تواصل المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد الاندفاع نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وهدم التعاون الخليجي المستمر منذ عقود.
بعد 6 أسابيع فقط من بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، اجتمعت الدول العربية لحضور قمة في عمّان بالأردن. وهناك اقترحت الإمارات والبحرين إنشاء اتحاد لدول الخليج العربي من أجل الدفاع عن مصالحها وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبعد 6 أشهر، تم تشكيل “مجلس التعاون الخليجي”، المكون من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وعُمان.
وشدد البيان التأسيسي للمجلس على السيادة غير القابلة للتجزئة لدوله الأعضاء وعلى موقف عدم الانحياز.
وكان من المفترض أن يكون المجلس مقدمة للتكامل العسكري والأمني والاقتصادي بين دول الخليج الستة، بما في ذلك عملة موحدة وبنك مركزي مشترك، واستراتيجية طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية الجماعية.
وبالرغم أن الأعضاء يتشاركون تاريخا مضطربا فيما بينهم، إلا أن الافتقار إلى الأمن الإقليمي والغزو السوفيتي لأفغانستان والمخاوف من أن يتقدم الجيش الروسي نحو الخليج الغني بالنفط، كل ذلك أجبر الحكام العرب على التقارب من أجل حماية مصالحهم.
كما تشاركت الدول الستة الانزعاج من الحرب العراقية الإيرانية، فقد كانوا يعتبرون أن لدى البلدين أطماع بالسيطرة على الخليج. لذلك وفرت المخاوف الأمنية الحادة الزخم لإنشاء مجلس التعاون الخليجي.
لكن عندما هدأت هذه التهديدات، تراجعت دوافع الدول الأعضاء للتعاون.
وأدت الخلافات الحادة والشكوك المتبادلة إلى إخراج مجلس التعاون الخليجي عن مساره، كما تسببت التحالفات الأخرى لدوله في جعله أقل أهمية.
وبصرف النظر عن الانضمام إلى التحالف الأمريكي ضد غزو العراق للكويت، لم تكن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قادرة على الاتفاق على الكثير.
وباستثناء البحرين، التي تعتمد على الدعم المالي السعودي، لطالما استاءت الدول الأعضاء من وصاية وإشراف السعودية كزعيمة غير رسمية للتحالف.
وفي المقابل، لطالما استاء السعوديون من السياسة الخارجية المستقلة لعمان وعلاقاتها مع إيران، وكذلك علاقات قطر الحميمة مع تركيا.
وفي الواقع، كانت علاقة قطر والسعودية متوترة في معظم الأوقات. لكن الأمر لم يكن على النحو الحالي.
وخلال زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى السعودية في مايو/أيار 2017، وجه اللوم إلى قطر في ملف “تمويل الإرهاب وإيواء أعضاء الحركات الإسلامية”.
وبتشجيع من انتقادات ترامب، فرضت السعودية والإمارات، بدعم من مصر والبحرين، حصارا على قطر بعد 3 أسابيع من الزيارة، ولايزال هذا الحصار مستمرا حتى اليوم.
وبالرغم من الميزانيات الدفاعية الهائلة لدول الخليج العربي، فإن القدرات العسكرية لها ضعيفة سواء على المستوى الفردي والجماعي.
وفي عام 1984، أنشأ مجلس التعاون الخليجي قوة “درع الجزيرة” للدفاع عن أعضائه ضد التهديدات العسكرية الأجنبية.
وتمركزت القوة التي يبلغ قوامها 5 آلاف فرد في شمال شرقي السعودية بالقرب من الحدود العراقية الكويتية، لكنها لم تتطور إلى قوة قتالية حقيقية.
وكان انتشارها الوحيد في عام 2011 في البحرين، حيث سحقت انتفاضة سلمية في المنامة، في حين لم يتم استخدامها أبدا ضد جيش أجنبي.
وفي الواقع، لدى العديد من الدول الأجنبية وجود عسكري في الخليج العربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ويقع المقر الرئيسي للأسطول الخامس الأمريكي في البحرين منذ عام 1944.
وتدير الولايات المتحدة قاعدة “العديد” الجوية الاستراتيجية في قطر. وفي الإمارات تستخدم الولايات المتحدة “جبل علي” كميناء رئيسي للاتصال، ولها قوات متمركزة في قاعدة “الظفرة” الجوية، ولديها قاعدة بحرية صغيرة في الفجيرة.
كما أن هناك 3 مواقع تمركز للقوات الجوية الأمريكية في عُمان. ومنذ انتهاء حرب تحرير الكويت، قامت الولايات المتحدة بتشغيل قاعدتين جويتين و3 قواعد عسكرية في الكويت.
وينتشر سلاح الجو الزمريكي حاليا في 5 قواعد جوية في السعودية. وبالرغم أن واشنطن سحبت قواتها من السعودية في عام 2003 بعد انتهاء حرب العراق، إلا أنها أعادت نشرها في عام 2019 بعد الهجمات على منشأتين نفطيتين سعوديتين تم إلقاء اللوم فيها على إيران.
بالإضافة إلى ذلك، أرسلت تركيا 5 آلاف جندي إلى قطر ردا على الحصار الذي تقوده السعودية، وبنت قاعدتين عسكريتين في البلاد.
وتدير فرنسا أيضا قاعدة بحرية في أبوظبي. فيما يخدم أكثر من 70 ألف باكستاني في القوات المسلحة السعودية، ويقاتل الآلاف من القوات السودانية نيابة عن السعودية في اليمن.
وبالنسبة لدول الخليج العربي، تنبع المخاوف الأمنية الآن أيضا من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
ولدى الإمارات مخاوف عميقة من صعود الإسلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين في الخليج، في حين تملك الحركة الدستورية الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان في الكويت 16 نائبا في البرلمان المكون من 50 عضوا، وتلعب دورا بارزا في المجتمع المدني.
وفي عام 2013، اندلعت أزمة دبلوماسية بين قطر والإمارات بعد أن بثت قناة “الجزيرة” برنامجا يضم أعضاء في جمعية الإصلاح الإماراتية المؤيدة للإخوان.
وكان الأمير “حمد” يعتقد أن أفضل طريقة لحماية استقلال قطر عن السعودية هي تعزيز التحالفات مع الإسلاميين في المنطقة العربية، والذين كان يعتقد أنهم في طريقهم للوصول إلى السلطة في العديد من البلدان.
وتم السماح للشيخ “يوسف القرضاوي” بتأسيس “الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين” في الدوحة عام 2004.
وبعد عامين، أنشأ “القرضاوي” “أكاديمية التغيير” كجزء من مشروع النهضة لتدريب النشطاء الإسلاميين ليكونوا وكلاء للتغيير السياسي في المنطقة.
وحاولت الدوحة استخدام الدعم المتزايد للإسلاميين لتزويد الدولة الصغيرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة بعمق استراتيجي.
ورغم بذل محاولات عديدة لحل النزاعات الإقليمية بين الدول الأعضاء فقد كانت دون جدوى.
وفي السبعينيات، فشلت السعودية في إنهاء النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده بين قطر والبحرين. وزادت خيبة أمل السعوديين، بعد نجاح محكمة العدل الدولية في القيام بذلك عام 2001.
وكان للسعودية نزاعها الخاص مع الكويت على قطعة أرض على الخليج العربي تم إعلانها منطقة محايدة في اتفاق “العقير” لعام 1922.
ولم يتمكن البلدان من الاتفاق على استخدام حقلي الوفرة والخفجي النفطيين، وفي عام 2014 تم تعليق الإنتاج لمدة 5 أعوام قبل أن يتمكنا من التوصل إلى تسوية.
وتوترت العلاقات بين قطر والإمارات والسعودية بشكل خاص بعد أن استولى السعوديون على ممر ساحلي بطول 25 كيلومترا بين قطر والإمارات.
وفي عام 1976، استخدم السعوديون حق النقض ضد بناء جسر بين أبوظبي والدوحة، زاعمين أنه ينتهك المياه الإقليمية السعودية.
وفي عام 2009، منعت السعودية آلاف الشاحنات التي تنقل البضائع من ميناء “جبل علي” لأن بطاقات الهوية الإماراتية الجديدة تضمنت الممر الساحلي في خريطة البلاد.
وبعد عام، كان البلدان على وشك قطع العلاقات الدبلوماسية بعد أن فتحت زوارق حربية إماراتية النار على سفينة سعودية دخلت منطقة بحرية متنازع عليها.
وانهارت محادثات إنشاء بنك مركزي خليجي واتحاد نقدي لأن الإمارات طلبت أن يكون مقره في أبوظبي بينما أصر السعوديون على أن يكون في الرياض.
وتشكل التجارة بين دول المجلس أقل من 20% من إجمالي حجم التجارة للدول الأعضاء، ويرجع ذلك أساسا إلى أن دول المجلس تنتج في الغالب نفس السلع وتوفر خدمات استهلاكية مماثلة، مثل التعليم الجامعي والرعاية الصحية والخدمات المصرفية والترفيه والسياحة.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد يواجه مجلس التعاون الخليجي أزمة قيادة قريبا. ولا يمكن للسعودية أن تبقى خارج التحالف الإسرائيلي الإماراتي الناشئ.
ولا تريد الرياض أن ترى أبوظبي تتولى زمام القيادة في الخليج، لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تدعي فيها دورا بارزا في التحالف الناشئ هي أن تصبح جزءا منه.
وسيؤدي انتخاب “جو بايدن” رئيسا للولايات المتحدة، وإعادة فتح المحادثات مع إيران، إلى دفع السعودية أيضا إلى التقرب من (إسرائيل)، القوة العسكرية الأكبر ومركز التكنولوجيا في المنطقة.
لقد أثرت عقود من التنافس والعداء على التحالف غير المكتمل بين الأنظمة الخليجية المنقسمة تاريخيا.
وانهار التحالف الذي نشأ بسبب الخوف من التهديدات الخارجية تحت وطأة خوف الدول الأعضاء من بعضها البعض.