نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، تفاصيل ما دار في كواليس اجتماعات أجراها مسؤولون أمريكيون وسعوديون كشفت عن مدى تأزم الموقف بين البلدين، مؤكدة أن العلاقات الأمريكية السعودية وصلت إلى “نقطة الانهيار” بعد عقود من الشراكة القوية التي جمعتهما.
وقالت الصحيفة إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صرخ في وجه ضيفه، مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بعد أن أثار الأخير قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.
وأشارت إلى أن محمد بن سلمان، بعد الاجتماع الذي عقد في سبتمبر الماضي، اتخذ قراره فيما يخص كيفية إدارة العلاقة مع واشنطن.
وأجرت “وول ستريت جورنال” مقابلات مع مسؤولين سعوديين وأمريكيين اطلعوا على ما دار في هذا الاجتماعات، حيث أكد المسؤولون أنه رغم تعثر العلاقات الأمريكية السعودية في فترات سابقة، إلا أن الأمر “مختلف هذه المرة. وهو انهيار على أعلى مستوى” بعد أن وصلت إلى “أدنى مستوياتها منذ عقود”.
وقال نورمان رول، مسؤول الاستخبارات الأمريكية السابق الذي لديه اتصالات بكبار المسؤولين السعوديين إن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة “لم تكن أبدا صعبة كما هي الآن”.
ونبهت الصحيفة إلى أن التوتر بين واشنطن والرياض، تصاعد عقب رفض السعودية ضخ المزيد من النفط لتهدئة أسعار الخام التي واصلت ارتفاعها بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا،
ورأى مراقبون أن الرياض رفضت الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بسبب عدم استجابة واشنطن لمخاوفها بشأن إيران، وإنهاء دعمها لعمليات التحالف في اليمن، ورفض تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية”، وسحب بطاريات صواريخ أمريكية من أراضي المملكة.
لقاء القصر
وأفادت “وول ستريت جورنال” بأن ولي العهد السعودي، الذي ارتدى سروالا قصيرا أثناء اجتماعه بسوليفان في قصره على شاطئ البحر، سعى إلى الحفاظ على نبرة هادئة، لكن انتهى الأمر بصراخه بعد أن أثار سوليفان مقتل خاشقجي.
وأكد أن ولي العهد قال لسوليفان إنه لا يرغب أبدا في مناقشة الأمر مرة أخرى، وإن الولايات المتحدة يمكن أن تنسى طلبها بزيادة إنتاج النفط.
ولفتت إلى أن ملك السعودية وولي عهده، عقدا اجتماعات مع مستشاريهم لمعرفة الإجراءات العقابية التي قد يخطط لها بايدن وأفضل السبل لاستباقها، حيث ناقش الاثنان خيارات مثل الرضوخ لضغوط البيت الأبيض بإطلاق سراح المزيد من السجناء السياسيين، لكن ولي العهد “اختار مسارا أكثر هجومية” وهو تقوية التحالفات الناشئة مع روسيا والصين، وفق المسؤولين.
وبعد أسبوعين، استقبل ولي العهد سوليفان في القصر الساحلي، وأخبره أن السعودية ستلتزم بخطة إنتاج النفط.
وذكرت الصحيفة أن السعودية ألغت زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بسبب تضارب في المواعيد، لكنها رحبت في نفس الليلة بزيارة سياسي روسي كبير كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات ضده.
كما تم إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الشهر الماضي. وأشار المسؤولون الأمريكيون حينها إلى تضارب في المواعيد.
واعتبرت “وول ستريت جورنال” أن ولي العهد السعودي “يرفض الطريقة التي تعامله بها واشنطن، ويريد قبل كل شيء الاعتراف به باعتباره الحاكم الفعلي للسعودية وملك المستقبل، لكن بايدن لم يلتق بعد بالأمير أو يتحدث معه مباشرة”.
وبحسب الصحيفة، فإنه “مع تعمق الخلافات السياسية منذ الغزو الروسي، حذر المسؤولون السعوديون الذين تحدثوا للصحيفة من أن “الخطر بالنسبة للولايات المتحدة” يتمثل في أن الرياض ستوثق علاقاتها مع الصين وروسيا، أو على الأقل تظل محايدة بشأن القضايا ذات الأهمية الحيوية لواشنطن، كما فعلت في حالة الأزمة الأوكرانية.
الشراكة تتغير
وأوضحت أن الشراكة الأمريكية السعودية بنيت تاريخيا على أساس دفاع الولايات المتحدة عن المملكة من أجل ضمان التدفق المستمر للنفط إلى الأسواق العالمية. وفي المقابل، حافظ الملوك السعوديون المتعاقبون على تدفق ضخ النفط بأسعار معقولة مع حدوث اضطرابات مؤقتة.
لكن الأساس الاقتصادي للعلاقة “قد تغير، ولم تعد السعودية تبيع الكثير من النفط للولايات المتحدة، وبدلا من ذلك أصبحت أكبر مورد للصين، ما يعني إعادة توجيه المصالح التجارية والسياسية للرياض”.
ونبهت إلى أن البيت الأبيض توقف في الوقت الحالي عن مطالبة السعوديين بضخ المزيد من النفط. وبدلا من ذلك، يطلب فقط ألا تعيق جهود الغرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أنه رغم هذا التأزم، حاول بعض مساعدي بايدن المقربين الضغط من أجل انفراج سياسي مع السعوديين.
ونقلت عن مسؤولين في البيت الأبيض (لم تسمهم)، قولهم إن المسؤولين الأمريكيين حاولوا هذا العام ترتيب مكالمة بين بايدن والملك والأمير. ومع اقتراب موعد المكالمة في 9 شباط/ فبراير، أخبر المسؤولون السعوديون إدارة بايدن بأن ولي العهد لن يشارك فيها.
وبعد أسابيع من رفض الدعوة، تلقى الأمير مكالمة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكد خلالها التزام الرياض بالحفاظ على خطة الحصص النفطية دون زيادة.
وقال مسؤولون سعوديون إن مطالبة ولي العهد باعتراف بايدن بوراثة العرش أصبحت أكثر تعقيدا. وقبل بضعة أشهر، ربما كان إجراء مكالمة هاتفية كافيا. والآن، يتشكك المسؤولون السعوديون في أنه حتى زيارة السعودية ستكون كافية.
وأفاد المسؤولون بأن الأمير يريد وضع مقتل خاشقجي وراء ظهره، وتأمين الحصانة القانونية في الولايات المتحدة، وهو أمر يمكن لبايدن فعله بتوجيه وزارة الخارجية للاعتراف به كرئيس للدولة.
ووفق الصحيفة، تريد الرياض أيضا دعم واشنطن لحرب اليمن، وتعزيز دفاعاتها ضد هجمات الحوثيين، ومساعدة الشركات الأمريكية في بناء قدراتها النووية المدنية، وضخ المزيد من الاستثمارات في اقتصادها.
واستبعدت “وول ستريت جورنال” أن يلبي بايدن معظم هذه المطالب، بالنظر إلى عدم وجود دعم للمملكة في الكونغرس، خاصة بين الديمقراطيين.
وفي وقت سابق، دعا 30 عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب، بنيهم قادة لجنتي الشؤون الخارجية والاستخبارات، الإدارة إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه السعودية، مشيرين إلى أن المملكة رفضت الدعوات الأمريكية لضخ المزيد من النفط لخفض الأسعار، ودخلت في محادثات مع بكين بشأن تسعير جزء من مبيعات النفط باليوان.