على مدار أشهر، تمكن تطبيق “كلوب هاوس Clubhouse” الأميركي، من التحليق تحت رادار جدار الحماية الصيني، قبل أن يتم حظره بعد نقاشات سياسية حادة، وهي خطوة تخشى الكثير من النخب اتخاذها في دول عربية.
يثير التطبيق حديث الإطلاق جدلا كبيرا يعتبره مختصون متنفسا جديدا قد يزعج الكثير من الأنظمة الساعية إلى كتم الأصوات المعارضة، وهو ما بات يطرح في غرف الدردشة العربية داخل التطبيق.
بث مباشر
“كلوب هاوس” هو تطبيق جديد يشبه إلى حد كبير البث الصوتي المباشر، يتيح لمستخدميه مشاركة أفكارهم وقصصهم، وبناء صداقات ضمن مجموعات للدردشة حول العالم. كل ذلك يتم باستعمال مقاطع صوتية بدلا من المنشورات النصيّة أو المرئية.
تم طرح النسخة الأولى من التطبيق في مارس/آذار 2020، وبدا كأنه ينافس تطبيق “زوم” المخصّص لإجراء مُكالمات الفيديو عبر الإنترنت. وتبلورت الفكرة في ذهن مؤسسيه “بول دافيسون” و”روهان سيث” بعد تفشي فيروس كورونا.
وخلال فبراير/شباط 2021، شهد التطبيق زيادة مفاجئة في الإقبال إثر انخراط مؤسس شركة “تسلا” وأحد عمالقة وادي السيليكون إيلون ماسك، في نقاش مطول مع الرئيس التنفيذي لتطبيق “روبن هود” فلاد تينيف.
جرى ذلك عبر غرفة دردشة في منصة “كلوب هاوس”، بحسب ما ذكرته عدة مواقع أميركية متخصصة في التكنولوجيا.
يعتمد التطبيق على الصوت، إذ يجمع بين المحادثات الحيّة، والمقابلات الجماعيّة، وتجربة الاستماع إلى بودكاست، وهذا ما يجعله أيضا مختلفا عن باقي المنصات.
ولكل غرفة في “كلوب هاوس” 3 طبقات، الأولى للمتحدثين ومدشن الغرفة، وهؤلاء يملكون أدوات إدارة الحوار. أما الطبقة الثانية فتضم مستمعين دخلوا إلى الغرفة عبر الأصدقاء المشتركين. والطبقة الثالثة من المستمعين الذين دخلوا الغرفة بعد أن اقترحتها عليهم خورازمية التطبيق.
سارع أكثر من 4 ملايين مستخدم حول العالم إلى تحميل التطبيق خلال الأسابيع القليلة الماضية، حسب بيانات شركة Apptopia، كما طُرحت دعوات الاشتراك للبيع على موقع ebay بمبلغ وصل إلى 89 دولارا، وفق ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 15 فبراير/شباط 2021.
وكان يقتصر استخدام التطبيق النخبوي على الشخصيات المهمة كالمشاهير ورجال الأعمال، قبل أن يعج بالناشطين من مختلف المجالات، ليبدأ في فتح نقاشات سياسية.
وعلى عكس شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام وغيرها، اجتذب التطبيق مبكرا العديد من المستخدمين الصينيين ومنحهم فرصة نادرة لـ “الإفراط في حرية التعبير”، والانخراط في مناقشة حول الموضوعات التي عادة ما يتم حظرها هناك.
ورأى ديف مورين، مؤسس تطبيق Path القديم وأحد المستثمرين في كلوب هاوس حاليا أن “التطبيق يفتتح فصلا جديدا، ويحمل التغيير الجذري لطريقة عمل الإنترنت الجماعي”، وفق ما نقلت عنه نيويورك تايمز.
وأوضحت الصحيفة أن التطبيق جذب مستثمرين ضخّوا فيه أموالا تجاوزت 100 مليون دولار الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2021) فقط، فيما قُدّرت قيمته بنحو مليار دولار.
ويقول البعض إن الحماس للتطبيق انتقل إلى العالم العربي بعد أن دعا إيلون ماسك أغنى رجل في العالم، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مشاركته الحوار على كلوب هاوس، عبر تغريدة على تويتر، وهو ما رد عليه الكرملين بدراسة الأمر.
نقاشات سياسية
وسط هذا التفاؤل بالتطبيق الجديد، لم يعد بإمكان المستخدمين في الصين منذ 8 فبراير/شباط 2021، الوصول إلى المنصة، وفق ما أفادت صحيفة الغارديان البريطانية في 15 فبراير/شباط 2021.
وتم حظر التطبيق بعد إجراء نقاش حاد على المنصة حول القضايا السياسية التي تعتبرها بكين شائكة، مثل هونغ كونغ وتايوان وأوضاع أقلية الإيغور المضطهدة في الصين.
وتحظر الصين تطبيقات التواصل الاجتماعي الغربية، مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، وتفرض رقابة صارمة على الإنترنت المحلي، للتخلص من المحتوى الذي قد يؤثر سلبا على الحزب الشيوعي الحاكم.
وحول متابعته لما يدور في غرف الدردشة داخل التطبيق، يقول المختص في وسائل التواصل ياسر عاشور، إنه لاحظ بعض الوجود من قبل شخصيات عربية رسمية وأخرى قريبة من الأنظمة.
عاشور قال: “لوحظ اهتمام كبير في السعودية بالتطبيق، حيث انضم بدر العساكر (مدير المكتب الخاص لولي العهد الأمير محمد بن سلمان) لغرفة جرى فيها النقاش كان يحضرها الإعلامي المقرب من النظام السعودي عضوان الأحمري”، كما حضرها الأمير عبد الرحمن بن مساعد.
بدر العساكر ومحمد بن سلمان
وأضاف عاشور أن الأمر تجاوز الأشخاص العاديين إلى الاهتمام الرسمي خاصة في دول الخليج، متوقعا حدوث “إعادة تشبيك بين المجتمعات المتضادة ضمن مساحة واحدة”، لاسيما مع عدم وجود تصنيفات داخل التطبيق لفلترة وتحديد خلفيات الأشخاص السياسية.
وتَحوَّل التطبيق بالفعل إلى “ترند” داخل السعودية، البلد الذي يجتذب كل التطبيقات الحديثة ويتفاعل معها قبل غيره، وانتشر وسم #مين_كفيلك_في_كلوب_هاوس لتبادل الدعوات والانضمام سريعا.
وفي 14 فبراير/شباط 2021 قالت صحيفة القبس الكويتية إن المغردين الكويتيين بدأوا بـ”إنشاء مجاميع نقاشية، حول موضوعات مختلفة، تضم متحدثين، ومستمعين، في صورة أشبه بندوات حوارية مفتوحة، بينما كان ملاحظا غلبة الطابعين السياسي والثقافي على النقاشات”.
ويرى الصحفي والأكاديمي إبراهيم عرب أن “كلوب هاوس حوّل المجالس التي تجري في البيوت أو المقاهي أو الأندية الثقافية نحو المنصة الافتراضية الأوسع، ونقل الجدل العام إلى الفضاء الأكبر”.
وعن الاختلاف بينه وبين تويتر، يقول عرب: “الكتابة والتعبير بالكلمات تفهم في كثير من الأحيان خارج سياقها، لكن هنا يوجد حميمية أكثر عبر الصوت. اكتشفنا أن هناك جرأة بالتعدي على الآخر عن طريق الكتابة لكن بالصوت لم نجد هذا الأمر”.
وعلى تويتر أيضا، انتشر مؤخرا الذباب الإلكتروني، لكن في كلوب هاوس، كل شخص له كفيله الذي يرشحه للدخول إلى الغرفة وبدء النقاش، “وأعتقد أن أحدا لن يرشح آخر إلا إذا كان يثق فيه، خاصة أن التسجيل يحتاج رقم تليفون، مما يجعل المشاركين من فئات معينة حقيقية”، وفق ما يقول عرب الذي لا يستبعد تسلل “الذباب” بطريقة ما لاحقا.
حظر مرتقب
يرى إبراهيم عرب أن كلوب هاوس عمليا يطور الفضاء والنقاش السياسي، “فهناك أشخاص قاطعوا بعضهم على وسائل التواصل الأخرى، تفاجئنا بوجودهم معا في نفس الغرفة يتشاركون نفس الحوار، وهو أمر يعزز الحوار وتبادل المحتوى الجيد والمفيد”.
لكن هذا الأمر لا يُبعد فرضية حظر التطبيق، “لأنه سيزعج الجهات الأمنية لدى بعض الأنظمة”، وفق تقدير الصحفي اللبناني، قائلا: “هناك آليات لحفظ التغريدات على تويتر وتصويرها، لكن في كلوب هاوس، لا بد أن يكون لدى الأنظمة مخبر في كل غرفة، وهذا سيشتتهم. لذلك إذا كانت التقنية مزعجة لهم فالأسهل أن يحظروها”.
وتابع: “لا أستبعد أن تتجه دول لا يوجد فيها فضاء سياسي مثل دول الخليج، نحو حظر التطبيق، حتى لا يتحول ما يدور في المجالس الضيقة إلى الكبرى التي تجمع أشخاصا من خلف الحدود والجدران ولئلا توسع دائرة النقاش”.
ومن دواعي اتخاذ بعض الأنظمة هذه الخطوة، وفق عرب “وجود غرف سرية مقفلة داخل التطبيق، لن تعلم بها أجهزة المخابرات ولن تتكمن من مراقبتها، وهنا تكمن الخطورة، حيث أن ما يثير خوف الأنظمة هو التحريض على إطلاق حركات اجتماعية وسياسية في المنطقة”.
في ذات السياق، يقول المختص في وسائل التواصل الاجتماعي ياسر عاشور: “إذا عكسنا التطبيق على الواقع، فيمكن القول إن أهم ميزة يقدمها هي عمل مظاهرة إلكترونية حقيقية”.
فالتطبيق يتيح وجود أشخاص يصل عددهم إلى 5000، يستمعون لموضوع ما ويشاركون فيه، “وهذه الميزة غير متاحة في أي من التطبيقات الأخرى، لذلك بالتأكيد إذا لم تلتفت له الحكومات الآن، سيصبح مزعجا لها مع الوقت”، وفق عاشور.
وعن إمكانية حدوث تحشيد نحو قضية سياسية ما، يرى أنه “من الصعب الحديث عن هذا الأمر حاليا، لأن انتشار التطبيق عربيا يعتبر حديثا ولم تتضح مساراته بعد”.
لكنه لا يستبعد ذلك، قائلا: “شهدت نقاشات داخل التطبيق من جيل ثورات الربيع العربي الذي يحاول عمل مراجعة حقيقية عن أسباب إخفاق الكثير منها وكيف أثرت على حياتهم”.
وفي هذا الإطار، غرد الصحفي المهتم بالقضايا الحقوقية أحمد سميح على تويتر مؤكدا أن الكلام على كلوب هاوس يبني المستقبل لأنه يتحرك من أحداث ثورات الربيع العربي في 2011 وحتى الآن.