تتصاعد التحديات أمام تحالف نظام آل سعود في حربه العدوانية على اليمن المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام على خلفية التطورات الإقليمية في كل من السودان وسلطة عُمان.
وأعلن الجيش السوداني عن تقليص قواته الموجودة في اليمن من خمسة آلاف إلى 657 جنديا. وصرح الناطق باسم قوات الدعم السريع التابعة للجيش السوداني العميد جمال جمعة آدم إن مجموعة “بسيطة” تبقت من القوات السودانية في اليمن، وهي آخر قوة موجودة هناك وتمثل 657 فردا.
وأضاف “حتى رئاسة القوات السودانية رجعت إلى (العاصمة) الخرطوم”، مشيرا إلى أن قوات بلاده كانت لديها مهام دفاعية ضمن قوات التحالف السعودي الإماراتي هناك.
وأوضح أن “القوات السودانية الموجودة في اليمن كانت تعمل ضمن قطاعين، قطاع الإمارات داخل عدن (جنوب)، والقطاع السعودي الذي يمتد من الحدود السعودية اليمنية، في حين ظلت القوات السودانية في الجبهات الدفاعية تعمل مع قوات التحالف”.
يشار إلى أن السودان يشارك في حرب اليمن التي يقودها التحالف السعودي الإماراتي منذ مارس/آذار 2015، وقد أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك يوم 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي أن عدد القوات السودانية العاملة حينئذ في اليمن هو خمسة آلاف.
وفي تصريحات صحفية عقب عودته من واشنطن، قال حمدوك إن بلاده “بدأت سحب قواتها من اليمن تدريجيا”، وكشف أن العدد “تقلص من 15 ألف جندي إلى 5 آلاف جندي”.
في هذه الأثناء تسود توقعات بتعزيز عُمان دورها في اليمن في المرحلة المقبلة عقب وفاة سلطانها قابوس بن سعيد، عن 79 عاما، قضى منها 50 عاما حاكما للسلطنة مكرسا مبدأ عدم التدخل في السياسات الداخلية للآخرين، ومحاولة نسج علاقات متوازنة مع كل الفرقاء الإقليميين والدوليين.
وفي الملف اليمني، وهو الأهم بالنسبة للسلطنة وسلطانها الجديد هيثم بن طارق، فقد اتخذت مسقط منذ البداية، مواقف الحياد، والوقوف على مسافةٍ واحدةٍ من جميع الأطراف.
لكن المراقب للسياسة العُمانية أخيرا يلاحظ تحوّلا واضحا فيما يتعلق بالأزمة في محافظة المهرة اليمنية الحدودية للسلطنة، وذلك في التدخل العُماني ضدا للسياسات السعودية والإماراتية هناك، بدعم القوى الرافضة للوجود السعودي الإماراتي في المحافظة.
وهذا التوجه جديد على السياسة الخارجية العُمانية، قد يقود إلى تساؤل مهم عما إذا كان قد طرأ شيءٌ على السياسة العُمانية، وخصوصا في ظل طول أمد الحرب في اليمن، وتورّط السعوديين والإماراتيين في المشهد الداخلي اليمني، ما قد يدفع مسقط إلى المواجهة مستقبلا مع هذين الطرفين الخليجيين في اليمن، وهو ما سيكسر قاعدةً ذهبيةً في السياسة العُمانية، سيكون سببها انفراط عقد الدولة اليمنية التي ظلت سياجا أمنيا حصينا لمنظومة الأمن القومي لمنطقة الجزيرة العربية كلها.
وتثار تساؤلات حول احتمال تحول كبير في السياسة العُمانية وفي ظل أن السلطان الجديد هيثم بن طارق، ملتزم بنهج سلفه السلطان قابوس؟ وإلى أي مدىً يمكن أن تدفع الأزمة اليمنية المشهد الخليجي كله إلى مربع الحرب، في ظل سعي الجميع حتى الآن إلى أن يظل اليمن ساحة صراع ومنطقة نفوذ معطلة من سيادة الدولة اليمنية التي سيمثل تغييبها وتعطيلها متاهةً كبيرةً، وتهديدا حقيقيا لمنظومة أمن دول الجوار الخليجي وطريق التجارة الدولية في البحرين العربي والأحمر.
وستمثل الحرب والأزمة اليمنية اختبارا حقيقيا للسلطان هيثم بن طارق ومنظومة حكمه، ومرحلته الجديدة هذا، وأن نجاحه بالنأي بالسلطنة عن أي أزماتٍ خارجيةٍ مرهونةٌ بما يمكن أن يحققه في المشهد اليمني، بعيدا عن أي توجهاتٍ وأجنداتٍ أخرى، بدافع الخصومة غير المعلنة مع السعودية والإمارات، أو التحالف أيضا مع إيران.
في هذه الأثناء ينعكس قلق نظام آل سعود إزاء تطورات قادمة على صعيد حرب اليمن بإعلانه اتخاذ إجراءات احترازية لضمان سلامة المنشآت النفطية.
وقبل يومين صرح وزير الطاقة في نظام آل سعود عبد العزيز بن سلمان “اتخذنا جميع الإجراءات الاحترازية الممكنة” بشأن سلامة المنشآت النفطية.
ويبدو آل سعود أكثر حساسية للتوترات في المنطقة، حيث يخشى المسؤولون أن تتعرض منشآتها النفطية لهجمات، بينما كانت إيران قد هددت بالفعل خلال التوترات الأخيرة بين واشنطن وطهران بأن يشمل ردها الانتقامي على اغتيال القائد العسكري البارز قاسم سليماني مطلع الشهر الجاري، دولاً حليفة للولايات المتحدة في المنطقة.
وكان نفط المملكة تعرض لضربة موجعة منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، حيث فقد نحو نصف إنتاجه في أعقاب هجمات تبناها الحوثيون في اليمن على منشآت رئيسية تابعة لشركة أرامكو شرق المملكة.
ولا يتوقع أن تقتصر الأضرار على صناعة النفط حال عودة التوترات إلى التصعيد، وإنما تمتد إلى ديون السعودية والاستثمارات المختلفة؛ فخلال الأسبوع الماضي، قفزت كلفة التأمين على ديون السعودية، تحديداً يوم الإثنين الماضي، بنسبة كبيرة بلغت 16.3 في المائة، وسط خطر التخلف عن السداد، وفقا لبيانات مؤسسة “آي.اتش.اس ماركت” العالمية للأبحاث.
والقفزة المسجلة في كلفة التأمين على ديون المملكة، جاءت في ظل تبادل الولايات المتحدة وطهران التهديدات بعد اغتيال سليماني دون أن تطاول الأضرار المملكة بشكل مباشر، بينما جاءت الكلفة أعلى من تلك التي أعقبت الهجمات على منشآت النفط السعودية قبل نحو أربعة أشهر.
وتحولت دول الخليج الغنية بالنفط، وعلى رأسها المملكة، إلى أرض خصبة للديون في السنوات الأخيرة بعد تهاوي أسعار النفط.
وارتفعت ديون الخليج إلى 501 مليار دولار، بنهاية الربع الثاني من العام 2019، مقابل 478 مليار دولار في الربع الأول من العام نفسه، وفق تقرير لبنك الكويت الوطني حول تطورات سوق أدوات الدين، نشر في أغسطس/ آب الماضي.