فيما تسارع واشنطن حث الخطى باتجاه إعلان صفقة القرن لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن جهودا إسرائيلية وأمريكية تنصب باتجاه منح السعودية دوراً مركزياً في إطار الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس.
الأمر أثار خيبة أمل واستياء في الأردن والسلطة الفلسطينية، لأنهما غير مستعدتين لأن تخليا المنصة للرياض، ولا أن تتقاسما معها هذه الوصاية، ودفع الأردن لاتخاذ خطوات لافتة، بينها زيادة الاقتراب مع السلطة الفلسطينية، في معارضة صفقة القرن.
ماذا عن التوافق الفلسطيني الأردني لرفض أي نفوذ سعودي بالقدس، وأين يصل توافقهما لمواجهة الرياض، وما مصلحة إسرائيل وواشنطن بمنح السعودية هذا النفوذ في القدس على حساب الأردن والفلسطينيين، وماذا دفعت السعودية من أثمان مقابل النفوذ الذي تطمع إليه؟
موطئ قدم
تتزايد التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية والأردنية أن السعودية تسعى للحصول على موطئ قدم في الحرم القدسي الشريف، لاسيما بعد انعقاد قمة البحرين الاقتصادية، التي تمت برعاية سعودية أمريكية بحتة، ومع اقتراب إعلان صفقة القرن.
بالتزامن مع هذه الأحداث، دخل ضيف جديد إلى هذا الموضوع الشائك الخاص بالقدس، حيث تتوفر مخاوف لدى رجال الوقف الإسلامي في الحرم القدسي، بأن إسرائيل قد تفسح المجال للسعودية بأن يكون لها موطئ قدم فيه.
ومن المتوقع أن يعلن ترامب عبر صفقته عن إقامة إدارة إسلامية عامة بإشراف السعودية حول الأماكن المقدسة الإسلامية، وإبعاد الأردن والسلطة الفلسطينية جانبا، ما يعني إيجاد مشكلة للجانبين معاً، ويوحدهما ضد أي نفوذ سعودي في هذه البقعة المقدسة؛ لأنه يسحب من الفلسطينيين أن تكون القدس عاصمتهم.
بات واضحا أن الرياض دخلت على خط الصراع الناشب حول السيطرة والإشراف على الأوقاف الإسلامية بمدينة القدس، حيث تبذل جهودا لزيادة تأثيرها على المدينة، ما يثير غضب رام الله وعمان، لأنها تستغل أموالها ودعمها المادي لسحب البساط من تحت أقدامهما.
طلبت السعودية من شخصيات مؤثرة في شرقي القدس أن يهيئوا الرأي العام الشعبي الفلسطيني لزيارات قريبة إليها من قيادات المدينة المقدسة، سواء رجال دين: مسلمين ومسيحيين، أو سياسيين وإعلاميين، للقاء ولي العهد محمد بن سلمان، لكن الشخصيات المقدسية رفضت الطلب السعودي، مع العلم أن السعودية خصصت في القمة العربية في الظهران 15 مليون دولار لدعم القدس.
تسريب العقارات
خالد أبو عرفة، وزير شئون القدس الفلسطيني السابق قال لـ “الاستقلال”: “المسعى الإسرائيلي بمنح السعودية نفوذا في القدس يشكل ابتزازا إسرائيليا للأردن في أهم ملفاتها، عبر مزاحمة الأوقاف بصلاحياتها المختلفة، في حين أن إسرائيل تريد تحقيق تحالف مع السعودية في وجه تركيا، المرشحة كرديف أو حتى بديل للأردن في الوصاية على المقدسات”.
وأضاف: “الجهد الإسرائيلي لصالح السعودية يتزامن مع تصريحات الأخيرة حول حق اليهود في فلسطين، وعدم قدسية المسجد الأقصى، ويبدو أن إسرائيل تريد مكافأة السعودية لمساندتها في الوقوف ضد إيران، ما يؤكد أن الرياض دفعت ثمناً باهظاً كي تكون وصية على مقدسات القدس بدل الأردن، لكن خيار الوصاية السعودية على المقدسات سيجد رفضاً مقدسياً متنامياً، رغم محاولات سعودية لشراء بعض الشخصيات المقدسية”.
وأشار أن “المقدسيين يستشعرون العلاقة التاريخية مع الأردن والمصالح العميقة المشتركة، وفي الوقت ذاته يعلمون بما تقوم به الأموال الإماراتية، حليفة السعودية، بشراء العقارات المقدسية، وتسريبها للمستوطنين”.
لذلك من المتوقع أن يواصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعم بقاء إشراف الملك الأردني عبد الله الثاني على الأوقاف الإسلامية المقدسية، وعدم تسهيل إيجاد موطئ قدم لـ”بن سلمان” في الحرم القدسي، ورغم أنهما في الوقت ذاته معنيان باستمرار حصولهما على الدعم المالي السعودي، لكنهما موحدتان في عدم السماح لها بأن تحل محلهما في الحرم القدسي.
يرى الأردن أنه صاحب الحق التاريخي في القدس منذ عام 1924 عقب انهيار الامبراطورية العثمانية، وفي ثمانينات القرن الماضي أرسل الملك حسين ملايين الدولارات لترميم القبة الذهبية في الصخرة المشرفة، وفي 1988 فك ارتباطه بالضفة الغربية باستثناء شرقي القدس، وتم تجديد وصايته على القدس في اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1994، وجرى تجديدها عام 2013 باتفاق أردني فلسطيني.
طوق نجاة
لكن السعودية فاجأت الأردن برفضها الاعتراف بوصايته خلال قمة البرلمانيين العرب بالمغرب في ديسمبر/كانون الأول 2017، ولذلك تتزايد مخاوف الأردن من دخول السعودية على خط الوصاية على الأوقاف المقدسية كمنازع له، بعد أن أطاحت بالهاشميين من إشرافهم على مكة والمدينة، وتواصل اليوم جهودها لإبعادهم من الإشراف على المسجد الأقصى، مما تعتبره عمان خطاً أحمر، ولن تسمح للرياض بالاقتراب منه.
لا يعتبر التنافس الأردني السعودي للإشراف على الأوقاف الإسلامية في القدس جديدا، حيث يعود الاستقطاب بين السعودية والأردن حول القدس، إلى أواخر حكم الإمبراطورية العثمانية، حين اعتمد عبد العزيز آل سعود، مؤسس السعودية، على حماية بريطانيا له، لأنها مولت كل تحركاته، واستخدمته ضد العثمانيين والهاشميين، كي يضمنوا ضياع فلسطين والقدس، بعكس مطالب الأمير فيصل بن طلال في الأردن، والذي رفض أي حلول وسط حول القدس.
عماد أبو عواد، الخبير الفلسطيني في الشئون الإسرائيلية بمركز رؤية للدراسات، قال لـ”الاستقلال”: “محاولة جعل السعودية وصية على الأماكن المقدسة في القدس بدلا عن الأردن، هو جهد إسرائيلي أمريكي يهدف لخلق صراع عربي داخلي، مع أن الوصاية السعودية ستكون أكثر أريحية لإسرائيل، لأنها أكثر تعلقا بالولايات المتحدة، وإسرائيل طوق نجاة لها في الملف الإيراني”.
وأضاف: “السعودية من وجهة النظر الإسرائيلية تستسهل فكرة تقسيم الأماكن المقدسة في القدس زمانيا ومكانيا في المستقبل، ولذلك بات دورها يتوسع مؤخرا في القدس من خلال دعم الجماعات التابعة لها ماديا بشكل كبير، ما يعني أنّ الخطة الإسرائيلية الخاصة بالسعودية خرجت الى حيز التنفيذ، حيث تفضل هذه الجماعات عدم الحديث في السياسة، وأتباعها يتقيدون بكل ما يصدر من الديوان الملكي السعودي، وهو ما تسعى من خلاله إسرائيل تخفيف ردود الفعل عند كل انتهاك لها في المسجد الأقصى”.
مقاول لترامب
يوجّه الفلسطينيون إلى الرياض اتهامات بالتواطؤ مع تل أبيب وواشنطن في هذه القضية، والضغط على الفلسطينيين لإقامة عاصمة لهم بأطراف القدس، مما تسبب بتوتر فلسطيني سعودي، فيما تمثّل التباعد بين الرياض وعمان على خلفية الموقف من الوصاية على القدس، بتراجع الدعم السعودي للأردن، لأن الأخير يرفض تقديم أي تنازلات في هذا الملف الذي يراه حصرياً له، دون سواه.
كما زاد حدة التنافس الأردني الفلسطيني السعودي حول القدس عقب عقد تركيا لمؤتمرين لمنظمة المؤتمر الإسلامي في إسطنبول في 2017 و2018 للرد على قرار الولايات المتحدة بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، حيث شهد المؤتمران حضورا أردنيا رفيع المستوى ممثلا بالملك، وتمثيلا منخفضا للسعودية، في إشارة أظهرت أن الأتراك والأردنيين أكثر حرصا على القدس من السعوديين.
أحمد أبو حلبية رئيس لجنة القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني قال لـ”الاستقلال”: “التطلع الإسرائيلي بإفساح المجال للسعودية في القدس لن يكتب له النجاح، فالإرث الذي تركه السعوديون والإماراتيون في القدس سلبي جدا، لاسيما ما تعلق منه بشراء العقارات المقدسية وبيعها للمستوطنين اليهود”.
وأضاف: “السلطة الفلسطينية والأردن لن ترحبا بهذا الدور السعودي، الأمر الذي من شأنه أن ينشئ تحالفات سياسية جديدة في المنطقة للرد على هذه الأطماع السعودية باتجاه المدينة المقدسة”.
يتزامن التوجه الإسرائيلي بتحقيق الطلب السعودي بإيجاد موطئ قدم في القدس مع زيادة المشاعر السلبية الفلسطينية تجاه المملكة، وهي آخذة في التنامي بسبب علاقات الأخيرة القوية مع واشنطن، ورؤية الفلسطينيين في ولي العهد السعودي مقاولا لدى ترامب لتمرير صفقته الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.