في 21 يونيو 2017، لم يعد بين مراقبي الأحداث في الشرق الأوسط من لا يعتقد بأن محمد بن سلمان لا يسعى إلى الاستيلاء على العرش السعودي، سواء بالقوة أو بانقلاب أبيض يُطيح بوالده، خاصة أن ولي العهد أمسك بقبضتيه مقاليد النفوذ؛ بصفته وزيراً للدفاع أيضاً.
ففي التاريخ أعلاه، أعلن الملك سلمان إبعاد ولي العهد السابق، محمد بن نايف، ليحلّ محله ولي ولي العهد محمد، ولده البكر.
من هنا بدأ ولي العهد الجديد الظهور البارز على الساحتين المحلية والدولية، معلناً قرارات غير مسبوقة خالفت طبيعة المجتمع السعودي المحافظ.
من بين تلك القرارات تمكين النساء من الدخول إلى الملاعب، والحفلات الغنائية والمهرجانات الموسيقية، وتخصيص ميزانية ضخمة لهيئة الترفيه، وغيرها من القرارات التي أثارت استياء المجتمع السعودي.
أكبر انتقاد واجهته السعودية بشكل عام، وعائلة آل سعود الحاكمة بشكل خاص، كان في الرابع من نوفمبر 2017؛ حين أُلقي القبض على أكثر من 200 شخص، منهم 11 أميراً و4 وزراء على رأس عملهم في حينها، وعشرات سابقون، ورجال أعمال؛ بتهم فساد.
كان من بين أبرز المعتقلين الوليد بن طلال، الأمير السعودي أحد أكثر الأشخاص ثراءً على مستوى العالم، وجميعهم احتُجزوا في فندق “الريتز كارلتون”، وأُطلق لاحقاً سراحهم مقابل تسويات مالية، وكان واضحاً أن بن سلمان يقف وراء تلك الحملة.
بن سلمان ساوم المعتقلين وحقّق ثروة هائلة بلغت 106 مليارات دولار، وفقاً لما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، في وقت سابق، في حين قالت مصادر أخرى إنها فاقت المبلغ المذكور.
من خلال هذه الخطوة الخطيرة كشّر بن سلمان عن أنيابه، معلناً بشكل صريح أن على الجميع الخضوع لقراره؛ وهو ما أكّد للجميع أن كرسي الحكم اقترب كثيراً منه، فوالده لم يصدر عنه أي اعتراض لما تعرّض له أبناء عمومته من إهانة غير مسبوقة.
بن سلمان يرتكب جرائم عابرة لحدود بلده
سطوة بن سلمان بلغت مراحل أبعد؛ وهو ما توضّح في جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي هزّت الرأي العام العالمي وحرّكته ضد المملكة وولي عهدها الجديد.
فهذه الجريمة لكونها نُفّذت في تركيا يُعتبر تنفيذها خرقاً لسيادة دولة أخرى لها ثقل على مستوى المنطقة والعالم، خاصة أن معلومات أدلى بها مسؤول تركي رفيع لـ”الخليج أونلاين”، في وقت سابق، تُفيد بأن رأس خاشقجي تم نقله من تركيا إلى السعودية.
وكانت السلطات السعودية أقرّت بمقتل خاشقجي في قنصليتها بمدينة إسطنبول التركية، بعد 18 يوماً من المراوغة وتقديم روايات متناقضة، لكنها عجزت عن تقديم أي معلومة بخصوص مصير جثة المجني عليه، وهو ما أدخل الرياض في موجة انتقادات واسعة.
الملك سلمان يظهر بعد غياب
هذه الجريمة جاءت كما الصاعقة ليس فقط على بن سلمان، مهدّدة طموحة بالوصول إلى الحكم؛ بل على والده الذي توارى عن الأنظار بوجود ابنه الذي بدأ يمارس دوراً محورياً في الحكم بالمملكة.
فقد أدرك العاهل السعودي على ما يبدو أن تصرّفات ولده باتت تهدّد العرش، الذي قد يذهب إلى آخرين من آل سعود، وربما يخسرونه ولا يؤول إليهم مرة أخرى.
الأحداث هذه أعادت الملك سلمان إلى الواجهة، فظهر وهو يتخذ قرارات توضّح بشكل جلي اهتمامه بالدفاع عن ولده، مستخدماً سعة نفوذه كحاكم لدولة لها ثقلها الاقتصادي الكبير في العالم، وصاحبة الدور المحوري في المنطقة.
وهنا أعلنت الرياض متابعتها لجريمة اغتيال خاشقجي، مبعدة التهمة عن ولي العهد لتنسبها إلى مقرّبين منه، وهي خطوة لم تقنع الرأي العام العالمي والعديد من الحكومات.
الملك يحاول إصلاح ما أفسده ابنه
توالت القرارات التي اتخذها الملك سلمان، وهي في مجملها توضّح سعيه إلى تنظيف ما خلّفته “سياسة” ولده.
إعطاء أحد أشهر سجناء “الريتز كارلتون” منصباً حكومياً رفيعاً كانت بادرة واضحة من الأب لتصحيح ما خلّفه الابن في فترة تقلّ عن العام ونصف العام من التفرّد في المشهد.
ففي الـ27 من ديسمبر الجاري، أصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بتعيين إبراهيم العساف، الوزير السابق، وهو أحد معتقلي “الريتز كارلتون”، وزيراً للخارجية.
هذه الخطوة كان واضحاً أنها تهدف لكسب ثقة من اعتقلهم بن سلمان، بحسب مراقبين.
في هذا الخصوص رأت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن العاهل السعودي يعمل على معالجة بعض الأخطاء التي وقعت في الأشهر الـ12 الماضية، التي وصل فيها نجله محمد إلى منصب ولي العهد.
وأكدت الصحيفة في تقرير لها نُشر، الأحد 30 ديسمبر الجاري، أن جريمة قتل جمال خاشقجي، قبل 3 أشهر تقريباً، “أجبرت القيادة (في المملكة) -فيما يبدو- على جلب مزيد من الضوابط والتوازنات”، في إشارة إلى التغيّرات السلبية التي أحدثها بن سلمان.
وبيّنت أن تلك التغييرات جاءت باعتبارها محاولة لتوجيه رسالة إلى العالم مفادها أنه يتم تمكين الأيدي ذات الخبرة في السعودية.
وقالت: “عندما اعتُقل العساف في فندق الريتز كارلتون بالرياض -خلال حملة اعتقالات نفّذها بن سلمان- اعتقد الكثيرون أنها كانت نهاية مُشينة لحياة مهنيّة طويلة تخدم الدولة السعودية”.
الصحيفة أوضحت أن العساف، الذي خدم بصفته وزير مالية في عهد ثلاثة ملوك، يعود الآن إلى الحكومة بعد مرور عام على حادثة اعتقاله؛ بمنصب وزير الخارجية بدلاً من عادل الجبير.
وأشارت إلى أن تعيين الملك سلمان للعساف وزيراً للخارجية، يأتي في وقت أخذ هذا المنصب يزداد أهمية مع مواجهة الرياض الأزمة الدبلوماسية الناجمة عن جريمة قتل خاشقجي، وفق ما نقله موقع “الجزيرة. نت”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر سعودي مطّلع أن التغييرات الجديدة هدفها بناء إطار مؤسّسي لمعالجة بعض الأخطاء التي وقعت خلال الأشهر الـ12 الماضية، ومن ضمنها الخلافات السعودية مع كندا وألمانيا.
ثم تساءلت عما إذا كانت هذه التغييرات ستكون كافية لتهدئة المخاوف الغربية بشأن الاتجاه الذي سلكته السعودية تحت قيادة بن سلمان “القائد الفعلي للبلاد”.
الخليج أونلاين