تستعد الولايات المتحدة لمعركة سياسية جديدة تجمع السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس دونالد ترامب والسلطة التشريعية ممثلة في الكونغرس؛ على خلفية البيان الرئاسي الذي لم يُدن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولم يبرئه تماما من التآمر لقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي رغم تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) بأنه هو من أمر بالقتل.
ولم يمنع دخول واشنطن أجواء الاحتفالات بعيد الشكر من استمرار الكثير من أعضاء الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) من التعبير عن غضبهم من موقف ترامب.

فقد طالبه أعضاء كثيرون بتوفير إجابات عما دفعه للوقوف في مسافة وسطية من جريمة قتل خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، متحديا بذلك تقديرات السي.آي.أي التي خلصت إلى مسؤولية ولي العهد السعودي عن الجريمة.

“ماغنيتسكي” لمحمد بن سلمان شخصيا
بعد ساعات قليلة من صدور بيان البيت الأبيض حول مقتل خاشقجي، أرسل زعيما لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب كوركر زعيم الأغلبية الجمهورية باللجنة، وبوب ميننديز زعيم الأقلية الديمقراطية فيها، رسالة تطالب الرئيس ببدء تحقيق حكومي أميركي حول ما إذا كان لولي العهد السعودي دور مباشر أو غير مباشر في قتل خاشقجي.

وتعد خطوة أعضاء مجلس الشيوخ البارزين من الحزبين، خطوة تصعيدية من جانب الكونغرس الذي عبر الكثير من أعضائه بالصدمة من بيان ترامب الأخير.

“الموقف شديد الحساسية عندما يتعلق الأمر بحليف لنا منذ عقود، إلا أنني أعتقد أن ولي العهد هو من أمر بقتل الصحفي خاشقجي”.. كانت هذه كلمات السيناتور كوركر لمحطة محلية في ولاية تينيسي حيث يقضي إجازة عيد الشكر.

وبعد صدور البيان تحدث ترامب باقتضاب للصحفيين قبل بدئه عطلة عيد الشكر وقال إن “السي.آي.أي نظرت في الأمر ودرست القضية كثيرا، ولم تتوصل إلى استنتاج مؤكد لا يحمل أي شك.. الحقيقة أنه ربما فعل ذلك، وربما لم يفعل ذلك.. سنقف بجانب المملكة العربية السعودية”.

ويتيح تشريع “ماغنيتسكي” أن يطلب الكونغرس من الرئيس الأميركي أن يحدد بصورة قاطعة أسماء منتهكي حقوق الإنسان حول العالم. ويحتم القانون على الرئيس أن يرد على طلب الكونغرس خلال مدة أقصاها 120 يوما من طلب اللجنة بخصوص حاكم معين أو حالة معينة.

وبالفعل قدم الكونغرس -ممثلا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ- طلبا بهذا الشأن للرئيس ترامب يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن دون السؤال تحديدا عن محمد بن سلمان.

غير أن خطاب كوركر وميننديز الذي أرسل عقب بيان ترامب يحدد بوضوح ويشير إلى دور ولي العهد السعودي، وجاء فيه أنه “في ضوء التطورات الأخيرة بما فيها اعتراف الحكومة السعودية بقتل مسؤولين سعوديين للسيد خاشقجي داخل قنصلية بلادهم في إسطنبول، نطلب منك أن تحدد بدقة هل كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو المسؤول عن مقتل خاشقجي”.

وغرد السيناتور كوركر قائلا “إنه بناء على طلبنا الأول بتفعيل قانون ماغنيتسكي تم فرض عقوبات أميركية على 17 مسؤولا سعوديا، وسنستخدم كل ما في حوزة الكونغرس من أدوات ووسائل لمعاقبة المسؤولين عن عملية قتل خاشقجي”.
أوراق الكونغرس الأخرى
إضافة إلى تفعيل قانون ماغنيتسكي بخصوص دور محمد بن سلمان، ينتظر مجلس الشيوخ أن يصوت على مشروع قانون يحظر بصورة شاملة بيع السلاح للمملكة السعودية. ويتبنى هذا المشروع أحد أهم حلفاء ترامب في المجلس السيناتور ليندسي غراهام.

كما تشير تقارير متنوعة إلى نية عدد متزايد من أعضاء الكونغرس ربط مشروع تمرير الميزانية الاتحادية بتشريعات تتضمن عقوبات على السعودية تشمل ضرورة وقف الحرب في اليمن، ووقف تصدير السلاح، وتجميد التعاون العسكري والاستخباري معها.

وينبغي التصديق على مشروع الميزانية قبل السابع من ديسمبر/كلنون الأول القادم، وإلا يتم غلق مؤسسات وبرامج الحكومة الاتحادية. وإذا أخذ الكونغرس هذا المنحى، فسيكون خطوة كبيرة مؤثرة للضغط على الرئيس ترامب للتشدد مع السعودية.
“جاستا” وسلطات الرئيس
دستوريا، يمتلك الرئيس الأميركي سلطة رفض التوقيع على مشروعات القوانين التي يوافق عليها الكونغرس فيما يعرف بحق الفيتو الرئاسي.

غير أن الدستور منح الكونغرس سلطة صناعة القوانين حتى إذا استخدم الرئيس حق الفيتو، وذلك بإعادة التصويت على مشروع القرار، وإذا حصل على ثلثي الأصوات يصبح قانونا رغم معارضة الرئيس.

وللسعودية سابقة تاريخية هامة تتعلق بإقرار الكونغرس قانون جاستا، وقد أقره الكونغرس تشريعا، وأصبح قانونا في أواخر سبتمبر/أيلول 2016.

ويعطل هذا القانون قانونا سابقا صدر عام 1976، كان يوفر الحصانة السيادية للدول وحكامها من الملاحقة القضائية داخل الولايات المتحدة. وقد مر “جاستا” بأغلبية وإجماع غير مسبوقين في مجلسي الكونغرس، الشيوخ والنواب.

وصوت أغلب الأعضاء -في حالة نادرة- لصالح القرار، قبل أن يتدخل الرئيس السابق باراك أوباما بالفيتو الرئاسي محاولا إيقافه. ورغم تدخل الرئيس وفريق البيت الأبيض ووزارة الدفاع وأعداد كبيرة من الدبلوماسيين والخبراء السابقين لثني الكونغرس عن قراره، فإن “جاستا” أصبح قانونا بأغلبية 97 صوتا مقابل صوت واحد في مجلس الشيوخ، وبأغلبية 348 مقابل 77 صوتا في مجلس النواب.

وأثناء وجود ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة، رفض قاضٍ أميركي إلغاء مجموعة دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية وفقا لقانون “جاستا” الذي يتيح محاكمة دول وأشخاص يتمتعون بحصانات سيادية في جرائم تتعلق بعمليات إرهابية وقعت داخل الأراضي الأميركية.

وتنظر حاليا عدة محاكم أميركية في ولايتي نيويورك وفرجينيا في قضايا رفعها عدد من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، تطالب فيها بتعويضات من الحكومة السعودية على خلفية اتهامها بدور مباشر وغير مباشر في دعم وتمويل منفذي هذه الهجمات التي فقد فيها ثلاثة آلاف أميركي أرواحهم.

من هنا لا يعول الكثير من الخبراء بالشأن الأميركي على عرقلة ترامب لجهود الكونغرس المتجهة إلى فرض المزيد من العقوبات على الحكومة السعودية، التي ربما يطال بعضها شخص محمد بن سلمان.

الجزيرة