فتحت الحرب الأهلية في اليمن بعد مرور نحو 7 سنوات، صفحة جديدة أشد مأساة، بالتزامن مع الهجوم المتجدد على محافظة مأرب الإستراتيجية من قبل جماعة “الحوثي” المتمردة المدعومة من إيران.
وقالت صحيفة “ألموندو” الإسبانية إن “الوضع في اليمن بعيد عن التوجه نحو الهدنة، المدفوعة بالخطوات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة، من بينها وقف دعمها لعمليات التحالف العربي بقيادة السعودية”.
وأكدت أن “هذه التطورات تتزامن مع تحذيرات الأمم المتحدة، التي تؤكد أنه دون تمويل للمساعدة الإنسانية هذا العام، ستنزلق أفقر دولة في الخليج العربي، دون أي شك، نحو أسوأ مجاعة عرفها العالم منذ عقود”.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، قوله إن “الوقت ينفد لدينا؛ حيث أن معدلات سوء التغذية وصلت إلى مستويات قياسية ويعاني 400 ألف طفل من سوء التغذية الحاد”.
وأضاف أن “في هذه المرحلة، يمكن اعتبار هذه الفئة في الأسابيع أو الأشهر الأخيرة من حياتهم، ويوجد في جميع أنحاء اليمن 16 مليون شخص يتضورون جوعا، بما في ذلك 5 ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة”.
تفاقم المأساة
ويقدر مكتب الأمم المتحدة في اليمن أن عملية مساعدة السكان تتطلب 4 آلاف مليون دولار خلال عام 2021، ففي عام 2019، وصل التمويل إلى 90 بالمئة ولكن العام الماضي، في ظل الوضع الذي تفاقم بسبب انتشار فيروس كورونا، لم يغط التمويل بالكاد النصف.
وأشارت الصحيفة إلى أن “التحذيرات الجديدة التي أطلقتها الأمم المتحدة، التي ستنظم مؤتمرا للمانحين في مارس/آذار المقبل، تتزامن مع تفاقم الصراع الذي يواجه منذ 2015 الحوثيين مع حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية”.
وفي وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، جدد الحوثيون هجومهم على مأرب، وهو معقل الحكومة وسط البلاد، والمتميز باحتياطياته من النفط والغاز.
وشددت الصحيفة على أن تصاعد العنف “يهدد بتفاقم المأساة في اليمن الذي أصبح مسرحا لأكبر كارثة إنسانية على هذا الكوكب”.
في هذا السياق، تحث اللجنة الدولية للصليب الأحمر “جميع الأطراف المتنافسة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وممتلكاتهم وجميع البنى التحتية المدنية الأساسية، مع وقف فوري للأعمال العدائية”.
من جانبه، استنكر مبعوث الأمم المتحدة في اليمن، مارتن غريفيث، الهجوم على مأرب، مؤكدا على ضرورة “وقف هذه الأعمال العدائية، لأنها تعرض ملايين المدنيين للخطر، خاصة في ظل المناوشات التي تهدد بالوصول إلى مخيمات النازحين”. وأشار إلى أن “البحث عن تعزيز مكاسب إقليمية بالقوة يهدد كل احتمالات عملية السلام”.
وأفادت الصحيفة بأن “قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بسحب الدعم اللوجستي والأسلحة للسعودية والإمارات وتعيين مبعوث في البلاد، فتح فجوة وأصبح يهدد الأمل في دفع الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة”.
في هذا المعنى، يتنبأ لوكوك قائلا: “هناك فرصة مهمة الآن لمساعدة اليمن على التحرك نحو سلام دائم، لكن هذه الفرصة ستتلاشى وتنتهي في سلة المهملات إذا غرقت البلاد في مجاعة كبرى”.
ونقلت الصحيفة عن غريفيث أن “المطلوب بسيط، ومتمثل بالأساس في توفر الإرادة السياسية لإنهاء هذا الصراع”.
برميل بارود
وانطلاقا من تجربة غريفيث الذي قضى 3 سنوات في محاولة لكسر “دوائر العنف” التي انغمس فيها اليمن، الذي أصبح بمثابة برميل بارود يتعايش فيه انفصاليو الجنوب والتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم الدولة؛ فإن “لا أحد يستطيع إجبار هذه الأطراف على توقيع السلام إلا إذا اختاروا الحوار وألقوا السلاح”.
كما تقع مسؤولية إنهاء هذه الحرب على “عاتق أطراف الصراع”، ويأمل المبعوث الأممي في أن “يتحملوا الآن هذه المسؤولية”.
ونقلت الصحيفة أن غريفيث يعتبر أن على الأطراف المتنازعة “الاتفاق على هدنة توقف المواجهات وتضمن التدابير الاقتصادية والإنسانية التي لا تعرقل تدفق المواد الأساسية عبر موانئ الحديدة، مع تخصيص عائدات الميناء لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وفقا لقاعدة بيانات الرواتب لعام 2014 وافتتاح مطار صنعاء لاستعادة الحركة التجارية الدولية”.
وأوردت أنه منذ بدء التفجيرات في مارس/آذار 2015، قتل حوالي 130 ألف شخص في اليمن. وفي واقع الأمر، نفّذ التحالف أكثر من 20 ألف تفجير؛ وقع ثلثها على المدارس والمستشفيات والمرافق المدنية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
وفي السنوات الأخيرة، انتشرت أمراض الكوليرا وحمى الضنك والملاريا والدفتيريا والجوع في اليمن، وبالتالي يحتاج 24 مليون شخص -أي 80 في المائة من السكان- إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة؛ بينهم 19.7 مليون بحاجة إلى رعاية صحية، فيما لا يتمكن 17 مليون من الوصول إلى المياه والصرف الصحي والحد الأدنى من النظافة.
وأشارت “ألموندو” إلى الشكوك التي أثارها إعلان بايدن بسحب الدعم الأميركي لحملة القصف السعودية في اليمن الفقير.
وفي واقع الأمر، يوجد في اليمن شبكة معقدة من الولاءات المتقلبة التي انتشرت عبر السنوات الست الماضية والتي لم تتمكن حتى المحاولات المتكررة للوساطة من قبل الأمم المتحدة من تفكيكها.
وتحديدا، تحتاج إدارة بايدن إلى فهم أن حرب اليمن أكثر تعقيدا ولن يتم حلها من خلال اتفاق سياسي بين “الحوثيون” وحكومة هادي، وفقا لما أكدته المحللة اليمنية، ندوى الدوسري.
وختمت الصحيفة تقريرها بتصريح للمتخصص في شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، بيتر سالزبري، مشددا فيه على أن “انتهاء الدعم الأميركي لا يعني تلقائيا نهاية الحرب”.