قد تكون السعودية قد فازت في حرب الأسعار والحصص السوقية مع روسيا، لكن استراتيجيتها ساهمت حسب خبراء في انهيار أسعار الخام المتأثّرة بتفشي فيروس كورونا، رغم اتفاق خفض إنتاج تاريخي.
وزادت السعودية العضو في منظمة الدول المصدّرة للنفط “أوبك” إنتاجها النفطي إلى مستويات قياسية في الشهرين الماضي والحالي، وعرضت تخفيضات كبيرة ردا على رفض روسيا خفض صادراتها لرفع الأسعار.
وتسبّبت هذه الخطوة بتراجع كبير في أسواق الطاقة، حيث انخفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، في وقت كانت السعودية تستعرض قوتها المالية لتؤكد أنها على النقيض من منافسيها قادرة على تحمّل الأسعار المنخفضة لسنوات.
وأدّى اضطراب السوق في نهاية المطاف إلى عودة روسيا والمنتجين الآخرين إلى دائرة الاتفاق، ما ادى إلى صفقة تاريخية لخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميًا في الشهرين المقبلين.
لكن أسعار الخام استمرت في الانخفاض. وقالت “تشينزيا بيانكو”، الخبيرة في شؤون الخليج في معهد “المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية” في مقابلة هاتفية أمس “كانت الكلفة بالنسبة لسوق الطاقة ما يقرب من شهرين من أسعار النفط المنخفضة، ولكن مع أكبر صفقة لخفض الإنتاج في التاريخ، فازت السعودية في حرب أسعار النفط”.
ولكنها تداركت بالقول “هناك خطر كبير من أن الصفقة ضعيفة للغاية وقد تكون أتت متأخرة، ففي ظل عدم وجود إشارة إلى أن أسعار النفط سترتفع بشكل مستدام، قد تكون الرياض أطلقت العنان لأمر لا تستطيع السيطرة عليه”.
ويلقي المشرّعون الأمريكيون اللوم على السعودية حيث يهدّد الانهيار بدفع منتجي النفط الأمريكيين إلى الإفلاس.
وقال السناتور الأمريكي “كيفين كرامر” أن “الانخفاض الكبير يبرز سبب وجوب عدم السماح للسعودية بإغراق السوق، خصوصًا بالنظر إلى ضعف طاقتنا التخزينية”.
وأضاف “في الوقت الحالي، أكبر عدد من ناقلات النفط السعودية منذ سنوات في طريقها إلى شواطئنا. في ضوء المستجدات الأخيرة، أدعو الرئيس دونالد ترامب لمنعها من تفريغ حمولاتها في الولايات المتحدة”.
بل أن عضواً آخر في مجلس الشيوخ الأمريكي هو “جيمس إنهوف” ذهب إلى أبعد من ذلك، مطالبا بفرض تعرفات جمركية على النفط السعودي.
وكتب في رسالة إلى وزير التجارة الأمريكي “ويلبر روس” “من الواضح أن السعوديين والروس يواصلون إغراق سوق النفط العالمية في ما أعتبره محاولة لسحق منتجي النفط والغاز الأمريكيين والاستحواذ على حصتهم في السوق”.
وتابع “أحثّكم (…) على فرض رسوم جمركية على النفط المستورد من السعودية وروسيا، ومعاقبتهم على سلوكهم المدمر”.
ويقول محللون أن انهيار الأسعار ستكون له عواقب واسعة النطاق، من تراجع الإيرادات في الاقتصادات المعتمدة على الطاقة، إلى التسبب بانكماش عالمي وإعاقة مشاريع التنقيب عن النفط.
ويبدو الضرر الاقتصادي واضحا في دول الخليج، بما في ذلك السعودية نفسها أكبر مُصدّر للنفط في العالم، والتي تمثل مجتمعة خُمس إمدادات الخام العالمية وحيث يشكل دخل النفط 70 إلى 90 في المئة من إيراداتها العامة.
ويمكن أن تقوّض هذه الصعوبات الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي قام بها ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، الحاكم الفعلي للسعودية، لإنهاء ارتهان المملكة للنفط.
وسجّلت الرياض عجزًا في الميزانية في كل عام منذ آخر هبوط في أسعار النفط في عام 2014، وقد اقترضت أكثر من 100 مليار دولار وسحبت من احتياطياتها لسد العجز.
وكانت روسيا والسعودية قد اتفقتا على خفض إنتاج مجموعة “أوبك+” (وهما قطباها الرئيسيان) حوالي 10 ملايين برميل في اليوم، لكن محللين يقولون أن مزيدا من الخفض قد يكون ضروريا إذا استمرت الأسعار في الانهيار.
وقالت بيانكو “الرياض ربما تشعر الآن بالرضا بعدما أكّدت إرادتها وعزّزت قيادتها لسوق النفط العالمية (…) وأوضحت لموسكو أن السياسة الروسية يجب أن تتماشى مع استراتيجية النفط السعودية في المستقبل…ولكن الحلقة لم تنته والمخاطر عالية بالنسبة للسعودية. قد يكون هناك ثمن سياسي يجب دفعه”.