خاص: رصدت العديد من التقارير الإخبارية حالة من التناغم بين المملكة العربية السعودية وتركيا؛ خصوصًا بعد التصريحات السياسية التركية الصادرة عن مسؤولين رسميين بالدولة ، تؤكد رضاها عن تعامل القضاء السعودي مع قتلة الصحفي “جمال خاشقجي”، رغم التصريحات التركية الرسمية المنافية لذلك من قبل.
وكان إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئيس التركي، رحب الاثنين الماضي، بالمحاكمة التي أجرتها السعودية وقضت العام الماضي بسجن ثمانية متهمين بقتل خاشقجي بين سبع سنوات و20 عاما.
وقال “قالن”: “لديهم محكمة أجرت محاكمات.. اتخذوا قرارهم، وبالتالي فنحن نحترم ذلك القرار”، مشيرا إلى أن بلاده تأمل في إنهاء المقاطعة والبحث عن سبل إصلاح العلاقات بأجندة أكثر إيجابية مع السعودية.
ولكن تأتي الرياح دائمًا بما لا تشتهي السفن، فهناك عقبات عدة في طريق المصالحة السعودية التركية قد تعيد الأزمة لما كانت عليه، بل وتزيدها تعقيدًا، ومن ضمن تلك العقبات:
ولي العهد السعودي:
فمحمد بن سلمان، كان هو المحرك الأول والأساسي لفكرة المقاطعة الاقتصادية لتركيا بعد الموقف الرسمي العدائي التركي منه شخصيًا عقب مقتل “خاشقجي”، والذباب الإلكتروني الذي يديره مستشارو “ابن سلمان” هم الذين أداروا عملية الترويج لفكرة المقاطعة عبر السوشيال ميديا وإقناع الشعب السعودي بجدواها وعدالة موقف ولي عهدهم أمام الجور التركي، على حد زعمهم، وتجييش إمكانيات الدولة السعودية من أجل تنفيذ المخطط الذي يريده “ابن سلمان” من أجل فقط الانتصار لكرامته أمام الهجوم التركي على شخصه.
ورغم أن تسريبات من داخل أروقة الحكم السعودية عبر مصادر عدة، أكدت أن “ابن سلمان” تمت تنحيته من فوق رأس العديد من الملفات المهمة بالمملكة من قبل أبيه الملك “سلمان”، وهذا يفسر سر التحول في كثير من الملفات الكبرى العالقة؛ مثل أزمة اليمن، والأزمة مع تركيا، وملف مقاطعة قطر الذي انتهى، فشخصية مثل شخصية ولي العهد من الصعب أن يغير قناعاته بسهولة وسريعًا إلا إذا كان هناك ضغط من جهة أعلى لتسوية الأمور.
ورغم ذلك فمن الممكن أن يقف “ابن سلمان” حجر عثرة في طريق المصالحة مع تركيا، إذا لم يضمن بقاء رد الفعل التركي اتجاهه في الوضع الطبيعي بين حكام الدول، أي أن تبقى الكثير من الأمور مثار الجدل داخل أروقة الحكم.
أزمة المدارس التركية بالمملكة:
ذكرت مصادر تركية، الخميس، أن السلطات السعودية أبلغت رسمياً ونهائياً بإغلاق 8 مدارس تركية في البلاد مع نهاية العام الدراسي الجاري، في أبرز وأحدث مؤشر على تعثر مساعي المصالحة القائمة بين أنقرة والرياض، على الرغم من التصريحات التركية الإيجابية تجاه السعودية.
وأضافت المصادر أنه رغم وجود اتصالات ومساعٍ حثيثة منها ما هو ما معلن وأخرى غير معلنة لإصلاح العلاقات بين البلدين عقب تجاوز ملفات الخلاف الأساسية، إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت نوعا من التباطؤ في هذه المساعي مع عدم تحقيق أي تقدم ملموس، وفقا لما أوردته صحيفة “القدس العربي”.
لكن المصادر لا تستبعد أن يكون القرار السعودي محاولة للضغط على أنقرة لتحريك بعض الملفات التي يجري التفاوض حولها، وهو ما يعني إمكانية تحقيق تقدم في وقت لاحق.
وكانت وكالة الأناضول التركية الرسمية قد نقلت عن مصادر دبلوماسية تأكيدها أن وزارة التعليم السعودية أبلغت المدارس التابعة لنظيرتها التركية في كلّ من تبوك، والرياض، والطائف وجدة، كتابياً بقرار الإغلاق. كما أجرى مسؤولو وزارة التعليم السعودية زيارات إلى المدارس التركية في الدمام وأبها، وأبلغوها شفهياً بقرار الإغلاق، نهاية العام الدراسي. كما يشمل قرار الإغلاق المدارس التركية في مكة المكرمة والمدينة المنورة أيضا.
قضية “خاشقجي” والمحاكم التركية:
نعم كانت التصريحات التركية الرسمية حول قضية “خاشقجي” موافقة لهوى القائمين على الأمر في المملكة السعودية؛ ولكن الواقع يقول إن هناك قضية منظورة أمام إحدى المحاكم التركية بإسطنبول للنظر في القضية، فتلك تصريحات سياسية حسب مصالح الدولة، وتلك إجراءات قانونية واجب اتباعها.
ويبقى أن القضاء التركي ليس كالقضاء السعودي، فهو قضاء مستقل لا يمكن للدولة التركية أن تتدخل في طريقة إدارته للأمور، وإلا فإنه من الممكن أن يخسر الحزب الحاكم أيًا كان أصوات الناخبين في الانتخابات، لذا لن تجرؤ الدولة التركية مهما وصلت درجة المصالحة بينها وبين السعودية على التدخل في الشؤون القضائية الخاصة بقضية “خاشقجي”، والتي من الممكن أن تنتهي بإدانات كبيرة وواسعة لكثير من المسؤولين السعوديين الكبار، بل إنها من الممكن أن تطال “ابن سلمان” ذاته، حينها سوف يقوم بهدم المعبد على الجميع، ويعيد الأزمة إلى بداياتها، بل من الممكن أن يزيدها تفاقمًا.