قالت 3 مصادر لـ “ميدل إيست آي”، إن الحكومة الكندية منحت حق اللجوء لمسؤول استخباراتي سعودي سابق قوي، تم اعتباره تهديدا لحكم ولي العهد “محمد بن سلمان”.
ووصف بعض المراقبين “سعد الجابري”، الذي كان في السابق مستشارا موثوقا به لـ”محمد بن نايف”، منافس ولي العهد، بأنه أكثر السعوديين المطلوبين خارج المملكة.
وكان “الجابري” قد فر من المملكة عام 2017، قبل وضع “بن نايف” رهن الإقامة الجبرية واستبداله بابن عمه البالغ من العمر 31 عاما.
ويثير لجوء “الجابري” في كندا أسئلة جديدة حول خلاف دبلوماسي غير مسبوق بين أوتاوا والرياض منذ صيف 2018.
وكان “بن نايف” من بين العديد من أفراد الأسرة المالكة والمسؤولين الذين اعتقلهم ولي العهد السعودي، قبل نحو أسبوع، فيما يعتقد أنه آخر محاولة له لتعزيز السلطة. ولم تصدر الحكومة السعودية حتى الآن بيانا رسميا بشأن الاعتقالات.
وقبل ذلك بـ 3 أعوام، كان ولاؤه لـ “بن نايف”، ومعرفته الممتدة لعقود من العمل الداخلي لوزارة الداخلية القوية في المملكة، وثروته الشخصية، هي الأمور التي جعلت “الجابري” هدفا لولي العهد الشاب ما دفعه للهرب.
وقال مصدر مطلع على الموقف تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: “لنفترض أنه قد يكون هناك انقلاب في السعودية. فسيكون هو أكبر تهديد. لديه المال والسلطة للقيام بشيء ما”.
ويقول مصدر آخر، إنه حتى في كندا، استمرت ملاحقة المسؤول السابق، حيث تلقى رسائل تهديد من “بن سلمان”. وقال المصدر إن هناك مخاوف أيضا من أن تكون هناك محاولة على الأراضي الكندية لإعادة “الجابري” إلى المملكة.
وسعت “ميدل إيست آي” للحصول على تعليق من “الجابري” وعائلته عبر عدة قنوات، لكنها لم تتلق ردا حتى وقت النشر.
- الصراع على السلطة
وخلال الفترة التي قضاها في وزارة الداخلية بالمملكة، شارك “الجابري” بشكل وثيق في نشاط مكافحة الإرهاب.
ومع بداية صعود “بن سلمان” إلى السلطة، في يناير/كانون الثاني 2015، بعد وفاة الملك “عبدالله” وصعود الملك “سلمان” إلى العرش، نشأ صراع على السلطة داخل الوزارة بين “الجابري” ومسؤول آخر رفيع المستوى في الوزارة، وهو اللواء “عبدالعزيز الهويريني”.
ومن المفهوم أن لكل من “الجابري” و”الهويريني” علاقات وثيقة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية تحت قيادة “بن نايف”، الذي أثبت نفسه كمحور رئيسي في المملكة حتى قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الأمريكيين.
وقالت المصادر إن التوترات جاءت بسبب اختلاف ولاءاتهم؛ فقد دعم “الجابري”، “بن نايف” الذي كان آنذاك وليا للعهد، بينما فضل “الهويريني”، “محمد بن سلمان”، ما هيأ المسرح للأمير الشاب بشكل متزايد، مع طرد كل من “الجابري” و”بن نايف” في نهاية المطاف.
وبحسب ما ورد، التقى “الجابري” في سبتمبر/أيلول 2015 بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية آنذاك “جون برينان”، خلال رحلة إلى واشنطن لم يخطر بها “محمد بن سلمان”. وعندما عاد “الجابري” إلى وطنه، تمت إقالته بمرسوم ملكي.
وقال كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست”، “ديفيد إجناتيوس” في وقت لاحق إن إقالة “الجابري” كان يجب أن تكون إشارة إنذار مبكر بأن “بن سلمان” يمكن أن “يقفز بالمملكة إلى أعلى أو يدفعها إلى الهاوية”.
وبعد محنة “بن نايف”، ورد أن “الهويريني” قد تم إبعاده من منصبه واقتصر على البقاء في منزله لفترة وجيزة.
وقال مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” في ذلك الوقت، إن خسارة كل من “بن نايف” و”الهويريني” قد تضعف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع المملكة.
ولكن في غضون شهر، تمت ترقية “الهويريني” لقيادة مديرية أمن الدولة التي تم إنشاؤها حديثا آنذاك، والتي تتولى مسؤولية الأمن القومي.
وبحسب ما ورد، حصل على ملفات المخابرات المحلية وقوات العمليات الخاصة وأنشطة مكافحة الإرهاب بدلا من وزارة الداخلية. وبحلول ذلك الوقت، كان “الجابري” قد هرب منذ أسابيع.
- ملاحقته في كندا
وبعد فراره بدايةً عبر ألمانيا في صيف عام 2017، سافر “الجابري” إلى الولايات المتحدة ومكث في منطقة بوسطن. وخلال هذا الوقت، كتب منشورا على مدونة لمركز “بلفر” بجامعة هارفارد.
ومع ذلك، وبالرغم من العلاقات المكثفة مع مجتمع الاستخبارات الأمريكية كمساعد لـ “بن نايف”، قال مصدران مطلعان إنه لم يشعر بالأمان في الولايات المتحدة مع وجود “دونالد ترامب” في السلطة. وبدلا من ذلك، ذهب إلى كندا حيث قام المسؤولون بتأمين ملجأ له في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وبعد شهر لحق به العديد من أفراد عائلته.
وقال مصدر إنه عندما وصل إلى كندا، كان يلاحقه السعوديون الذين كانوا على استعداد لفعل أي شيء لإعادته.
وأشار إلى أن “الجابري” لم يفضل كندا على الولايات المتحدة فقط بسبب المخاوف الأمنية، بل أيضا لأنه قد يكون من الأسهل إحضار عائلته.
- غضب “بن سلمان”
وربما يثير الكشف عن مساعدة الحكومة الكندية لـ “الجابري” وعائلته تساؤلات حول الخلاف الدبلوماسي الذي اندلع بين أوتاوا والرياض في أغسطس/آب 2018.
وحتى الآن، بدأ الخلاف بحسب ما هو معلن بعد أن قامت سفارة كندا في الرياض بكتابة تغريدة بالعربية تدعو إلى إطلاق سراح ناشطين حقوقيين.
وفي غضون 48 ساعة من التغريدات، سحبت المملكة مبعوثها وطردت السفير الكندي وجمدت جميع المعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين البلدين، تاركة المراقبين المتمرسين مذهولين.
وتقول مصادر مطلعة على لجوء “الجابري” في كندا، إنها تعتقد أن إيواء المسؤول السابق يفسر بشكل أفضل سبب تصاعد الخلاف بهذه السرعة.
وحذر مصدر دبلوماسي كندي من ربط وجود “الجابري” في البلاد بالنزاع الذي قال إنه يعتقد أنه لا علاقة له به.
- خارج الرادار
وكان “الجابري” خارج نطاق الرادار منذ مغادرته المملكة، بالرغم من أن العديد من المصادر السعودية والخليجية أخبرت “ميدل إيست آي” أنهم سمعوا أنه في كندا.
وقال معارض سعودي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “لقد بقي بعيدا عن أعين الناس. لقد رصده عدد قليل من الناس بالصدفة”.
فيما أضاف “بروس ريدل”، محلل وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق ومدير مشروع الاستخبارات في “بروكنجز”، أنه ليس مندهشا من أن “الجابري” وجد كندا أكثر ترحيبا من الولايات المتحدة.
وتابع: “إن أي شخص معارض معرض لخطر الإكراه على العودة أو القتل على الفور”. وتتجاهل إدارة “ترامب” هذه المشكلة.
وقال معارضون سعوديون يعيشون في الولايات المتحدة وفي دول أخرى، إن رد “ترامب” على قتل “جمال خاشقجي”، مقترنا بعلاقات الإدارة الوثيقة بالمملكة، جعلهم قلقين بشأن أمنهم في الولايات المتحدة.
وفي وقت سابق من هذا العام، قال “عبدالرحمن المطيري”، وهو شاب سعودي يعيش في كاليفورنيا وتحدث بعض المرات ضد ولي العهد، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي أحبط محاولة من الحكومة السعودية لاختطافه على الأراضي الأمريكية.
وقال المعارضون السعوديون لـ “ميدل إيست آي”، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي سعى إلى إبعاد نفسه عن البيت الأبيض.
لكن الأمر لا يتعلق بـ “ترامب”، فقد تم إعادة معارضين وأمراء سعوديين قسرا في السابق إلى المملكة قبل عام 2015. ومنذ ذلك الحين، كان هذا مجرد اتجاه صعد بقوة بعد وصول “بن سلمان” للسلطة.