لم يمضِ سوى عامين فقط على أزمة دبلوماسية بين البلدين حتى بدأت أزمة جديدة تلوح في الأفق بين السعودية وألمانيا على إثر تصريحات هجومية من الرياض ضد برلين.

وسلكت ألمانيا منذ العام 2012، بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، نهجاً مستمراً لتخفيض مستوى صادرات أسلحتها إلى السعودية التي تنتقدها كثيراً في الفترة الماضية بسبب قضية حقوق الإنسان في المملكة وعمليات التحالف العربي العسكري بزعامتها في اليمن، وهو ما أغضب الرياض مؤخراً.

ولعل الأزمة الدبلوماسية مع ألمانيا في نوفمبر 2017، بعد سحب السعودية سفيرها من ألمانيا بعد اتهامات شديد اللهجة للسعودية من قبل وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، بالتسبب في أزمات سياسية، تضع تساؤلات ما إن كان ثمة أزمة جديدة تطرق الأبواب بين البلدين بعد تصريحات الوزير السعودي.

 

هجوم سعودي

يبدو أن استمرار ألمانيا في وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية قد أغضب الأخيرة، حيث شن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، هجوماً حاداً على ألمانيا بسبب قرارها حظر بيع الأسلحة إلى بلاده.

ووصف الجبير في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، في 15 نوفمبر 2020، القرار الألماني بـ”الخطأ وغير المنطقي”.

وقال الجبير: “السعودية لا تحتاج أيضاً إلى معدات عسكرية ألمانية، وفكرة وقف بيع الأسلحة للسعودية بسبب حرب اليمن أعتقد أنها غير منطقية”.

وأضاف: “نعتقد أن هذا خطأ؛ لأننا نعتقد أن الحرب في اليمن حرب مشروعة، إنها حرب أجبرنا على خوضها”.

 

وقف الأسلحة وانتقادات

كان طرفا الائتلاف الحاكم في ألمانيا بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل قد اتفقا في معاهدة الائتلاف، في مارس 2018، على وقف تصدير السلاح لكل الأطراف المشاركة “بشكل مباشر” في حرب اليمن.

وطبق حظر تصدير سلاح كامل إلى السعودية في نوفمبر 2018، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، وتم تمديد هذا الحظر ثلاث مرات، آخرها أسفر عن تمديد الحظر حتى نهاية ديسمبر 2020.

وفي أغسطس 2020 دعت الحكومة الألمانية، السعودية “للامتثال الكامل” لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) بعد تقرير إخباري عن اكتشاف منشأة نووية سرية في شمال غرب السعودية.

وقالت وزارة الخارجية الألمانية: “إنه من الأهمية بمكان أن تمتثل المملكة العربية السعودية بالكامل لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وأن يخضع برنامجها النووي لمعايير التحقق الدولية للوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

 

الموقف السياسي

يقول المحلل في الشأن الأوروبي، محمد فتوح، إن تصريحات السفير السعودي واقعية؛ فالرياض ليست بالفعل “مشترياً كبيراً للأسلحة الألمانية”، مشيراً إلى أن ما يقلق السعوديين “هو الموقف السياسي الذي يعبر عنه القرار الألماني بحظر تصدير الأسلحة”.

وأوضح أن القرار “يستند إلى اتفاق بين شركاء التحالف الحكومي على وقف صادرات السلاح للأطراف المشاركة في حرب اليمن، وهو ما يعني ضمناً عدم دعم موقف التحالف العربي في هذه الحرب”.

وأضاف: “في المقابل، تبرم السعودية صفقات سلاح كبيرة مع فرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة بالطبع، كما أن هناك دولاً أوروبية مستمرة في تنفيذ صفقات السلاح مثل إسبانيا وبلجيكا، وهذا أيضاً يعبر عن موقف سياسي من هذه الدولة تجاه المملكة، وخصوصاً الموقف الفرنسي المعارض أيضاً، والذي يمكن وصف ما تقوم به الدولتين بالتحالف”.

 

أزمة سابقة

في سبتمبر 2018، قررت السعودية إعادة سفيرها إلى برلين، لتنهي بذلك أزمة دبلوماسية بدأت في (نوفمبر 2017) بين البلدين واستمرت عشرة أشهر، واندلعت بعد انتقادات صريحة وجّهها وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل، لسياسة المملكة في الشرق الأوسط.

ووصفت الرياض حينها تصريحات غابرييل بأنها مخزية، وسحبت سفيرها لدى برلين. وتراجعت الصادرات الألمانية إلى السعودية بنسبة 5% في النصف الأول من 2018.

كما وقفت ألمانيا بشكل نسبي إلى جانب قطر، وخرجت الخارجية الألمانية أكثر من مرة مطالبة برفع الحصار عن قطر، وتأكيد معارضة برلين له، واعتبرت أن هذا الحصار يؤثر في اقتصادها أيضاً.

وفي سبتمبر 2017، أعلنت شركة صناعة الأسلحة الألمانية “هكلر آند كوخ” وقف تصدير الأسلحة الألمانية لعدد من الدول على رأسها السعودية، إذ وصفت السعودية بأنها دولة “تشهد حروباً أو فساداً”.

 

أزمة مع كندا

ولا يعُرف ما إن كانت السعودية قد تدخل في أزمة مع دولة جديدة كألمانيا على غرار الأزمة مع كندا، بعدما كانت قد طالبت الأخيرة بالإفراج عن نشطاء لحقوق الإنسان تحتجزهم المملكة، والذي دفع الرياض حينها إلى تجميد أي صفقات تجارية جديدة مع كندا وطردت السفير الكندي وأنهت برامج تعليمية وطبية تدعمها المملكة.

وعقب تلك الأزمة، وخلال زيارتها إلى ألمانيا طلبت وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، في أغسطس 2018، دعم بلادها في حملتها للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم.

وقالت فريلاند من برلين: إن كندا “ستظل دائماً تدافع عن حقوق الإنسان حتى عندما يقال لنا ألا نتدخل فيما لا يعنينا… وحتى عندما يتسبب الحديث عن ذلك في عواقب”.

وأضافت: “نعتمد على الدعم الألماني، ونأمل في الحصول عليه”، بحسب ما نقلت “رويترز”.

والرياض على خلاف مع كثير من الدول الأوروبية انتقدت تدخل السعودية في الحرب الأهلية اليمنية فيما دعمت الحوار مع إيران، العدو اللدود للمملكة.

 

لا قطيعة كاملة

وعما إن كانت قطيعة جديدة ستبدأ بها الرياض مع برلين كما حدث مع كندا، يقول المحلل في الشأن الأوروبي، محمد فتوح: “لا أعتقد ذلك، وهذا أمر مختلف، على عكس كندا التي تُركت يومها (بحسب تعليقات صحف أمريكية) من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب دون تضامن معها”.

وأوضح أن كندا رغم الأزمة المستمرة “فقد تم تخفيف التوتر بين الجانبين، وتم استئناف عقود لتصدير السلاح الكندي للسعودية، دون حل أسباب الخلاف السياسي”.

ويرى، في حديثه أن الخلافات بين كندا والسعودية “مرتبطة بتعليقات على قضايا حقوق الإنسان في السعودية، كما يمكن أن يكون وجود المسؤول الأمني السعودي السابق، سعد الجبري، في كندا سبباً آخر للخلاف”.

ويؤكد أن قرار تجديد حظر بيع الأسلحة من قبل ألمانيا للسعودية قبل انتهاء فترة سريانه بنهاية هذا العام، ربما يتم النظر فيه، مضيفاً: “بالطبع سيثير تجديد الحظر انتقادات الحكومة السعودية، لكن لن يصل إلى حد القطيعة أو حتى التصعيد، لأن ألمانيا دولة مؤثرة في الاتحاد الأوروبي، وتوتر العلاقات معها سينعكس على باقي الدول الأوروبية على الأرجح”.