أعلنت وسائل إعلام سعودية، الاثنين (20 مايو الجاري)، نجاح منظومة الدفاع الجوي (الباتريوت) في اعتراض صاروخين، فوق مدينة الطائف ومدينة جدة، كانا يستهدفان مكة المكرمة، وهو الأمر الذي نفته جماعة الحوثيين.
وقالت مليشيا الحوثيين على لسان المتحدث باسم قواتها العميد يحيى سريع، إنها لم تطلق أي صاروخ باتجاه مكة المكرمة.
وأشارت إلى أن هذه “ليست المرة الأولى التي تدَّعي فيها السلطات السعودية استهداف مكة من قِبل الحوثيين، لاستغلال مكانتها الدينية”، مضيفاً أن السعودية تريد مِن وراء ما وصفها بالادعاءات حشد الدعم والتأييد لما سماه “العُدوان الوحشي” على اليمن.
أين اختفت الدفاعات الجوية؟
خلال السنوات الأربع الماضية منذ بدء الحرب باليمن في مارس 2015، أطلقت مليشيا الحوثيين أكثر من 200 صاروخ باتجاه السعودية، وتقول المملكة إنها تصدَّت لها جميعاً.
لكن شظايا الصواريخ التي تم تفجيرها في الجو بعد اعتراضها، تسببت في مقتل أكثر من 100 مدني، فيم حين أعلنت المملكة في أكثر من مرة، تصدِّيها لصواريخ تستهدف مكة المكرمة.
ومع استمرار إطلاق الصواريخ ووصولها إلى عمق الأراضي السعودية، يتساءل كثيرون عن أسباب فشل “الباتريوت” في صدِّها قبل أن تتعدى الحدود اليمنية.
وتقول مصادر إن السعودية تملك منظومة عملاقة للدفاعات الجوية “الباتريوت”، على الحدود مع اليمن، لمنع اختراق أي صاروخ أجواء البلاد، بمشاركة خبراء أمريكيين يساعدون في رصد تلك الصواريخ، أو الطائرات المسيَّرة.
ويتساءل ناشط في “تويتر”، يحمل اسم “جمال بن”: “كيف تمكنت طائرة قيمتها 300 دولار من تجاوز منظومة الباتريوت التي تتجاوز قيمتها 4 ملايين دولار؟!”.
وتمتلك السعودية منظومة دفاع جوي صاروخي متطورة، تتجسد في منظومة “باتريوت” الأمريكية، التي تنتشر بطارياتها على امتداد البلاد، وفقاً لأولوية التهديدات الخارجية المحتملة، التي بات اليمن -كما يبدو- أحد مصادرها، بعد أن كانت إسرائيل وإيران في صدارة ذلك.
لكن هذه المنظومة، رغم ما حققته من اعتراضات ناجحة للصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون، لا يزال أداؤها محل نقد، بل تشكيك في كثير من وقائع الاعتراض المعلن عنها، فضلاً عن الآثار الناجمة عن هذه الاعتراضات.
دلالة التوقيت
ظلت الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثي محط جدل منذ أول صاروخ أُطلق نحو الرياض ومدن سعودية أخرى خلال السنوات الماضية، وبقدر ما يعتبرها الحوثيون انتصاراً في معركتهم مع السعودية، سعت الرياض إلى استغلالها كورقة سياسية وعسكرية تؤكد مشروعية تدخُّلها في اليمن، وأحقية الدفاع عن نفسها.
واستخدمت السعودية أيضاً تلك الصواريخ باعتبارها دليلاً يؤكد تورط إيران في دعم الحوثيين بالسلاح والعتاد، وهي تهمة لم تعد مقتصرة على اللغة الإعلامية والحديث السياسي، بل امتدت إلى داخل أروقة الأمم المتحدة، حينما قدَّمت الرياض بقايا صواريخ باعتبارها صناعة إيرانية.
وتولت الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، إقناع أعضاء المجلس بأن الصواريخ تثبت تورُّط طهران في دعم الحوثيين، واختراقها القرار الأممي 2216 الذي يحظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن.
ويأتي إعلان السعودية تصدِّيها لصاروخين أُطلقا باتجاه مكة المكرمة، ونفي الحوثيين إطلاقهما، بالتزامن مع توتر الأوضاع في منطقة الخليج بين الإمارات والسعودية وأمريكا من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وجاء هذا الإعلان الذي أكدته سفارة السعودية في واشنطن، بعد يوم من دعوة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عقد قمتين (خليجية وعربية)، لمناقشة التطورات وما سمَّته المملكة “الاعتداءات الإيرانية وتدخلاتها في الدول العربية”.
وكانت جماعة الحوثيين قصفت بطائرات مسيَّرةٍ محطة ضخ النفط رقم 8 التابعة لشركة “أرامكو” السعودية، في 14 مايو الجاري؛ وهو ما تسبب في وقف ضخ النفط بالمحطة.
وجاء الهجوم على محطة “أرامكو” بعد يومين من تفجير استهدف 4 ناقلات في الفجيرة الإماراتية، كان من بينها ناقلتان سعوديتان.
وعلى أثر هذه الأزمة وتصاعُد التحركات العسكرية في مياه الخليج، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إرسال حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية تفيد باستعداد طهران لتنفيذ هجمات قد تستهدف القوات الأمريكية أو مصالح واشنطن بالمنطقة.
وقال الأسطول الأمريكي الخامس التابع للقيادة المركزية للقوات البحرية، إن مجموعة حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” الهجومية، ومجموعة الحاملة “كيرسارج” المعدَّة للإنزال البرمائي، إلى جانب وحدة المشاة البحرية الثانية والعشرين، أجرت عمليات مشتركة، منتصف شهر مايو الجاري.
كما قالت تقارير صحفية إن بريطانيا أرسلت عناصر من القوات الخاصة إلى الشرق الأوسط؛ ضمن مهمة سرية للغاية لمواجهة أي هجمات إيرانية على السفن التجارية.
إيران في مواجهة السعودية
يقول الباحث اليمني في الشؤون الاستراتيجية “علي الذهب”، إنَّ تنامي قوة الحوثيين الصاروخية، وتوسُّع تهديداتهم إلى الرياض، كشفا أن الحرب الدائرة باليمن يتجاذبها طرفان رئيسان: السعودية وإيران، بغضِّ النظر عن دور الإمارات وأجندتها في هذه الحرب.
وأضاف في حديث نقله عنه “مركز الجزيرة للدراسات”، أنه “لا يمكن تجاهل الدور الإيراني، الذي يُعَدُّ أحد أبرز المتغيرات الإقليمية في عدد من المناطق الملتهبة، ومنها اليمن. ففي اليوم، الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، في مايو 2018، كان دوي أربعة انفجارات يهز مدينة الرياض، أعلن الحوثيون أنها ناجمة عن إطلاق مجموعة صواريخ على أهداف استراتيجية سعودية”.
ومع تصاعد تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، كانت صواريخ الحوثيين تستهدف شركة أرامكو، وناقلات نفطية قبالة الساحل اليمني في البحر الأحمر، فضلاً عن الصواريخ المحمولة على الطائرات المسيّرة دون طيار، والصواريخ البحرية، وقد عزز ذلك استهداف ناقلة نفط سعودية بصاروخ حراري في 25 يوليو 2018.
ومن الملاحظ أنه عقب كل عملية استهداف صاروخي على السعودية، يجري اتهام إيران وحزب الله اللبناني بوقوفهما وراء ذلك، بالتزامن مع توتر الأوضاع في منطقة الخليج.