بعد تعرض لجين الهذلول هي وغيرها من الناشطات والحقوقيات السعوديات إلى التعذيب وإجبارهن على الإدلاء باعترافات، لا يزال الغموض يلف وقائع أول جلسة لمحاكمة هؤلاء الناشطات.
وبدأت محاكمة الناشطات السعوديات في 13 مارس/آذار 2019، وذلك بعد مضي 10 أشهر من اعتقال الهذلول إلى جانب عدد من الناشطات المدافعات عن حقوق النساء، ولكن المحاكمة شهدت مؤخراً تطوراً مهماً بعد أن كان هناك احتمال أن يخضعن لعقوبة الإعدام.
تغيير محاكمة الناشطات السعوديات
وكانت السلطات السعودية قد أعلنت عن تغيير محاكمة الناشطات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة (المختصة بشؤون الإرهاب) إلى المحكمة الجزائية لمحاكمتهن وفقاً لقانون المعلوماتية. ويرجع الناشط والحقوقي السعودي يحيى العسيري، رئيس منظمة «القسط» لحقوق الإنسان، هذا التغيير في المحاكمة للضغوط الدولية، أو لتجنب الحضور من قبل المراقبين الدوليين.
ويرى عسيري بأنّ جميع التهم كانت حول التعبير عن الرأي، والعمل الحقوقي، ووجهت تهم التواصل مع جهات معادية، كالتواصل مع منظمات وشخصيات حقوقية، بالإضافة إلى التعاون مع آليات الأمم المتحدة.
ويقول عسيري إن المدعي العام طلب تطبيق الحد الأعلى من المادة السادسة من نظام الجرائم المعلوماتية، وعقوبات تعزيرية أخرى، وتمّ تحديد يوم الأربعاء 20 رجب، 27 مارس/آذار 2019 للجلسة القادمة.
الناشطات السعوديات يتعرضن للتعذيب والنصيب الأكبر للهذلول والحربي
ولم تتمكن السلطات السعودية من إيجاد الدلائل والقرائن القانونية لإدانة الناشطات السعوديات في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، الأمر الذي جعلها تمارس التعذيب الممنهجة بحقهن لإجبارهن على الإدلاء باعترافات تتم إدانتهن بها أمام النيابة العامة.
وفي هذا السياق؛ اكدت مصادر خاصة بأنّ كلاً من لجين الهذلول ورقية المحارب وأمل الحربي وعزيزة اليوسف وإيمان الفنجان ونوف عبدالعزيز وهتون الفاسي وأخريات قد مورس بحقهن تعذيب شديد لانتزاع اعترافات منهن تحت التعذيب والضغط النفسي.
وقد تعرضت الناشطة السعودية لجين الهذلول على وجه الخصوص إلى تعذيب شديد أثناء فترة اعتقالها ومورس بحقها أقصى الضغوط النفسية بل وأجبرت على الإدلاء باعترافات غير صحيحة وانتزاع أقوال منها بشكل غير قانوني، حسبما قالت المصادر.
فقد وصل الأمر بضباط التحقيق إلى تعصيب عينيها وإجبارها عنوة على التوقيع على ورقة إقرار فيها لائحة من التهم المختلقة لضمان محاكمتها أمام النيابة العامة بشكل قانوني وإنزال أقصى عقوبة بحقها.
كما قام الضباط المحققون بإجبار الناشطة أمل الحربي على الإدلاء باعترافات عنوة وقسراً وهي زوجة الناشط السعودي الرائد فوزان الحربي الذي يقضي حكماً بالسجن 7 سنوات بسبب عمله مع «جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية»، وهي إحدى أولى المنظمات المدنية في البلاد.
وتعرضت الحربي إلى الصعق بالكهرباء بالفخذين والضرب لأجل إكراهها على الإدلاء باعترافات باطلة ومحددة تدينها أمام النيابة العامة، الأمر الذي أدى إلى صعوبات في المشي وارتعاش في اليدين لديها.
وهيومن رايتس ووتش تتحدث عما هو أسوأ.. ممارسات لم تعرفها الجزيرة العربية من قبل
وسبق أن نقلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» عن مصادر مطلعة إن المحققين السعوديين عذّبوا ما لا يقل عن 3 من الناشطات السعوديات المحتجزات منذ بداية مايو/أيار 2018.
وقالت هيومن رايتس ووتش أيضاً إن التقارير تزعم أن التعذيب من قبل السلطات السعودية شمل الصعق بالصدمات الكهربائية، الجلد على الفخذين، والعناق والتقبيل القسريين.
ولكن وصول الممارسات بحق الناشطات لهذا المستوى، فإنه يشير إلى أنه امتداد لتحطيم الأمير محمد بن سلمان لتقاليد أخرى في المملكة مثل طريقة تعامله مع أولاد عمومته من آل سعود أنفسهم.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير استناداً إلى ثلاث شهادات منفصلة إنّ النشطاء المحتجزين منذ أيار/مايو 2018 في سجن ذهبان على ساحل البحر الأحمر (غرب المملكة) تعرّضوا بشكل متكرّر للصعق الكهربائي والجلد بالسياط ما جعل البعض منهم غير قادر على الوقوف أو المشي.
وأضافت المنظمة الحقوقيّة أنّ واحداً على الأقلّ من النشطاء تم تعليقه من السقف، فيما تعرّضت معتقلة لتحرش جنسي من قبل محقّقين كانت وجوههم مغطاة.
ونفت المملكة في بيان صحفي تصريحات هيومن رايتس واتش والعفو الدولية. وقال مصدر آخر إن مثل هذه الممارسات بحق الناشطات السعوديات تعد أمراً غريباً على تقاليد المملكة العربية السعودية، والجزيرة العربية برمتها».
وأشار المصدر إلى أنه بينما لم تكن السعودية يوماً دولة ديمقراطية تراعي حقوق الإنسان، إلا أنه كان هناك تقاليد قديمة تراعيها السلطات فيما يتعلق بمعاملة كبار السن والنساء في السجون».
السلطات تحاول التحايل على الضغوط الدولية بتغيير المحكمة
وقال رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، علي الدبيسي، إن السلطات السعودية لجأت إلى التحايل على المجتمع الدولي لتخفيف الضغوط عليها التي أثيرت حول قضية الناشطات السعودية. وأضاف أن هذا التحايل تم عبر تغيير المحاكمة من المحكمة الجزائية المتخصصة (المختصة بشؤون الإرهاب) إلى المحكمة الجزائية.
ويرى الدبيسي أنّ السلطات السعودية اضطرت إلى تغيير المحاكمة إلى المحكمة الجزائية، وذلك حتى لا تظهر الناشطات والحقوقيات على أنّهن إرهابيات، وفي محاولة لإظهار أنّ محاكمتهن تأتي في إطار طبيعي وشأن داخلي.
وقال إنّ تطبيق المادة السادسة من نظام الجرائم المعلوماتية يصب في هذا الإطار، مشيراً إلى أنّ السعودية لا يوجد فيها قانون عقوبات منصوص، أي لائحة تبين طبيعة الجريمة وعقوبتها وجزاءها المترتب عليه بشكل واضح، إلا في نطاق ضيق جداً وفي بعض المواد والمسائل القانونية.
ويتابع الدبيسي قائلاً: «مثل هذه المواد يمكن أن يطبقوها على كل شخص يحمل أو يوجد لديه محتوى ومضمون معاد للدولة سواء كان محتوى ورقياً أو إلكترونياً مخزناً في الجوال أو الحاسوب الشخصي أو منشوراً في الفضاء الإلكتروني، الأمر الذي يمكن أن يعتبر جرماً بحسب نظام الجرائم المعلوماتية، فلو فرضنا أنّ شخصاً ضبط في موبايله أو حاسوبه الشخصي صورة لإحدى الناشطين والمعارضين للدولة فإنّها ستستخدم ذريعة لتجريمه وإدانته أمام القضاء».
تطبيق قانون نظام الجرائم المعلوماتية
وحول قضية الناشطات والحقوقيات، بعد اضطرار السلطات السعودية تحويلهن إلى المحكمة الجزائية فإنّ الدبيسي يرى أنّه لن تستطيع النيابة العامة أن تطبّق عليهن قانون الإرهاب، ولن يطبقوا عليهن المادة الملحقة بقانون الإرهاب وهي المادة رقم: أ/44، الأمر الذي سيجبر النيابة والمحكمة الجزائية إلى الرجوع إلى قانون نظام الجرائم المعلوماتية لتطبيقها على الناشطات.
لكنّ الدبيسي يلفت بأنّ تحويل أمن الدولة المحكمة من الجزائية المتخصصة (المختصة بشؤون الإرهاب) إلى المحكمة الجزائية، لا يمنع السلطات في الظروف الطبيعية من تطبيق قانون الإرهاب بحقهن، لأنّ المحكمة الجزائية لا يوجد شيء يمنعها من فعل ذلك فهم يستطيعون أيضاً إيجاد المسوغات لمحاكمة الناشطات. غير أنه بسبب الأجواء والضغوط الدولية حول طريقة معاملة لجين الهذلول ونظيراتها من الحقوقيات ومحاكمتهن على أنهن إرهابيات، فإن هذا أجبر أمن الدولة على الإعلان عن تخفيف محاكمتهن إلى المحكمة الجزائية لإظهار نوع من النزاهة والاستقلالية في القضاء السعودي أمام العالم.
وسائل الإعلام السعودية قد لوحت في وقت سابق بالإعدام
وكانت وسائل الإعلام السعودية قد لوحت في وقت سابق بإمكانية أن تواجه الناشطات والحقوقيات السعوديات عقوبة الإعدام، مشيرةً إلى أنّه إذا أسفرت التحقيقات عن توجيه تهمة خيانة الوطن والتآمر عليه إلى المتهمات، واستطاع المدعي العام إثباتها عليهم، فإنّ العقوبات قد تصل إلى القتل تعزيراً، أو حداً إذا توافرت الشروط الشرعية لحد الحرابة.
كما أكدت على أنّ القانون لا يفرق بين رجل وامرأة في هذه الحالات، وأنّ جرائم خيانة الوطن والتخابر مع العدو تعد من جرائم الإفساد في الأرض التي توجب القتل على حد تعبيرهم. لكنّ الدبيسي من جانبه، اعتبر أنّ السعودية رضخت للضغوط والمتغيرات الدولية في قضية الناشطات، الأمر الذي أدى إلى لجوء السلطات إلى المادة السادسة من نظام الجرائم المعلوماتية في قضية الناشطات ومن ضمنهن الهذلول وأمل الحربي.
الضعط الدولي جعل السعودية تغير مسار محاكمة النشاطات السعوديات/ رويترز
وقال إن النيابة ستضطر إلى معاقبتهن بالمحتوى والمضمون الذي يخالف الهوى السياسي في السعودية سواء كان هذا المحتوى في أجهزتهن الشخصية أو منشوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولفت إلى أنّ هذه المادة السادسة تعدّ مطاطية وتمّ استخدامها ضد الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم في قضايا سياسية بالسعودية.
الجدير بالذكر أنّ النيابة العامة السعودية قد أعلنت في 1 مارس/آذار 2019م، أنّها انتهت من تحقيقاتها ومن إعداد لوائح الدعوة العامة ضد أشخاص تمّ القبض عليهم من قبل رئاسة أمن الدولة، زاعمةً أنّ اعتقالهم تمّ بعد رصد نشاط منسق لهم وعمل منظم للنيل من أمن واستقرار السعودية وسلمها الاجتماعي والمساس باللحمة الوطنية.
وأشارت إلى أنّها حالياً بصدد إحالتهم للمحكمة الجزائية المتخصصة، كما ادعت أن كافة الموقوفين على ذمة هذه القضية يتمتعون بكافة حقوقهم التي كفلها لهم النظام.
وهذا بطبيعة الحال يخالف التقارير التي قدمتها المنظمات والمؤسسات الحقوقية العالمية التي أكدت تعرّض الحقوقيات والناشطات السعوديات إلى تعذيب شديد ومورس بحقهن أقصى الضغوط النفسية بل وأجبرن على الإدلاء باعترافات غير صحيحة وانتزاع أقوال وتهم مختلقة منهن بشكل غير قانوني.