“موجات متتالية من المد والجزر”.. هكذا يمكن وصف العلاقة بين السعودية وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” منذ تأسيسها قبل 32 عاما في فلسطين، غير أن العلاقات بين الطرفين لم تكد تصل حد القطيعة في أي فترة سابقة إلا في الوقت الراهن، بالتزامن مع صعود ولي العهد “محمد بن سلمان” وترسيخ سلطته في المملكة.
وعلى الرغم من أن العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز” بدأ عهده بتقارب واضح مع الحركة الإسلامية الفلسطينية في 2015، لكنه يمكن الجزم أن الفترة الحالية هي الأسوأ في تاريخ العلاقة بين “حماس” والمملكة التي كانت في يوم من الأيام تفكر في دعم حركة “حماس” كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي مواجهة هذا الفتور السعودي، أعادت الحركة الإسلامية بناء علاقاتها مع إيران في الوقت الذي تتقرب فيه المملكة بشكل واضح من (إسرائيل) وتنخرط معها في علاقات غير رسمية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واستراتيجية، وخير دليل على ذلك القبول الضمني للسعودية لصفقة السلام المزعومة المزعومة التي طرحتها الإدارة الأمريكية مؤخرا، ودعوتها إلى بدء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم أن الصفقة تتناقض مع المبادرة العربية التي طرحتها الرياض عام 2002، وتمسكت بها كشرط لتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل).
وتتضمن الخطة التي طرحتها إدارة “ترامب” في 180 صفحة وعدا غامضا وفضفاضا بإقامة دولة فلسطينية على صورة “أرخبيل” تربطه جسور وأنفاق تخضع للسيادة الأمنية الإسرائيلية، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة لـ(إسرائيل).
ومن المرجح أن موقف السعودية المؤيد لصفقة “ترامب” سوف يزيد من حالة الجفاء بين الرياض وحركة “حماس”، باعتبار أن الحركة تعد في مقدمة المعارضين لصفقة “ترامب” التي يجمع الفلسطينيون على رفضها.
تطور العلاقات
منذ تأسيس الحركة رسميا عام 1987، سعت “حماس” إلى فتح قنوات اتصال مع السعودية، اعتقاداً منها بأن المضمون الفكري لسياستها وثوابت السياسة السعودية يؤهلان الطرفين لعقد تحالف من نوع ما.
وجاء التواصل الأول بين الطرفين عبر مبادرة من جانب الحكومة السعودية؛ بسبب غضبها من موقف الرئيس الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات” المنحاز للعراق خلال حرب الخليج.
وعقب ذلك، أقامت المملكة علاقة غير معلنة مع “حماس” نكاية في “عرفات”، ورغبة في إعادة إبراز التوجه الإسلامي للسياسة السعودية، وكان واضحا آنذاك أن السعودية، ورغم كونها تتبنى حل قضية فلسطين عن طريق المفاوضات، فإنها لم تكن تعارض تبني حركة “حماس” خيار المقاومة المسلحة.
وقدمت السعودية لحركة “حماس” الدعم المالي بشكل معلن في مناسبتين فقط، الأولى عام 1992، والثانية خلال زيارة الشيخ “أحمد ياسين” للمملكة عام 1998، كما غضت المملكة الطرف عن جهود أنصار الحركة لجمع التبرعات داخل البلاد، ولكنها فرضت قيودا على هذا النشاط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
طوال كل ذلك التوقيت حرصت كل من “حماس” والسعودية على فصل العلاقة بينهما عن العلاقة المتقلبة بين المملكة وجماعة “الإخوان المسلمون”، رغم أن ارتباط “حماس” بـ”الإخوان” مثل هاجسا كبيرا لدى المسؤولين السعوديين، لكنه لم يدفعهم في أي وقت لإنهاء العلاقة مع “حماس”.
تغير العلاقات
في وقت لاحق، طرأت جملة من المتغيرات على الساحتين العربية والعالمية تسببت في تغيير طبيعة العلاقة بين السعودية و”حماس”، بما في ذلك موقف “حماس” الرافض للمبادرة العربية، وانفتاح الحركة الواضح على إيران، واتخاذ الملك “عبدالله” موقفا شخصيا من رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” آنذاك “خالد مشعل” وتحميله مسؤولية انهيار اتفاق مكة للمصالحة بين “فتح” و”حماس” عام 2007، وأخيرا جاءت انتفاضات الربيع العربي لتضيف مزيدا من التباعد في الرؤى بين قادة المملكة وحركة “حماس”.
وبالرغم من كل ذلك ترددت أنباء في عام 2015 أن هناك محاولات من قبل حركة “حماس” لترميم العلاقة مع السعودية بوساطة من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وزعيم حركة النهضة التونسية “راشد الغنوشي” رغبة في إنشاء تحالف سني في المنطقة لمواجهة نفوذ إيران.
لكن هذه الجهود عانت عثرات كبيرة، قبل أن تنهار بشكل كامل تزامنا مع صعود الأمير “محمد بن سلمان” إلى منصب ولي العهد في 2017، والتوتر المتصاعد بين الرياض والدوحة، واتهام السعودية لجارتها بدعم قائمة من الحركات “المتطرفة”، من ضمنها – للمفارقة – حركة “حماس”.
ومنذ ذلك الحين أدرجت المملكة حركة “حماس” ضمن قوائم الجماعات المتطرفة في خطابها الإعلامي، رغم أن المملكة لم تصنف الحركة بشكل رسمي كمنظمة إرهابية.
وقد تسبب هذا التصعيد الإعلامي، الذي تزامن مع حملة اعتقالات شنتها المملكة في الشهور الأخيرة ضد ناشطين ومتعاطفين مع حركة “حماس” في السعودية، تسبب في زيادة التوتر بين الطرفين.
واعتلقت المملكة العربيّة السعوديّة خلال شهري أبريل/نيسان، ومايو/أيار 2019، أكثر من 60 فلسطينيّاً وأردنيّاً وسعوديّاً بتهمة التعاطف مع “حماس”، وجمع تبرّعات لها، وشملت الحملة تجميد أرصدة عدد من المعتقلين، ورقابة على الحوالات الماليّة.
وقد فشلت الوساطات الإقليمية المتتالية في رأب الصدع بين الرياض و”حماس”، وبحسب تقارير صحيفة، فقد طلب وليّ العهد السعوديّ “محمّد بن سلمان”، من الحركة أن تحل مشاكلها مع الولايات المتحدة أولا ممّا يعني قبولها الاعتراف بـ(إسرائيل)، وهو ما ترفضه “حماس” بالبداهة.
وفي مايو/أيّار 2019، نشرت صحيفة “مكّة” السعوديّة قائمة لـ40 شخصيّة إسلاميّة صنّفتها إرهابيّة، بينها مؤسّس “حماس” الشيخ الشهيد “أحمد ياسين” وكبار قادتها كـ”إسماعيل هنيّة” و”خالد مشعل” و”يحيى السنوار” و”محمّد ضيف”، لكنّها حذفت تقريرها بعد ساعات.
وجاء الحديث عن فشل هذه الوساطات وسط موجة تقارب غير مسبوق بين “حماس” وإيران، توّج بزيارة تاريخيّة لرئيس المكتب السياسي للحركة “إسماعيل هنية” إلى طهران في 6 يناير/كانون الثاني للتعزية في اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، ما دفع صحيفة “عكاظ” السعوديّة إلى اتّهام “حماس” في 8 يناير/كانون الثاني بأنّها أصبحت رهينة لإيران.
من جانبها، اعتبرت وكالة أنباء “فارس” الإيرانيّة الرسميّة في 12 يناير/كانون الثاني، أنّ زيارة “هنية” لإيران تعد رسالة إلى السعوديّة، وأنها تأتي ردا على التقارب غير المسبوق بين الرياض وتل أبيب.
تطبيع متزايد
في هذا السياق، يمكن الاستشهاد بما ذكره “جاريد كوشنر” عراب صفقة القرن وصهر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، خلال استضافته على قناة “إم بي سي” السعودية، بعد أيام من الإعلان عن صفقة القرن.
وقال “كوشنر” في لقائه مع الإعلامي المصري “عمرو أديب” إن الخاسرين الرئيسيين حال رفض القيادة الفلسطينية “صفقة القرن”، سيكون أولا الشعب الفلسطيني، لأنهم إن لم يبرموا الاتفاق فإن لن يستطيعوا الحصول على أي شيء في المستقبل.
وأضاف “كوشنر”، أن الطرف الثاني الخاسر في هذه الصفقة هو الدول الإقليمية المجاورة التي “ترغب في إنشاء علاقات مفتوحة مع (إسرائيل)”، على حد وصفه.
في ضوء ذلك، يري مراقبون أن الفترة الحالية هي الأسوأ في تاريخ العلاقة بين “حماس” والمملكة، وأنها وصلت حد القطيعة التامة، مع قيادة السعودية لموجة العداء ضد الحركات الإسلامية في المنطقة (ومن بينها “حماس”)، وهو ما دفع الحركة لتقليص رهانها على السعودية، والتركيز على تقوية علاقاتها مع إيران.