حمد العجمي
خاص: ومن مظاهر التغريب السياسي في المملكة العربية السعودية:
2ـ إبعاد المؤسسة الدينية وحصارها وإبعادها عن دورها المجتمعي
جوهر العلمانية هو فصل الدين عن الدولة وإبعاده عن دائرة التأثير في المجتمع والحياة، أول خطوات التغريب السياسي في أي مجتمع هو عزل الدين عن الحياة سواء من خلال إضعاف مؤسساته أو اعتقال رموزه أو إسقاطه من نفوس الناس، ولأن المملكة ذات شأن مختلف عن بقية الدولة إذ طبيعة تأسيسها قامت على نشر التوحيد وتطبيق الشرع، فإن التخلي عن تلك الطبيعة التأسيسية والقفز إلى علمانية الغرب سيكون لها ما بعدها.
إن استثمار السعودية في الوهابية كان بطلب من الحلفاء خلال فترة الحرب الباردة”، كانت هذه كلمات محمد بن سلمان في معرض دفاعه عن اقتران اسم السعودية بالحركة الوهابية، وتزامن هذا مع بعض الإجراءات التي نفذها محمد بن سلمان التي تروج للصورة ”العلمانية” للمجتمع السعودي، وكان من بينها الإعلان عن تعيين سيدة في منصب نائب وزير العمل للمرة الأولى في تاريخ الدولة السعودية.
يمكن القول إن كان هناك علاقة ارتباط بين الوجه الإسلامي للسعودية وتأسيس الدولة السعودية، امتدت تلك العلاقة لأكثر من قرنين زمنيين، وبالتحديد منذ قيام الشيخ محمد عبد الوهاب. ورغم الارتباط الظاهري والعلاقة المتجذرة بين آل سعود وآل الشيخ، إلا أنه يمكننا وصف نظام الحكم السعودي بأنه نظام علماني يستغل الدين لتحقيق أهدافه والشرعنة لسلطته. ذلك أن هناك فصلًا فعليًا للدين عن شئون السياسة واتخاذ القرار، ولا يحق للمشايخ سوى الحديث في أمور العقيدة والعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا الوصف بالطبع إلى ما قبل محمد بن سلمان إذ دشنت مرحلته تضييق المجال حتى في قضايا العبادات والأمر والنهي، لتتجه المملكة إلى العلمانية السافرة المعلنة.
كان هناك دوافع أخرى وراء علمانية ابن سلمان، منها تغيير الصورة الذهنية للمملكة في الغرب، ما يفسر لجوئه إلى الترويج لنفسه كقيادة ”ليبرالية” شابة تصعد في المنطقة، تؤمن بحقوق المرأة وتحاول تحديث المجتمع السعودي، وتنفي إيمان المجتمع السعودي بالقيم الدينية المتزمتة عن طريق إقامات حفلات وفتح المجال للمرأة في قيادة السيارة.
يشار كذلك “أن ابن سلمان قد ساهم في الحد بشكل كبير من دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث منعها من إلقاء القبض ومعاقبة المواطنين، وذلك في أبريل سنة 2016.
ولم يواجه العقد التاريخي بين الملكيّة والمؤسسة الدينية أي تحدٍ حقيقيّ من قبل بمثل هذا المستوى. أُعيد تصميم وتفسير المؤسسة الدينية في فترات الانتقال والأزمات لتعكس تغيّرات علاقات القوى بشكل أفضل، ولتتيح للشريكين أن يتحرّكوا بكفاءة أفضل.
والذي يقوم به النظام السعودي الآن هو عملية فسخ حقيقية للعقد بين الوهابية والملكيّة، لذا فإن كان النظام يرجو أن يستمر فهو في حاجة لإيجاد بديلًا اجتماعيًا. وفي الوقت الحالي لا يملك الأمير محمّد دعمًا كاملًا من النخب والسكان، ولا وضعًا اقتصاديًا سليمًا في سياق مرغوب، ليس لديه إلا ميوله الشخصيّة.
ما يؤكد ميل المملكة لإدارة ظهرها للمؤسسة الدينية وفسخ التعاقد معها ما صرح به السفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة، الذي قال إن “ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين هو حكومات علمانية”.
يمكن التأريخ لحركة فك الارتباط مع المؤسسة الدينية مع صعود محمد بن سلمان إلى المراتب الثلاث الأولى بمؤسسة الحكم السعودي في عام 2015، ثم تسلمه ولاية العهد، حيث بدأ التحول الحقيقي عن المؤسسة الدينية، لا سيما بعد إعلان إطلاق رؤية 2030 التنموية، التي قال بن سلمان نفسه: إنها “ستجعل من السعودية دولة على النمط الحديث”.
واللافت للانتباه أن ابن سلمان اتهم صراحة تيار “الصحوة” بالتطرف، علماً أن الحركة لم يعرف عنها أي نشاط سياسي أو مسلح ينشر أفكاراً “متشددة” كالقاعدة و”داعش”.
يؤكد ابن سلمان أن بلاده “ليست مستعدة لإضاعة 30 عاماً في محاربة الأفكار المتطرفة”، التي ربطها بـ”مشروع الصحوة”. وقال: “مشروع الصحوة والتطرف انتشر في المنطقة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة، فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب”.
وأن “70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونسهم في تنمية وطننا والعالم”.
وتوعد بن سلمان بالقضاء على ما سماه “بقايا التطرف” في القريب العاجل، مضيفاً: “اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه”. فالمؤسسة الدينية تتعايش مع أسرة آل سعود منذ منتصف القرن الثامن عشر فتمنحها شرعية الحكم الإسلامي مقابل نفوذها على قطاعات مهمة من الدولة مثل التعليم والقضاء وشبكة من المساجد والجامعات.
سعت السعودية منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم وإعطاء نجله ولي العهد، المزيد من الصلاحيات، إلى تقليل النفوذ الديني داخل المملكة بينما يقتصر حضور مثل هذه الهيئات على تحريم المعارضة السياسية للنظام، والإفتاء بضرورة السمع والطاعة والولاء الكامل للحاكم في كل الأحوال، حتى ولو كان على غير الصواب، ولعل التصريحات التي أدلى بها إمام الحرم المكي الشيخ عبد الرحمن السديس، بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، تجسد هذا التوجه بصورة لا تقبل الشك، وتكشف كيف تحول بعض رجال الدين إلى أداة لدعم النظام وتوجهاته بصرف النظر عن تعارضها مع أحكام الشرع، حيث قال في مقابلة مع قناة “الإخبارية السعودية”: “السعودية والولايات المتحدة قطبا هذا العالم في التأثير، وبزعامة الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يقودان العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والازدهار”.