “وجهني سمو ولي العهد بتغيير منظومة عمل الهيئة والقضاء على الإجراءات البيروقراطية السابقة بين المباحث الإدارية والنيابة العامة والهيئة، حيث سيتم تشكيل لجنة من مكافحة الفساد وجميع الجهات الحكومية المعنية، حسب توجيه ولي العهد، لكي نضمن عدم تكرار الإجراءات البيروقراطية السابقة”.

وتابع: “سنعمل على جعل الإجراءات تنعكس إيجابيا على قيام الهيئة بالدور المناط بها، سنعمل بقدر المستطاع على أن يأخذ كل مواطن حقه بالمشروع، سواء في تقديمه للمشاريع الحكومية والمنافسة عليها، أو في تخليص المعاملات الحكومية للمواطنين”.

الحملة الأولى

في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2017 تفاجأ العالم بأنباء ترد بشكل لافت ومتسارع من العاصمة السعودية الرياض تفيد باقتياد مئات الأمراء وكبار المسؤولين الحاليين والسابقين ورجال الأعمال إلى فندق ريتز كارلتون الفخم، واتسعت القائمة لاحقا لتشمل أكثر من 350 شخصا وقدمت على أنها حملة لمكافحة الفساد.

تباينت التفسيرات لأسباب تلك الحملة وتعددت التأويلات لاعتقال هذا العدد الكبير من شخصيات المجتمع المخملي السعودي، ولم تنجح السلطات السعودية في إقناع الكثيرين بزعم مكافحة الفساد؛ بالنظر إلى عدة اعتبارات من أهمها:

رئيس اللجنة المكلفة بمكافحة الفساد والمسؤول المباشر عن إطلاقها هو ولي العهد محمد بن سلمان، الذي كانت الأنباء والتسريبات تترى في الفترة ذاتها وقبلها وبعدها عن اقتنائه وبمبالغ خيالية لعدد من اليخوت واللوحات الفنية والسيارات الفارهة والقصور في الخارج وبأسعار مبالغ فيها.

الطبيعة الانتقائية التي اتسمت بها تلك الحملة، وغموض التسويات التي انبثقت عنها.

يعتقد كثير من النشطاء السعوديين أن ما سمّته السلطات السعودية “حملة على الفساد”، لم يكن في الواقع أكثر من “حملة ابتزاز” لعدد من الأمراء ورجال المال والسياسية لأغراض متعددة ليس في مقدمتها موضوع الفساد.

يعتقد عديد من هؤلاء أيضا أن الفساد لا يكافح إلا عبر مؤسسات حقيقية وقضاء مستقل ونزيه، وقوانين نزيهة تطبق على الجميع، وأن شخصا واحدا لا يستطيع محاربة الفساد، على حد قولهم.

يرى خبراء ومحللون أن من بين أهداف تلك الحملة صرف أنظار السعوديين عن قضايا أخرى من بينها حملة الاعتقالات والتوقيفات التي شنت بالتزامن على عشرات من العلماء والمشايخ والدعاة.

ولا يستبعد البعض أن يكون للأمر علاقة أيضا بتمرير التحولات التي حدثت بالتزامن أو قبيل ذلك بقليل داخل بيت الحكم السعودي، والضرب “بيد من حديد” على المعترضين أو المتحفظين وربما “إرهاب” آخرين، لم يساندوا تلك التحولات الجذرية.

يرى البعض أيضا أن ملف الفساد ومزاعمه تم توظيفها خلال تلك الفترة للضغط على خصوم ابن سلمان في الداخل من أجل قبول توجهاته ورؤيته التي أثارت الكثير من اللغط داخل وخارج السعودية.

هل يتكرر السيناريو؟

يخشى عديد من السعوديين أن تمثل النسخة الثانية من حملة الفساد تكرار لسيناريو النسخة الأولى، أو أن تكون تمهيدا أو تغطية على قرارات قادمة لا تحظى بالقبول داخل الشعب السعودي.

يستحضر البعض هنا قرب عرض المبادرة الأمريكية للسلام المعروفة إعلاميا بصفقة القرن؛ إذ أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستعلن تفاصيلها بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستنظم خلال الأيام القادمة، ويعتقد على نطاق واسع أن السعودية هي أحد أهم عرابي تلك الرؤية ومسوقيها.

كما أن ملف الحرب اليمنية يبدو مقدما هو الآخر على تطورات كبيرة ومفصلية خلال الأسابيع القادمة بحكم التطورات الدامية في الجنوب، والتحرك الأمريكي الأخير نحو عقد لقاءات مع الحوثيين بمشاركة السعودية في سلطنة عمان، وهو ما يعني أن قطار الحرب وصل ربما إلى محطته الأخيرة أمريكيا وسعوديا.

وفي المحصلة ورغم أن الفساد –وفقا للعديد من التقارير وللمعارضين السعوديين- ينخر مؤسسات وأجهزة سعودية عديدة؛ على غرار الكثير من نظيراتها العربية؛ فالثابت أيضا أن ورقة الفساد تحولت إلى سيف مسلط يفاقم أزمة الخوف التي تتمدد في أجواء المملكة الغارقة في بركة من الاعتقالات وحملت الاضطهاد المغلفة بلبوس الحداثة والانفتاح.