ظهرت رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، عام 2016 في توجه للملكة لقرابة 14 عاماً تتضمن العديد من البرامج الاقتصادية والاجتماعية، ويبدو أن الأربع السنوات الماضية تشير إلى فشل تلك البرامج التي وضعتها شركات استشارات غربية وليس مجموعة من الخبراء المواطنين في المملكة.
على الرغم من ضخامة الرؤية بعدد الصفحات والكلمات والتسويق الدعائي والرسمي لها إلا أنها فشلت في تقديم برنامج لمواجهة الفقر الذي يتفشى داخل المملكة. فالفقر هو آفة الآفات وعدو الحكومات الأول ويتم تقديم محاربته على أي عدو خارجي. فالفقر بوصف -علماء الفلسفة والجريمة- يأتي كمصدر أول للجرائم، ويأتي معه الجهل والمرض، وتتعرقل معه أي خطط للتنمية في جميع مجالاتها، ومن العبث أن تقوم رؤية لأكثر من عقد دون برامج كافية للقضاء عليه.
خلال السنوات الماضية بدأ الجميع يلاحظ أن الفقر بدأ يأخذ مكانه وسط المدن وبين شبابه الذين لم يتمكنوا من الحصول على تعليم جيد يؤهلهم لوظيفة ودخل مرتفع، فأصبح عاطلاً أو شبه عاطل، أو أنه ترك التعليم بسبب غياب العائل المقتدر وضرورة العمل لإعالة أم أو أخت أو الأشقاء الأصغر سناً.أو أن السلطة لا تملك برامج تدريب تواكب الحاجة والعصر. خلال السنوات الماضية انتشر وسم “الراتب ما يكفي الحاجة” ليشير إلى أنه حتى الموظفين في الوظائف الحكومية لم يعد الراتب يكفيهم.
مشكلات متعددة
خلال سنوات حكم “آل سعود” وبمرور الزمن تم تقسيم المدن إلى طبقات- أو مجتمعات –، على سبيل المثال مدينة جدة، فالجزء الجنوبي يعيش فيه العمال والمهاجرون والسعوديون الفقراء إلى جانب السعوديين من الطبقة المتوسطة، والأجزاء الشمالية خُصصت للعائلة الحاكمة وكبار التجار المقربين منها.
قد تمرّ بجوار أرملة سعودية تبيع بعض المعجنات على الطريق من أجل إعالة أبنائها الخمسة بعد وفاة زوجها، وإذا ما حاولت تقديم للحصول على إعانة فإنها تمرّ بطريق طويل من الإجراءات البيروقراطية المقيتة للوصول إلى أمير نافذ ومسؤول.
عشرات الآلاف من الشباب لا يستطيعون الزواج لأن بناء أسرة جديدة يتطلب الكثير من المال، ومن الصعب بنائها دون دخل مرتفع. الاحصائيات الرسمية تقول إن معدل البطالة، وصل إلى نسبة 12.9 % منتصف 2019 ويعتبر هذا رقماً قياسياً ضمن أعلى الإحصاءات منذ 19 عاماً، حسب ما تشير إليه أرقام الهيئة العامة للإحصاء. ما يشير إلى أن هدف رؤية 2030 بخفض مستوى البطالة إلى نسبة 7% لن تتحقق بل إن الأمر يزداد سوءاً. كما أن هذه النسبة في البطالة تأتي على الرغم من وجود إحصاءات تؤكد مغادرة 667 ألف عامل أجنبي للبلاد بعد إقرار زيادة الرسوم على الوافدين.
مشكلات الشباب تلك لا تلقى طريقاً إلى خطط “ابن سلمان” الذي يركز على المشاريع الضخمة لجذب المستثمرين مثل “نيوم” بقيمة 500 مليار دولار و”سبارك” بتكلفة 1.6 مليار دولار على الرغم من أن مثل هذه الخطط نادرا ما تعمل. فلا يزال حي الملك عبد الله المالي، وهو مشروع قيمته 10 مليارات دولار في الرياض، به مباني أكثر من البنوك.
وكان من الأفضل أن يهتم “ابن سلمان” ومستشاروه بوظائف التجزئة ذات الرواتب العالية التي انخفضت بمقدار 177،000 وظيفة منذ عام 2017، مما يلغي جهود السلطة لإيجاد فرص للسعوديين عن طريق حظر الأجانب من العديد من وظائف المبيعات.وفي كل الأحوال السعوديون لا يرغبون في معظم تلك الوظائف ذات الرواتب المتدنية إذ أن معظمها برواتب أقل من 3000 ريال سعودي، وهو الحد الأدنى لرواتب السعوديين. كما أن السياسة المتقلبة لولي العهد والتركيز على المشاريع الضخمة والإجراءات القاسية ضد تجارة التجزئة تسببت في مغادرة أكثر من 80 مليار دولار عام 2018! ما يعني أن رأس المال السعودي يغادر مقابل البحث عن أموال جديدة لمشاريع تلحق بسابقاتها: إسراف مفرط للمال العام دون رقابة.
ومن أجل أن تعالج السلطة الحاكمة العجز في الموازنة قامت بفرض ضريبة القيمة المضافة التي يتضرر منها جميع السكان. بدلاً من فرض ضريبة الدخل والثروة على الأثرياء، وورد في الرؤية النص التالي “لن نفرض على المواطن أي ضريبة على الدخل أو الثروة..”، قد يبدو للوهلة الأولى أن الفقرة جيدة، لكن أبناء المملكة ليسوا سواء في دخلهم وثرواتهم، فسيبدو الأمر سيئاً بفرض ضريبى دخل على الفقراء ومحدودي الدخل الذي يجب أن تدعمهم السلطة. لكن فرض ضريبة على الأثرياء الكبار بمن فيهم أعضاء العائلة الحاكمة وهم “أثرى الأثرياء” في المملكة واجب على الدولة، لكن محمد بن سلمان يتجنب ذلك لحسابات سياسية.
معالجة عن طريق الصدقة
على مر التاريخ في المملكة كانت السلطات المتعاقبة ترى أن الأعمال الخيرية هي النهج المركزي لمعالجة قضية الفقر، ضمن “نظام الزكاة” التي من المفترض أن تقوم الحكومة بتوزيعها على الأسر الفقيرة في المملكة. لكن هذا النهج بلا جدوى فخلال السنوات تزايد الفقراء وفشلت الجمعيات الخيرية في ذلك لأسباب عِدة متعلقة بالفساد وتوسع رقعة الفقر وزيادة عدد السكان.. الخ. كما أن واجب الدولة ليس فقط “نظام الزكاة” بل أيضاً توزيع الثروة بين السعوديين.
دراسة ظهرت عام 2014 حددت 8926 ريالاً شهريا كخط كفاية للأسرة السعودية المكونة من خمسة أفراد. واختفت تلك الدراسة دون تفعيل من قِبل الوزارات المعنية بما في ذلك “وزارة الشؤون الاجتماعية” التي عُملت الدراسة لصالحها، وعلى أساس هذا الخط يمكن حساب الفقراء في المملكة.
من واجب الدولة أن تسد حاجة الفقير والمحتاج، وتؤمن له الحد الأدنى من الحياة المادية الكريمة اللائقة بالإنسان من سكن، وصحة، وتعليم، ودخل، فهذا واجب على الأمة، تمشيا مع مبدأ التكافل الاجتماعي وحماية للمجتمع من الفقر الباب الرئيسي للجريمة والأمراض الاجتماعية. وأخذ المال من الأثرياء كضريبة هو واجب تفرضه المواطنة فالثروة التي حققها هي من خيرات الوطن واستخدام المرافق العامة التي هي ملك للشعب. ولن يستقيم كل ذلك ما لم يفصح الجميع عن ثرواتهم من الملك إلى والتجار ورجال الأعمال من أجل فرض الضريبة المستحقة عليهم. أما طريقة احتجازهم في “الريتز” بطريقة الأفلام واستعراض القوة فلن يستفيد منها الشعب بل “ابن سلمان” الذي حصل على الأموال والشركات التجارية لمصلحته ولمصلحة عائلته وتصفية الحسابات القديمة واستهداف منافسيه.