أثناء إجرائه مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثاني من شهر أبريل/نيسان 2020، طلب محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة فجأة، من مساعديه مغادرة الغرفة.

وجاء هذا الطلب، بعد أن تفاجأ ابن سلمان من تغيّر لهجة ترامب معه، “وخشية من أن يشهدوا تعرض سيدهم للترهيب والإخضاع”، بحسب وكالة بلومبرج الأميركية.

وقال الكاتب بوبي غوش المتخصص في الشؤون الخارجية: “هذا ما حصل، حين هدد ترامب، بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية من المملكة إذا لم يقم السعوديون بخفض إنتاج النفط”.

أدرك الأمير ما يعنيه هذا التهديد، فلا يمكن أن تغيب عنه الآثار الوخيمة لمثل هذا القرار. فقد قال ترامب، بصراحته الجريئة مرة: إن حكام المملكة “قد لا يدومون لمدة أسبوعين” دون دعم عسكري أميركي، بحسب الكاتب.

لم يستغرق التهديد وقتا طويلا، يتابع الكاتب: “فبعد 10 أيام، على وجه الدقة، أعلنت السعودية وروسيا انتهاء حربهما النفطية والبدء في خفض الإنتاج. لقد حصل الرئيس الأميركي على مصالحه بالتصريح بالقوة هذه المرة”.

وجاء الاتفاق بعد أن هوى سعر برميل النفط الأميركي إلى ما دون الصفر في أبريل/نيسان 2020، للمرة الأولى في التاريخ، بفعل تداعيات الإقفال العالمي الناتج عن فيروس كورونا.

 

مخاطر الإستراتيجية

وتوضح بلومبرج: “أصبح على ولي العهد الآن أن يدرك مخاطر إستراتيجيته غير الرشيدة في علاقاته مع الولايات المتحدة، الحليف الأساسي للمملكة، عبر العلاقة المباشرة مع الرئيس الأميركي”.

وترى أنه “كان بإمكان الحكام السعوديين السابقين الاعتماد على علاقات الصداقة والود التي تربطهم ببعض أعضاء الكونجرس للتوسط عند البيت الأبيض من أجل مصالحهم، لكن ابن سلمان ليس لديه أصدقاء يعول عليهم في واشنطن وجماعات الضغط التي يحاول تكوينها ليس لها أثر مذكور في أوقات الأزمات”.

بل على العكس من ذلك، تكاد تكون شخصية الأمير هي الأقل شعبية في تاريخ  التحالف بين العائلة المالكة السعودية والولايات المتحدة على مدى 75 عاما.

ويتعرض الأمير السعودي لهجوم شبه مستمر من جميع الجهات في واشنطن بسبب مجموعة واسعة من القضايا، مثل الحرب في اليمن وسجن الناشطات في مجال حقوق المرأة ومقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي.

والأمر ليس مقتصرا على الديمقراطيين، فحتى الجمهوريين مثل ليندسي جراهام يعتبرونه “غير مستقر وليس أهلا للثقة”.

كما أن هناك دعما واسعا من الحزبين الرئيسيين في واشنطن لإجراءات عقابية ضد الرياض، تتراوح بين تقييد مبيعات الأسلحة والمطالبة بالعدالة لجمال خاشقجي (الصحفي السعودي الذي قتل في إسطنبول وتواجه ابن سلمان اتهامات بالوقوف وراء الجريمة).

ويوضح الكاتب: “جاءت معركة أسعار النفط بالمزيد من الاحتقار والكراهية لمحمد بن سلمان، هذه المرة من المنتجين الأميركيين الذين تضرروا من انخفاض الأسعار”.

ويتابع: أن “اعتماد محمد بن سلمان  على ترامب – وحق النقض (الفيتو) في البيت الأبيض – لتجاوز هذا العداء، جعله عرضة بشكل كبير لتكتيكات القوة والإجبار الصادرة عن الرئاسة”.

ومن المفارقات أن ترامب اختار استحضار عداء الكونجرس في إصدار تهديده في 2 أبريل/نيسان: “إذا لم يقطع الأمير إنتاج النفط، فلن يتمكن الرئيس من عرقلة تشريع لسحب القوات الأميركية من المملكة. في الأسبوع التالي، كان السناتور بيل كاسيدي قد قدم المشروع لإقراره في الكونجرس”.

الأمير الآن في مأزق، تتابع بلومبرج: “إنه بحاجة ماسة إلى إعادة بناء الجسور مع الكونجرس، ولكن هذا سيكون أكثر صعوبة الآن بعد أن أصيبت مصالح النفط الأميركية بسبب انخفاض الأسعار”.

وتوضح أنه “لا يمكنه بسهولة أن يخضع لضغوط من المشرعين الأميركيين بشأن قضايا أخرى دون أن يفقد صورته لدى الداخل السعودي وفي العالم العربي”.

ولفت الكاتب إلى أن “توقيت إذلاله (ابن سلمان) من قبل ترامب جاء في وقت حساس جدا؛ فالضربات المزدوجة لحرب النفط ووباء الفيروس التاجي أضرت بشدة بالاقتصاد السعودي وقوضت أجندة الإصلاح الطموحة في الداخل”.

وأوضح أن “خطته العزيزة لبناء مدينة عملاقة مستقبلية على ساحل البحر الأحمر (نيوم) واجهت معارضة غير متوقعة، وسيكون هناك حاجة إلى الكثير من الجهد والتكلفة لإخراج السعودية من المستنقع اليمني بما يشبه الكرامة”.

وبين أنه “أصبح معلوم لدى الجميع، بأن جميع الآمال قد تلاشت في أن تكون 2020، سنة لتكوين المجد الشخصي لمحمد بن سلمان”.

في الوقت الراهن، يبدو الأمير الشاب أصبح عالقا بالضبط حيث يريده الرئيس الأميركي، وينبغي على المساعدين الملكيين أن يتوقعوا استبعادهم بشكل روتيني من المزيد من المكالمات الهاتفية مع البيت الأبيض، وفق بلومبرج.