على وقع الانقلاب في تونس الذي نفذه رئيس البلاد قيس سعيد، طالت دولا خليجية اتهامات بدعم وتأييد هذه الخطوة، التي تعتبر آخر مسمار في نعش الربيع العربي.
وتونس هي مهد الثورات العربية التي انطلقت هناك أواخر عام 2010 وبدايات 2011، وامتدت بعدها إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان والجزائر.
مواقف رسمية
بعض الدول الخليجية أصدرت بيانات عبرت فيها عن موقفها الرسمي مما يجري في تونس من تجميد للبرلمان وتولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية.
لكن دولا أخرى لم يصدر عنها شيء، بينما عبرت شخصيات قريبة من صناع القرار فيها عن تأييدها الواضح للانقلاب.
الموقف الرسمي السعودي، عبر عنه بيان أصدرته وزارة الخارجية للمملكة، في 20 يوليو/ تموز 2021، أكدت فيه أنها تحترم كل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي وتعده أمرا سياديا.
وشددت السعودية أنها تقف إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار الجمهورية التونسية الشقيقة. وتؤكد ثقتها في القيادة التونسية في تجاوز هذه الظروف وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي الشقيق وازدهاره.
ودعت الخارجية السعودية في بيانها المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف لمواجهة تحدياتها الصحية والاقتصادية.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فلم يصدر عنها أي موقف رسمي بخصوص ما يجري في تونس، فيما أكدت مملكة البحرين، خلال الجلسة الاعتيادية الأسبوعية لمجلس الوزراء، أنه تابع باهتمام آخر التطورات بالجمهورية التونسية الشقيقة.
وأعرب المجلس في بيان نشرته وكالة الأنباء البحرينية الرسمية في 19 يوليو/ تموز 2021 عن “تمنياته لتونس الشقيقة بتحقيق الخير والتقدم ومزيد من الاستقرار والنماء”.
وفي قطر، أجرى أمير الدولة تميم بن حمد آل ثاني، في 28 يوليو/ تموز 2021، اتصالا هاتفيا مع الرئيس التونسي، قيس سعيد، شدد فيه على ضرورة تكريس حكم القانون في البلاد التي تشهد أزمة سياسية.
وأشار أمير قطر إلى ضرورة تجاوز الأزمة السياسية الراهنة وأهمية أن تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوزها وتثبيت دعائم دولة المؤسسات وتكريس حكم القانون في الجمهورية التونسية الشقيقة من أجل مصلحة الشعب التونسي الشقيق والحفاظ على استقرارها.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه خارجية الكويت خلال بيان في 26 يوليو/ تموز 2021 أن وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي اتصل هاتفيا بنظيره الكويتي أحمد ناصر الصباح لإطلاعه على التطورات الراهنة في تونس، فإن سلطنة عمان هي الأخرى لم يصدر عنها أي موقف حيال تونس.
ابتهاج وتشفي
لكن الصحف الإماراتية والسعودية أظهرت موقفا متقاربا للدولتين، رغم تصاعد التوترات بينهما؛ بسبب الخلافات بشأن السياسة النفطية، والآراء الجيوسياسية، والمنافسة الاقتصادية.
إذ احتفت وسائل الإعلام هذه بقرارات الرئيس التونسي الأخيرة، واعتبرتها استجابة لاحتجاجات الشارع ضد “الإخوان المسلمين” في إشارة إلى حركة النهضة التونسية.
وتحت عنوان “بعد قرارات سعيد.. ماذا يحدث في تونس؟”، نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية، مقالا للكاتب عبد الله أبو ضيف يتهم حركة النهضة بالتسبب بالأزمات بالبلاد.
قال فيه: إن “حالة شديدة من الترقب بعد قرار الرئيس التونسي رفع الحصانة عن البرلمان وتعليق كافة سلطاته مع إقالة رئيس الحكومة التابع لـ”حركة النهضة الإخوانية” هشام المشيشي، وذلك على خلفية احتجاجات مستمرة ضد حركة النهضة وحرق مقارها في عدة ولايات تونسية بسبب تردي الأوضاع في البلاد”.
وأوردت صحيفة البيان الإماراتية عناوين عدة من قبيل “الرئيس التونسي يشارك شعبه احتفاله بقراره تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة”، وكذلك “تونس تنتفض ضد الإخوان”، و”التونسيون يكسرون الحجر ويخرجون للاحتفال بقرارات الرئيس”.
أما صحيفة الوطن السعودية، فقد اعتبرت خلال تقرير لها في 26 يوليو/ تموز 2021 أن “سعيد اتخذ حزمة من القرارات الاستثنائية المتتالية (..) لوقف حالة التخبط التي تعانيها البلاد؛ جراء ممارسات حركة النهضة الإخوانية التي تسيطر على السلطة التشريعية في البلاد”.
وقالت أيضا: “حظيت قرارات قيس سعيد بتأييد شعبي عارم، حيث احتشد آلاف التونسيين في الميادين للاحتفال بتلك الإجراءات، التي من شأنها التصدي لحالة الارتباك التي تسببت فيها الحكومات المتعاقبة في تونس جنبا إلى جنب مع إدارة البرلمان للمشهد السياسي، والتي عجزت عن الاستجابة لتطلعات وطموحات الشعب التونسي”.
أما صحيفة “عكاظ” السعودية، فقد نشرت عناوين عدة مؤيدة ومبتهجة بالانقلاب، من قبيل: “غضبة تونسية تحرق الإخوان”، و”تونس تنتفض ضد الإخوان.. الغنوشية تتساقط”، و”تونس تتطهر من رجس الإخوان”، وفق وصفها.
وكذلك نشرت الصحيفة السعودية في 26 يوليو/ تموز 2021 أنه “بعد قرارات الرئيس.. الشارع التونسي يحتفي بإنهاء حقبة الجماعة الإرهابية.. (رئيسة الحزب الدستوري الحر) عبير موسي مهدت الطريق.. وغضبة الشارع التونسي أسدلت الستار”.
وقالت الصحيفة: “جاءت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، استجابة لانتفاضة الشارع ضد جماعة الإخوان وهيمنتها على السلطتين التشريعية والتنفيذية”.
أما الشرق الأوسط السعودية، فقد نشرت مقالا تساءلت فيه: “هل يعني ذلك أن إبعاد النهضة عن الحكم وعن مواقعها في البرلمان وفي الشارع يبرر اللجوء إلى كل الوسائل، بما فيها تقييد العمل الديمقراطي الذي لاحت نذره في قرار سعيد تجميد عمل البرلمان لمدة شهر ورفع الحصانة النيابية عن أعضائه والاستحواذ على سلطات المدعي العام وإقالة الحكومة؟”.
وأضاف الكاتب حسام عيتاني في المقال المنشور بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2021: “يبدو الخوف مشروعا من أن التجربة الديمقراطية الوحيدة التي حققت نجاحا نسبيا على الصعيد السياسي من بين دول الثورات العربية، قد تسقط في الاختبار الحالي، وتسقط في هاوية الأنظمة التسلطية”.
تدبير إماراتي؟
في 27 يوليو/ تموز 2021 نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا قالت فيه: إن “ما يسمى بالدول البوليسية القومية العربية، اصطفت بقيادة الإمارات والسعودية ومصر التي أعادت تنظيم صفوفها بعد الانقلاب الدموي عام 2013 واستعادت حماية أبو ظبي والرياض”.
ووفقا للتقرير، فإنه “يبدو أن الإطاحة بالحكومة التونسية نابعة من تلاق في الأحداث هي الزحف البطيء المؤلم نحو الأعراف الديمقراطية، والاقتصاد المنهار، والتباطؤ العالمي الذي لم يقدم الكثير من التشجيع”.
وتابع تقرير الصحفية البريطانية، قائلا: إنه في حين “بدت سياسات الانقلاب محلية، فإن موقف اللاعبين الإقليميين، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، لا يزال غير واضح في الوقت الحالي”.
لكن تغريدة غامضة للفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل، فقد كتب في 22 يوليو/ تموز 2021 على حسابه في “تويتر” قائلا: “أخبار سارة، ضربة جديدة قوية جاية للإخونجية (جماعة الإخوان المسلمين)”.
وكانت هذه التغريدة قبل أربعة أيام، مما جعل الكثيرين يربطون بينها وبين ما حدث في تونس من قرارات اعتبرها حزب النهضة الإسلامي المحسوب على الإخوان “انقلابا على الشرعية”.
وعاد ضاحي ليكتب في 26 يوليو/ تموز 2021 إنه “قبل وقوع الأحداث الكبيرة في معظم الأحيان أستشعر بوقوعها، لا أدري ما السر”،.
وهو ما جعل عددا كبيرا من المغردين يرجحون أنه كان يعلم بالفعل بما سيقع في تونس قبل وقوعه، وأن هناك سيناريو كان معدا للتنفيذ على حد رأيهم.
وصرح زعيم حركة “النهضة” ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، لقناة “تي.آر.تي. عربي” التركية في 26 يوليو/ تموز 2021 قائلا: “واضح أن وسائل إعلام إماراتية تقف وراء الدفع نحو الانقلاب واستهداف مقار حركة النهضة”.
واستطرد بالقول: “جرى استغلال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لتحريض الشباب على الحكومة، ما مهد لهذه القرارات الانقلابية، ونحمل (الرئيس) قيس سعيد كل ما ينجم عن قراراته التي لم نستشر فيها”.
وشدد على أن ما حدث هو “انقلاب على الشرعية والثورة والدستور، ويأتي للأسف من حاكم متخصص بالقانون الدستوري”.
وحذر من أن “الانقلاب لن يحل المشكلات بل سيضاعفها”. وأكد على أهمية البقاء في الشوارع، وقال: “الدرس التركي يفيد بأنه إذا وقع انقلاب يجب الخروج إلى الشارع”.