بقلم/ حسين إبراهيم
التهافت الغربي لاسترضاء وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، فتح له الباب واسعاً للعودة إلى ممارسة القمع بأشدّ صوره. وللمقارنة فقط، عندما لوّح الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالعصا في وجه ابن سلمان، إثر فوز الأوّل في انتخابات الرئاسة عام 2020، اضطرّ حاكم السعودية الفعلي لتقديم تنازلات في ما تسمّيه واشنطن «ملفّ حقوق الإنسان»، حيث وجّه بإطلاق سراح الناشطات لجين الهذلول وسمر بدوي ونسيمة السادة وغيرهنّ، ولوْ مع منع سفر.
إلا أنه حينما اضطرّ قادة الغرب، ومنهم بايدن، لاسترضاء بن سلمان، طمعاً في خفْض أسعار النفط، قضت محكمة سعودية بسجن السعودية سلمى الشهاب 34 عاماً، تليها 34 عاماً أخرى منْع سفر، عقاباً لها على مجرّد تغريدة، واتّباعها بعض المعارضين على «تويتر».
وإذا أمضت الشهاب البالغة من العمر 33 عاماً هاتَين العقوبتَين، فيعني ذلك أنها لن تستطيع الخروج من المملكة مجدّداً، إلّا عندما يصبح عمرها 101 سنة، إذا أمدّ الله في عمرها.
تغوُّل ابن سلمان الذي لا يتورّع عن دفن أمّ لطفلَين حيّةً لأنها كتبت في تغريدة مثبّتة على حسابها على «تويتر»: «الحرية لمعتقَلي الرأي ولكلّ مظلوم في العالم»، لا يضاهيها سوى تمرُّس الغرب في رفع الشعارات المراوِغة، التي تهدف بالضبط إلى التغطية على الانتهاكات نفسها التي تتناولها تلك الشعارات.
ولولا المصالح المتضاربة في الغرب، والتي تُبرزها الحملات الإعلامية، لما كان تمّ تناول مثل هذه القضايا. فعلى سبيل المثال، أثارت قناة «فوكس نيوز» اليمينية قضية الشهاب، فقط لتُظهر نفاق إدارة بايدن الذي جاء إلى الحُكم بوعْد جعْل السعودية دولة «منبوذة»، ومقاطعة ابن سلمان ومحاسبته على انتهاكات حقوق الإنسان، قبل أن ينقلب على نفسه انقلاباً كاملاً.
وعندما سُئل الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، عن القضية نفسها، لم يجرؤ على توجيه انتقاد خاص إلى السعودية، وتَجنّب الإجابة بشكل مباشر، قائلاً إن «حرية التعبير يجب أن لا تُجرَّم في أيّ بلد».
لكنّ السناتورة الأميركية، دايان فينستين، هاجمت المملكة، وقالت إنها «منزعجة جدّاً من الحُكم»، عاكسةً نظرة الرأي العام الأميركي إلى السعودية، حيث عبّر ثمانية من كلّ عشرة أشخاص، في استطلاع حديث للرأي، عن نظرة سلبية إلى حقوق الإنسان في المملكة.
التهمة التي سيقت ضدّ الشهاب، هي «الإخلال بالنظام العام والإساءة إلى أمن المجتمع واستقرار الدولة، ودعم أولئك الذين ارتكبوا جرائم بحسب قانون مكافحة الإرهاب وتمويله».
تهمةٌ تُثير الكثير من الأخيِلة حول ما قد يكون رجالات النظام، الذين صارت لديهم شهرة عالمية في أساليب التعذيب والاغتصاب، من أمثال سعود القحطاني، قد فعلوه بتلك المرأة خلال 265 يوماً من التحقيق.
وكانت سلمى اعتُقلت لدى عودتها من بريطانيا في كانون الأول 2020 لقضاء إجازة، بناءً على وشاية على تطبيق «كلنا أمن» – وهو موقع رسمي سعودي للتبليغات الأمنية -، قبل إحالتها إلى قضاء بن سلمان الذي ازداد قسوةً بعد الحملات المتكرّرة للأخير عليه، وآخرها اعتقال سبعة من القضاة الكبار ونقلهم إلى أماكن مجهولة خلال الأشهر الماضية.
وحُكم على الشهاب بالسجن ستّة أعوام في المحكمة عام 2021، لكنها عندما استأنفت الحُكم، وجدت محكمةُ الاستئناف أن «العقوبة غير كافية» وزادتها إلى 34 عاماً في السجن، في ما يمثّل، بحسب منظّمات لحقوق الإنسان، أطول عقوبة سجن لناشط سلمي على الإطلاق.
ويعني ذلك عملياً أن الشهاب ستقضي الجزء الأكبر من بقيّة عمرها خلْف القضبان، على أمر لا يُفترض أن يُعاقَب عليه المرء من الأساس، وهذه حالة فريدة في العالم، لم تصل إليها إلّا المملكة التي تدّعي إقامة حدود الله في العقوبات.
ويؤشّر الحُكم الجديد إلى أن ابن سلمان صار يشعر بأنه مطلَق اليد في قمع معارضيه، من دون أن يخشى تبعاتٍ مِن مِثل وقف بيع أسلحة له، بعدما تمكّن من «تطويع» قادة الدول الغربية، الذين يستخدمون سلاح حقوق الإنسان لابتزاز الأنظمة وانتزاع المكاسب منها.
ولكنّ القرار يدلّل، في الوقت نفسه، على أن وليّ العهد يتملّكه الخوف من معارضيه داخل الأسرة وخارجها، بحيث لم يَعُد يثق بأقرب المقرّبين إليه ومنهم إخوته، وصولاً إلى أبيه الذي يُقال إنه عزله فعلياً عن دائرة القرار، وأبقى له على مشاركات شكلية في بعض الاستقبالات.
وعلى رغم نجاح بن سلمان في إحكام سيطرته داخلياً بقوّة البطش، وانتزاع اعتراف عالمي به بقوّة النفط، إلا أن أحكاماً نافرة من هذا النوع لا يستطيع العالم هضمها، خاصة أن المعنيّة بالحُكم هذه المرّة، امرأة وأمّ لطفلَين، وطالبة دكتوراه بجامعة ليدز البريطانية، التي أعربت عن قلقها على مصير طالبتها، متسائلةً عمّا إن كانت تستطيع فعل شيء لمساعدتها، في ما يعكس حالة العجز لديها.
وخاصة أن حكومة لندن تبدو متواطئة مع بن سلمان، وهي التي يُعتبر رئيسها المُغادِر قريباً، بوريس جونسون، أحد عرّابي إعادة وليّ العهد إلى الساحة العالمية، في أعقاب العزلة التي عانى منها الأخير إثر اغتيال جمال خاشقجي.
كما أن جونسون من القلائل الذين لم يوقفوا بيع الأسلحة للسعودية على رغم معارضة الرأي العام البريطاني لذلك، باعتبار أن الأسلحة المُباعَة تُستخدم في المجازر ضدّ المدنيين الأبرياء في اليمن، قبل أن تعود واشنطن نفسها إلى بيع الأسلحة للمملكة أخيراً.
وجونسون هذا زار السعودية بعد أيام قليلة على إعدام 81 شخصاً في يوم واحد في آذار الماضي، وبرّر فِعلته بالحاجة إلى تخفيض أسعار النفط، وبالتأكيد لا ينتظرنّ أحد منه حتى مجرّد ذكر اسم تلك المرأة التي تعيش مع أسرتها في بلاده.