لم تكن عودة العلاقات السورية السعودية غير متوقعة، لكن المثير للدهشة هو قيادة السعودية للجهد العربي لإعادة بناء العلاقات مع دمشق، ما يؤدى في النهاية إلى استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية وإيجاد حل دائم للأزمة السورية.

يتناول الكاتب شاهر الشاهر في موقع “مودرن دبلوماسي” الذي ترجمه “الخليج الجديد” الموقف السعودي الذي أثار العديد من التساؤلات بين المهتمين بالشأن السياسي ومن يدركون أن التركيز على ما يسمى بـ”الجانب الإنساني” لـ”إنقاذ الشعب السوري” ما هو إلا تفسير سطحي.

شهدت الفترة الماضية تحولا نحو المصالحات بين دول المنطقة وكان التحول مدفوعا بالإرادة الداخلية لهذه الدول، إلى جانب انخفاض تأثير العوامل الخارجية التي كانت في السابق “تعوقها”، مثل العوامل الأمريكية والإسرائيلية. ويؤكد الكاتب أنه لسنوات عديدة، نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في تفاقم الخلافات الإقليمية وتحويلها إلى “صراعات صفرية”، ما جعل البحث عن حلول سياسية شبه مستحيل.

وربما يكمن مفتاح نجاح الصين في تسهيل التقارب السعودي الإيراني في قدرتها على إعادة تركيز الخلاف على أصله الحقيقي؛ صراع سياسي لعب فيه البعد الديني دورًا في تكثيفه.

 

ماذا تريد المملكة؟

يشير الكاتب إلى أن السعودية بدأت في التفكير بشكل مختلف منذ عدة سنوات، لا سيما مع صعود الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد، وابتعاد الولايات المتحدة عن المملكة، وتحول المملكة نحو روسيا والصين. وقد وضعت القمة الصينية العربية التي عقدت في الرياض عام 2022 السعودية في موقع الريادة في العالم العربي، لا سيما بالنظر إلى تقلص دور مصر بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك الوضع الاقتصادي الصعب.

ويضيف الكاتب أنه في أعقاب الحرب الأوكرانية، التي أشارت إلى ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والحاجة إلى الإصلاح في الأمم المتحدة الممزقة بالفعل، بدأت المناقشات حول توسيع عضوية مجلس الأمن ليشمل دولًا إضافية. وتضمنت الاقتراحات عرض مقعد للهند ومقعد للقارة الأفريقية ومقعد للدول العربية.

وتعهد الرئيس بايدن خلال القمة الأمريكية الأفريقية بدعم جهود القارة الأفريقية للحصول على مقعد في مجلس الأمن بهدف كسب تأييد القارة للتصويت ضد روسيا في الجمعية العامة. ومع ذلك، فإن منح مقعد للدول العربية يتطلب وحدة عربية وقيادة قوية قادرة على تحقيق هذه التطلعات، ما يحتمل أن يحفز السعودية على تولي هذا الدور القيادي، لا سيما في ظل دعمها من الصين وروسيا، وغياب الفيتو الأمريكي على مشاركتها.

وينوّه الكاتب أن السعودية ترغب في أن تصبح دولة نووية، وهو هدف أيده الرئيس الصيني خلال القمة العربية الصينية.

ووفقا للمقال تنطلق الاستراتيجية السعودية من الاعتقاد بأن تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين يقتضي توازناً بين الكيانات الأربعة الموجودة في المنطقة (العرب، وإيران، وتركيا، وإسرائيل)، وأن العرب فقط هم من يفتقرون حالياً إلى الأسلحة النووية. وعليه يرى الكاتب أن كل هذه الفوائد المحتملة تزيد من رغبة السعودية في حل النزاعات العربية-العربية وتنشيط جامعة الدول العربية من خلال القيام بدور قيادي داخلها.

 

أين تقف واشنطن من كل هذا؟

تثير هذه المبادرة السعودية أسئلة مهمة للعديد من الأطراف المهتمة: هل نشأ هذا الجهد عن قناعة سعودية بتبني سياسة جديدة ونهج أكثر واقعية تجاه القضية السورية ومسائل إقليمية أخرى؟ هل حصلت المملكة على موافقة أمريكية على هذه المبادرة، وهو افتراض سائد أيضًا بين العديد من المراقبين الذين يحاولون تفسير الموقف؟

ويشير الكاتب إلى أنه لفهم الموقف وأبعاده وأسراره بشكل صحيح، من الضروري الاعتراف بأن السعودية اليوم لم تعد كما كانت في عام 2011، لا سيما فيما يتعلق بالقيادة السياسية للمملكة وتوجهها. وبالمثل، فإن الولايات المتحدة ليست كما كانت في عام 1991، فقد تضاءل اهتمامها بالشرق الأوسط.

وعلى الجانب الآخر يذكر الكاتب أنه بسبب عوامل داخلية وخارجية، بدأت جمهورية إيران الإسلامية أيضًا في التفكير في حلول بديلة لقضاياها مع دول المنطقة، واعتماد مواقف إيجابية، تعود بالفائدة على الجميع إذا تحقق ذلك. وبالمثل، تغيرت سوريا، بعد سنوات من الحرب والدمار، ولعل الثابت الوحيد هو “ميولها العروبية” الراسخة بعمق في قيادتها وشعبها وسياستها الخارجية.

لم يدم موقف السعودية المتشدد من الأزمة السورية طويلاً، حيث غيرت سياستها في عام 2015، حيث أوقفت أولاً مساعيها لـ”قلب النظام في سوريا” ثم شرعت في إعادة العلاقات معها. أدى ذلك إلى سعيها لإيجاد حل للأزمة السورية.

ويحلل الكاتب بالقول أنه قد يكون قبول الحكومة السورية للجهود السعودية نابعًا من اعتقادها بأن المملكة قد تغيرت، ولقيادتها الآن توجهات مختلفة تجاه دمشق عما كانت عليه في الماضي. وقد تناول الرئيس السوري بشار الأسد هذا الأمر صراحةً خلال زيارته الأخيرة لموسكو.

من جانب آخر تؤكد السعودية وعدة دول عربية على وحدة أراضي سوريا، وهذا يدل على التزام عربي بطرد القوات التركية من الأراضي التي تحتلها في سوريا؛ انسجاماً مع موقف دمشق ومتطلباتها لأي تقارب مع أنقرة. كما تتوافق الرؤية السعودية لعودة اللاجئين السوريين أيضًا مع منظور دمشق.

وهناك احتمال كبير أن تلعب المملكة دورا أكثر فاعلية من الإمارات أو عمان في إعادة إعمار سوريا، بفضل علاقاتها مع روسيا والصين واعتماد الولايات المتحدة عليها، وقد يشجع ذلك دمشق على التعاون مع الرياض.

ولعل الجانب الأهم وفقا للكاتب أن المملكة لم تعد تنتظر الضوء الأخضر الأمريكي فيما يتعلق بتوجهها السياسي، كما يتضح من العديد من العوامل، بما في ذلك قرارات “أوبك بلس” الأخيرة المتعلقة بخفض إنتاج النفط، والتعاون مع روسيا والصين، والتقارب مع طهران، وقضايا أخرى. لكن تجدر الإشارة إلى أن عدم انتظار الضوء الأخضر لا يعني تجاوز الخط الأحمر الأمريكي إن وجد، خاصة وأن الولايات المتحدة، حتى لو لم تستطع إيجاد حل سياسي في سوريا، فهي بلا شك قادرة على التعطيل والعرقلة. وتدرك المملكة ذلك جيداً وتسعى إلى إرسال رسائل إيجابية إلى واشنطن بشكل دوري.

يبدو أن الموقف الأمريكي من سوريا قد خفف، حيث بدأت الولايات المتحدة في إعادة تقييم سياساتها تجاه سوريا، حيث دفع نهجها الخاطئ تجاه دمشق روسيا للتدخل في سوريا، وإنشاء قاعدة روسية في البحر المتوسط، وزيادة نفوذها العالمي. وبالمثل، أدى الموقف الأمريكي من سوريا إلى زيادة النفوذ الإيراني داخل سوريا.

ويشير المقال إلى أن الرئيس بايدن يهدف إلى إنهاء الحرب في اليمن ويعتبر ذلك انتصارًا لسياسته. وهو الآن بأمس الحاجة إلى نصر ليقدمه للناخبين الأمريكيين في الانتخابات المقبلة.

ومن زاوية أخرى يضيف المقال أن الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق من احتمال نجاح جهود الوساطة الروسية في سد الفجوة بين دمشق وأنقرة، ما قد يضغط على فصائل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وقد تدفع هذه العوامل الدول إلى البحث عن أرضية مشتركة تؤسس عليها وتخدم مصالحها، بما يعزز جهود المملكة ويزيد من فرص نجاحها في إيجاد حل للأزمة السورية.

ويرى الكاتب أنه إذا تحقق هذا الحل، فستكون المملكة رائدة في النظام السياسي العربي، على الأقل في المستقبل القريب، ما يستلزم التعاون مع الدول الفاعلة داخلها، ولا سيما سوريا ومصر والعراق والجزائر.

ويختتم المقال بالإشارة إلى أن تعامل السعودية مع دمشق ليس محاولة لقبول الواقع القائم، بل هو جهد منسق لحل الوضع. إنها ليست خطوة تكتيكية استجابة للاحتياجات الإنسانية، بل رؤية إستراتيجية متكاملة، ستسعى المملكة إلى تنفيذها بعد التشاور مع دمشق وفهم اهتماماتها.