خاص: في الوقت الذي يدعم فيه ولي العهد السعودي “ابن سلمان” كأس العالم للسيدات 2023، والمزمع عقده في كلاً من أستراليا ونيوزيلندا، في الفترة من 20 يوليو/ تموز إلى 20 أغسطس/ آب القادمان، تعاني المرأة السعودية من أسوء عهود الانتقام منها والتمييز ضدها، رغم ما يشاع عن دعاوى تمكينها التي ترددها أبواق النظام في المملكة.
ففي عهد “ابن سلمان” تم الزج بالنساء بأعداد كبيرة في السجون والمعتقلات بدعاوى كثيرة منها زعزعة الاستقرار! حتى أن الاعتقالات طالت أميرات من الأسرة السعودية المالكة، في واقعة تعد الأولى من نوعها، وهو ما حدث مع الأمير بسمة بنت آل سعود.
– دعاوى التمكين وحقيقتها:
من الصعب مناقشة حرية المرأة وتمكينها؛ بينما تحاكم السعودية النساء والرجال على أنهم إرهابيون بسبب انخراطهم في السياسة! ولكن حتى الحريات الدنيوية في حياة المرأة لا تزال مقيدة.
فمن الصحيح أن محمد بن سلمان ألغى بالفعل الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، والذي كان دائمًا مصدرًا غريبًا للازدراء الدولي، كما أزال بعض الإنفاذ القانوني لنظام الوصاية المخيف، الذي وضع كل امرأة سعودية تحت السيطرة شبه الكاملة لأحد أفراد الأسرة الذكور، ويُعتقد أن المزيد من النساء دخلن سوق العمل الآن بعد أن سمحت لهن الحكومة بالتنقل بسهولة أكبر، كما قام بتشويه سمعة الشرطة الدينية سيئة السمعة وأنهى الفصل الإلزامي بين الجنسين الذي كان مفروضًا في الأماكن العامة، وهذه كلها تغييرات حقيقية؛ لكن السؤال المعقد هو: من يمكنه الاستفادة منها؟
فعلى سبيل المثال؛ فعندما أعلنت المملكة أن النساء يمكنهن القيادة، قامت باعتقال النساء اللواتي قمن بحملات بلا كلل وعلانية من أجل هذا الحق على وجه التحديد وحبسهن بعيدًا؛ حيث قالت عائلة إحدى أبرز الناشطات من أجل الحق في القيادة، لجين الهذلول، علنًا إنها تعرضت للتعذيب والتحرش الجنسي أثناء احتجازها؛ ويقول محققو حقوق الإنسان إن آخرين تعرضوا لسوء المعاملة. عند إطلاق سراحهم؛ تعرضت النساء وحتى أفراد أسرهن لحظر السفر، وحظر مغادرة المملكة العربية السعودية أو التحدث علنًا عن السياسة.
وهناك منطق قاس لهذا التناقض الظاهر: فقد ضرب محمد بن سلمان عنصرين سياسيين محرجين؛ حظر القيادة والنساء اللواتي تجرؤن على الاحتجاج على الأسرة الحاكمة؛ حيث قال عبد الله العودة، الباحث القانوني السعودي ومدير الأبحاث في منظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن “DAWN”، وهي منظمة حقوقية وثقت اعتقالات ناشطات القيادة من خلال المقابلات وسجلات المحكمة: “في الوقت نفسه؛ يريد استخدام راية تمكين المرأة غير المفعلة في الحقيقة”.
وتتطرق قصة السيدة الهذلول، التي تم الإفراج عنها العام الماضي، إلى تناقض آخر في سعي المملكة العربية السعودية الاسمي لتحقيق المساواة للمرأة: وهن سفرائها؛ حيث عينت المملكة لأول مرة امرأة في منصب السفيرة في عام 2019، عندما تم إرسال الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان إلى واشنطن، وسرعان ما تم تعيين امرأة ثانية، أمل المعلمي سفيرة في النرويج، والتي يشغل شقيقها – منذ فترة طويلة – منصب مندوب المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة.
– سلمى الشهاب رمزًا للمرأة السعودية:
سلمى الشهاب، هي أم لطفلين يبلغان من العمر 4 و6 سنوات، وهي طالبة دكتوراه في بريطانيا، تم اعتقالها في يناير 2021، خلال إجازتها في المملكة، وحكم عليها بأكبر حكم ضد نسوية في تاريخ المملكة، وهو السجن لمدة 34 عامًا، والمنع من السفر لمدة مثلها.
بقت “الشهاب” محتجزة رهن جلسات تحقيق مطولة لمدة 285 يومًا قبل إحالتها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، حيث وجهت إليها النيابة العامة عددًا من التهم من بينها: تقديم الإعانة لمن يسعون إلى خلخلة النظام العام، وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، ونشر إشاعات كاذبة ومغرضة في تويتر.
والحكم المنزل بحقّها (34 سنة) عبارة عن مجموعة من الأحكام، تمثلت في التالي؛ ثمان، و10، وخمس، وخمس أخرى، كلّها مستندةٌ إلى مواد مختلفة من نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، وسنة واحدة رجوعً إلى نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وخمس سنوات إضافية أنزلت على “الشهاب” تعزيرًا، وذلك بعد حكم أولي مدته ست سنوات أنزلت أواخر العام الماضي، قرر الاستئناف زيادته إلى مدته الحالية.
من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ليز تروسيل، تعليقًا على الحكم القاسي: “نحن مستاؤون من إدانة طالبة الدكتوراه سلمى الشهاب.. بخصوص مجموعة تغريدات، وإعادة تغريدات تتعلق بمواضيع سياسية وحقوق الإنسان في السعودية”.
وأضافت المتحدثة في بيان: “ما كان يجب أن توقف وتدان لسلوك مماثل”، مطالبة “السلطات السعودية بإلغاء الحكم وإطلاق سراحها فورا وبدون شروط”.
وأعربت عن قلقها حيال “هذه الإدانة الطويلة الأمد في شكل استثنائي”، وحيال ما يمكن أن تخلفه من أثر على “منتقدي الحكومة، وعلى المجتمع المدني بصفة عامة” في المملكة.
كما أدانت المفوضية الأمريكية للحريات الدينية الحكومية، ما وُصف بأنه “أطول محكومية سجنية بحق ناشط سلمي في تاريخ السعودية”، بعد صدور حكم بسجن الناشطة “سلمى الشهاب” 34 عاما.
وتابعت المفوضية في تقرير الإثنين: “في 15 يناير/كانون الثاني 2021، اعتقلت السلطات سلمى، وهي شيعية وطالبة دكتوراه في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، بينما كانت في إجازة بالمملكة العربية السعودية”.
كذلك عبرت وزارة الخارجية الأمريكية للسعودية عن قلقها الشديد بشأن الحكم بالسجن 34 عاما على الناشطة “سلمى الشهاب”.
من ناحيته، قال المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس، عن الحكم الصادر بحق المرأة السعودية: “عبرنا للسلطات السعودية عن قلقنا الشديد”، مضيفًا: “أوضحنا لهم أن حرية التعبير هي حق إنساني عالمي”.
وفي نفس السياق، قام أكثر من 400 أكاديمي بريطاني، بما في ذلك موظفين وطلاب باحثين من جامعات وكليات المملكة المتحدة المختلفة، بتقديم رسالة للحكومة البريطانية للضغط عليها لاتخاذ إجراءات عاجلة بشأن قضية الناشطة السعودية المحكومة عليها بـ34 عامًا، سلمى الشهاب.
وتدعو الرسالة رئيسة الوزراء، ليز تروس، ووزير الخارجية، جيمس كليفرلي، إلى “الإدانة العلنية للحكم على سلمى الشهاب، وتقديم احتجاجات لنظرائهم السعوديين للإفراج عنها فورًا”.
كما تؤكد الرسالة على ضرورة أن تتمكن “الشهاب” من الالتحاق بالعام الدراسي الجديد، بدلاً من أن تقبع خلف القضبان بسبب “جريمة التغريد بآرائها المشروعة”.
أيضًا طالبت 35 منظمة حقوقية المجتمع الدولي للضغط على السلطات السعودية لكي تفرج فورًا ودون شروط عن ناشطة حقوق المرأة والأكاديمية، سلمى الشهاب، بعد أن حكم عليها مؤخرًا بالسجن لمدة 34 سنةً على خلفية تغريدات أيدت فيها حقوق المرأة ودعت لاحترام الحقوق الأساسية.
وأدانت المنظمات بأشدّ العبارات الاعتقال التعسفي لـ”الشهاب”، والحكم غير الشرعي المنزل بحقّها، وما يشكّله من تصعيد إضافي لوتيرة قمع حرية التعبير في السعودية.
وأشارت المنظمات إلى أنه خلافًا لما ينصّ عليه خطاب السلطات حول حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة والإصلاحات القانونية، ما زالت قيادات التغيير الإصلاحي – النشطاء الداعون للحقوق الأساسية – يتعرضون للاستهداف الوحشي وتكميم الأفواه، بقوانينَ قمعية تستخدم لتجريم كلماتهم الحرة ونشاطهم السلمي.
كما لفتت المنظمات إلى أن هذا الحكم الجائر يتبع زيارةً أخيرة من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للسعودية، وقبلها استضافة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، في باريس، فلهذه اللقاءات، التي تعقد دون شروط مسبقة واضحة، أنْ شجعت القيادات السعودية على مواصلة نهجها لانتهاك حقوق الإنسان، وهو ما حذّر منه عدد من الموقعين أدناه قبل زيارة “بايدن”.
واختتمت المنظمات بيانها بقولها: “وإنْ كان للتقدم الفعلي نحو احترام حقوق الإنسان والحريات في البلاد أنْ يحدث، فلن يكون ذلك إلا بالضغط الدولي المستدام على السلطات السعودية، وعليه ندعو المجتمع الدولي، وبالخصوص الدول التي تملك علاقاتٍ دبلوماسية مؤثرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، للضغط على السلطات السعودية لتفرج عن سلمى الشهاب إفراجًا فوريًّا غير مشروط وتلغي إدانتها، وتفرج عن كافة المعتقلين حاليًّا في البلاد لممارستهم السلمية لحقوقهم الأساسية”.
وفي النهاية تبقى الوقائع هي خير دليل على مدى صدق الأقوال، وكل ما يقوله النظام السعودي على دعمها للمرأة تمكينها، كلها دعاوى فارغة من مضمونها، طالما بقت “الشهاب” وغيرها من الناشطات داخل سجون “ابن سلمان”، ولن تنفعه المليارات التي سينفقها على البطولات الرياضية لكي يتأكد العالم والمجتمع الدولي أنه “قامع المرأة السعودية” الأول وبجدارة.